فجر الأربعاء الموافق الخامس من نيسان / إبريل الحالي قامت عصابات الشرطة وحرس الحدود والجيش والأجهزة الأمنية الإسرائيلية وقطعان المستعمرين باقتحام المسجد الأقصى عمومًا والمصلى القبلي خصوصًا، حيث يرابط المتعبدون في الشهر الفضيل، واعتدوا بوحشة منفلتة من عقالها دون سابق إنذار على المصلين والمرابطين من الفتيان والنساء والشيوخ، وأصابوا 240 منهم بجراح، وعاثوا فسادًا وتخريبًا في المصلى، واعتقلوا 500 شاب لمجرد مرابطتهم في أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين بالتزامن مع حلول عيد الفصح اليهودي، وكأن أجهزة الدولة الفاشية شاءت أن تشفي غليل أركان حكومة الترويكا الفاشية: نتنياهو وسموتيريش وبن غفير وكل زعران الكهانية، أو كما قال أحد القتلة من الصهاينة "إننا ذبحنا الفلسطينيين قربانًا للفصح اليهودي". وتناسى هذا المجرم وكل إضرابه من مجرمي الحرب، إن الدم الفلسطيني الذي نزف، والذي سينزف لاحقًا سيكون قربانًا لديمومة الثورة والحرية والاستقلال والعودة وتطهير فلسطين من رجس الصهيونية الرجعية والعنصرية. وبدل أن يكون عيد الفصح فسحة للأمل، وإشاعة السلام، ونبذ الإرهاب والاستعمار والفاشية، وبناء جسور التسامح والتكامل مع الشعوب، كرسوه للقتل والكراهية والحقد والعنصرية البغيضة، ولعمليات التطهير الإجرامية. هذه هي إسرائيل، التي ولدت من رحم الفاشية وشيطانها الحركة الصهيونية وسادتها من الغرب الرأسمالي.

الجريمة الجديدة التي تابعها العالم بالصوت والصورة فجر أمس تكشف لكل ذي بصيرة، وصاحب رؤية وعقل منير، أن إسرائيل وقيادتها السياسية والأمنية العسكرية لا يمكن أن تقبل القسمة على مبدأ السلام، ولا يوجد من هو مؤهل من الصهاينة لأن يكون شريكًا لصناعة السلام الممكن والمقبول، بالتالي البقاء الفلسطيني في دائرة الانتظار والمراوحة في ذات المربع فيها خسائر فادحة، وتعطي من حيث يدري أو لا يدري الانتظاريين غطاءً للإسرائيليين لاستباحة الدم والمصالح الوطنية الفلسطينية، ومواصلة خيارهم الاستيطاني الاستعماري في كل الأرض الفلسطينية وتحديدًا في العاصمة القدس، والتمادي في عمليات التزوير ونهب الأراضي والعقارات والمقابر والمعابد وخاصة المسجد الأقصى، الذي يتعرض لهجمة غير مسبوقة هذه الأيام بعد تولي حكومة نتنياهو السادسة مهامها مع نهاية العام الماضي (2022) بهدف وضع اليد الصهيونية عليه بالكامل لتدميره، وليس لفرض التقسيم الزماني والمكاني، فضلاً عن عمليات التطهير العرقي لأبناء الشعب في فلسطين التاريخية من النهر إلى البحر. 

ما تقدم يطرح على الكل الفلسطيني من صانع القرار إلى آخر وطني، ما العمل؟ وكيف نواجه التحدي؟ هل سنبقى أسرى المراوحة والمسكنات وفتات الرشوات الأميركية التافهة، التي لا تمت بصلة للحقوق والمصالح الوطنية بصلة؟ وهل إنعدمت الخيارات الوطنية حتى نحف أقدامنا على مقاس الأحذية الصهيو أميركية؟ وأين روح الثورة؟ وهل شاخت وتكلست معاييرنا النضالية حتى نبقى واقفين على أبواب مسارات العقبة وشرم الشيخ الفاشلة؟ وهل يجوز لنا من حيث المبدأ أن نداهن أنفسنا، ونروضها، ونمني النفس بأننا "حققنا" اختراقًا لأول مرة من عشر سنوات لنجلس في إطار عربي وإقليمي ودولي ممثلاً بالاميركيين والمندوب البريطاني؟ وماذا أعطانا هذا الاختراق؟ هل أعطانا حقًا سياسيًا واحدًا، أم شماعة نعلق عليها انتظارنا، وإسرائيل تنهش لحمنا الحي صباح مساء؟ وأين أوراق قوتنا الموجودة بيدنا؟ أين نحن من وحدتنا، ومن ترتيب شؤون بيتنا؟ ولماذا نقبل الفيتو الصهيو أميركي ببقاء الانقلاب، والتشرذم الداخلي؟ لماذا لا نكسر القيود والتابوهات الأميركية الإسرائيلية الإخوانية ونعيد الاعتبار للذات الوطنية؟ 

آن الآوان للوقوف أمام الحالة والتجربة الفلسطينية، ومراجعة الذات، ووضع الإصبع على الجرح، ومكاشفة الشعب بالحقيقة المرة، ودعوة الهيئات القيادية لمنظمة التحرير لتحمل مسؤولياتها في اشتقاق رؤية وطنية جديدة ونوعية، ووضع آليات عمل تتناسب مع طبيعة المرحلة. وشق عصا الطاعة، ونرتقي إلى مستوى ما تتطلبة المرحلة الوطنية من استحقاقات سياسية وتنظيمية وكفاحية وإدارية ومالية، والربط الديالكتيكي بين حماية الكيانية الفلسطينية الممثلة بالسلطة، وتعظيم روح العملية النضالية، والارتقاء باشكال النضال، والمواءمة فيما بينها بما يخدم المصالح الوطنية العليا، ومغادرة دوامة الألاعيب الأميركية الصهيونية ومن يدور في فلكهم، وتصعيد النضال السياسي والدبلوماسي لتأمين الحماية الدولية للشعب العربي الفلسطيني، وشق طريق الاستقلال الاقتصادي عن الاقتصاد الإسرائيلي، عبر بناء الاقتصاد التكافلي والتعاوني صناعيًا وزراعيًا وتجاريًا، واعتماد فلسفة الكومونة حتى التحرر الوطني الكامل. 

إذا أردنا الخروج من نفق المراوحة والانتظار، نستطيع، ولكن لها ثمن، وعلينا جميعًا أن نتحمل دفع الثمن، ولكن بأدوات ورموز مغايرة ومختلفة، وبعيدة عن سطوة وهيمنة سيف ومقصلة المستعمر الصهيوأميركي. 

ما جرى في الأقصى فجر الأربعاء انذار قوي لكل من يبصر المستقبل، وآن لنا أن نقرع أجراس التمرد، وخلع أثواب "الرضا عن الذات" و"السكينة" والخشية من البعبع الصهيوأميركي. لا مجال أمامنا إلا التمرد على الواقع البائس دفاعًا عن الذات والوطن والشعب والمشروع الوطني ومنظمة التحرير والاستقلال والعودة وتقرير المصير.

المصدر: الحياة الجديدة