بعد أن قدم الرئيس الأميركي السابق ترامب القدس إلى إسرائيل على طبق من ذهب نهاية العام 2017، تكثفت الهجمة الاستيطانية على المسجد الأقصى وتصاعدت بطريقة توحي بأنها معركة لحسم مسألة السيادة ليس في محيط الأقصى بل على القدس الشرقية المحتلة. وفي الواقع الهجمة بدأت مع فوز ترامب بالانتخابات وتسلمه البيت الأبيض مطلع عام 2016، فقد كان لدى نتتياهو وحكومته انذاك معرفة مسبقة بأن هذا الرئيس الأميركي بالتحديد متحمس للمشروع الصهيوني ولمسألة الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل حتى أكثر من قسم كبير من اليهود الأميركيين أنفسهم.

أولى المحاولات التي أظهرت مدى استعجال نتنياهو هي قيام حكومته في حينه بتثبيت البوابات الالكترونية على مداخل باحات الأقصى في تموز/ يوليو العام 2017. التي أفشلها المقدسيون والشعب الفلسطيني، عندما تصدوا بزخم كبير وقوة لهذه المحاولة. وخلال السنوات الماضية شهدنا اقتحامات شبه يومية للأقصى من قبل مجموعات المستوطنين بتشجيع وحماية القوى الأمنية ومن المستوى الرسمي الحكومي. وكانت هذه الاقتحامات تأخذ طابعًا منظمًا وممنهجًا بهدف فرض مبدأ التقسيم الزماني والمكاني، وفرض السيادة الإسرائيلية على كل مساحة وباحات المسجد الأقصى.

كما استخدمت الصهيونية الرواية التوراتية لتبرير إستيلائها على فلسطين، فإنها تتحدث اليوم عن أن هذه الرواية لن تستقيم إلا إذا تمت السيطرة على "جبل الهيكل"، من هنا تكمن أهمية ومصيرية المعركة الساخنة التي تدور في الأقصى، فهي من وجهة نظر صهيونية معركة فاصلة فإذا ما نجحت في السيطرة هناك، فهذا سيعني وبشكل تلقائي حسم مصير القدس الشرقية المحتلة كلها، وأكثر من ذلك فهي ستكون بمثابة التصفية النهائية للقضية الفلسطينية. ولأنهم يرونها كذلك فإن علينا أن نواجه هذا المخطط بكل ما لدينا من قوة لأنه بالمقابل إذا افشلناهم في الأقصى فإن هذا الفشل سيعني أننا ربحنا معركة القدس وليس الأقصى وحده.

من هنا فإنه ليس مسموحًا خسارة هذه المواجهة، ولكي لا نخسرها علينا أن ننظم أنفسنا ونملك خطة متشعبة دبلوماسية وميدانية. وأن يكون الفعل المقاوم منسقًا وموحدًا حتى لو اختلفت مواقفنا السياسية، فلا خلاف يجب أن يكون في معركة السيادة في القدس والأقصى التي يعتبرها العدو المكمل أو المتوج لروايته الزائفة، التي دونها يفقد مبرر مشروعه الاستيطاني الاستعماري ومشروعيته.

وفي الوقت نفسه ربما علينا أن ندرك أن المعركة لا تحسم بجولة واحدة أو حتى عدة جولات، العدو يدرك ذلك، ونحن علينا إدراك ذلك، لأهمية وخطورة القضية التي يدور حولها الصراع، مما يعني الحاجة للحكمة وطول الصبر والنفس والاستعداد دائمًا وتوقع خطوات العدو والرد عليها بالأسلوب المناسب.

لن تستطيع إسرائيل الادعاء أنها حسمت مسألة سيادتها على القدس إلا إذا حسمت السيادة في الأقصى، فالوضع سيبقى ملتبسًا والالتباس لا يفي بالغرض الصهيوني من هنا تتصرف إسرائيل بمنطق فرض روايتها بالتدريج حتي تتحول الرواية إلى واقع يمكن التفاوض بعده على التقسيم المكاني والزماني في مرحلة أولى، ثم محاولة إنهاء أي وجود إسلامي عربي في المكان. والمشكلة، أن هناك في العالم من يريد بل ويساعد ويدعم تثبيت الرواية الصهيونية على أرض الواقع، وخاصة الطوائف الإنجيلية والمسيحية الصهيونية في كل من الولايات المتحدة وبريطانيا، وربما لهذا يتصرف قطعان المستوطنين بأريحية ووقاحة ووحشية خلال اقتحاماتهم وخلال هجمات قوى أمن الاحتلال على المصلين.

بعد أسبوعين سوف يرحل شهر رمضان الكريم عنا، ولكن المعركة لن تتوقف، فالمسألة ليست متعلقة بزمن أو مناسبة مقدسة. إنه مشروع صهيوني ماكر ولئيم متواصل، وبالتالي فإن المواجهة مستمرة وليس فيها استراحة أو وقت مستقطع، في هذا المكان فإما هم وإما نحن، فلا مجال إلا أن نكون نحن لأنها معركة القدس ومصير فلسطين كلها فلا يمكن خسارتها أبدًا.

المصدر: الحياة الجديدة