تقرير: إسراء غوراني
في مفارقة صعبة، يعاني أهالي مضارب الأغوار الشمالية الأمرّين للحصول على كميات ضئيلة من المياه عبر صهاريج النقل، فيما تمر بمحاذاة مساكنهم وخيامهم خطوط ناقلة للمياه تابعة لشركة "ميكروت"، لتزويد المستوطنات المقامة في المنطقة بكميات وفيرة من المياه.
يوسف بشارات من خلة مكحول يكابد يوميا مشقة كبيرة للحصول على المياه لسقاية مواشيه وتدبر الاحتياجات اليومية لأسرته.
يقول بشارات: "نعاني الأمرّين في الحصول على المياه عبر صهاريج النقل من قرى وتجمعات بعيدة، وفي المقابل يمر خط مياه رئيس على مقربة من خيامنا ويوفر المياه بكميات كبيرة وعلى مدار الساعة للمستوطنات القريبة ومنها: بقعوت وروعيه، إضافة إلى معسكري حمدات والمزوقح".
غدت الصهاريح الوسيلة الوحيدة للتزود بالمياه ليوسف ولكافة مربي المواشي من سكان مضارب الأغوار بعد حرمان الاحتلال الأهالي من مصادر المياه المتاحة بعدة أشكال، وبشكل متتابع منذ احتلال الأغوار منذ أكثر من 50 عاما.
يحتاج بشارات كل يومين إلى 10 أمتار مكعبة من المياه يستخدم غالبيتها لسقاية مواشيه التي تعتاش منها أسرته المكونة من 12 فردا، ويشتري المياه بثمن مرتفع حيث تصل تكلفة صهريج سعة 10 أمتار مكعبة إلى 200 شيقل، نتيجة لصعوبة الحصول على المياه وصعوبة وصول الصهاريج التي عادة تكون طريقها محفوفة بالمخاطر، فيبقى الأهالي على أعصابهم في انتظار صهريج المياه الذي قد تعترضه سلطات الاحتلال وتستولي عليه أو تمنعه من الوصول.
كان بشارات يربي قبل عامين حوالي 600 رأس من الماشية، لكن نتيجة لتراجع قدرته على توفير الكميات المناسبة من المياه وغيرها من عوامل قاهرة فرضها الاحتلال تناقص العدد الآن إلى 400 رأس، كما أنه يتخوف مع تناقص عددها بشكل أكبر مع فصل الصيف إذا استمرت ملاحقات صهاريج المياه والاستيلاء عليها.
ولا تقل معاناة أهالي القرى والتجمعات التي تعتمد على الزراعة بشقها النباتي عما يعانيه مربو الثروة الحيوانية، ففي قرى الأغوار التي عرفت عبر تاريخها بإنتاجها الزراعي مثل قرى بردلة، وكردلة، وعين البيضا، يعتبر الحصول على كمية يسيرة من المياه غنيمة كبرى.
في قرية بردلة على مدار عقود طويلة يزرع المواطنون مساحات واسعة من الأراضي يعتاشون منها، وكانوا قبل العام 1967 يوفرون المياه لمزروعاتهم من مياه الينابيع ومياه بئر ارتوازية حفروها خصيصا لأغراض الزراعة.
يوضح ضرار صوافطة وهو مزارع وعضو مجلس قروي سابق، أن بئر بردلة كانت تضخ 240 مترا مكعبا من المياه في الساعة قبل تجفيفها بداية السبعينات بسبب ممارسات شركة "ميكروت" الإسرائيلية في المنطقة.
وبعد ذلك بدأت "ميكروت" بتزويد الأهالي بالكمية نفسها التي كانت تضخها البئر ولكن أخذت الكمية بالتناقص عاما بعد عام، وفي الوقت الراهن معدل التزويد وصل إلى 120 مترا مكعبا في الساعة فقط، وهذه كمية لا تكفي للزراعة المروية ولاحتياجات السكان في القرية.
نتيجة لذلك يحاول الأهالي في بردلة تدبر أمورهم بصعوبة للتغلب على نقص الماء، من خلال تحولهم للزراعات التي لا تحتاج كميات كبيرة من الماء مثل الزراعات المحمية في الدفيئات، كما أنهم حاولوا بناء برك لتجميع مياه الأمطار ومياه شركة ميكروت وقت توفرها لحين الحاجة، إلا أن غالبية ما بني من برك طيلة السنوات الماضية هدمه الاحتلال.
الباحث في شؤون المياه والاستيطان وليد أبو محسن، يقول: رغم أن معاناة شح المياه والاستيلاء على مواردها من قبل الاحتلال معاناة شاملة في كافة مناطق فلسطين، إلا أنها تتخذ منحى أكثر صعوبة وتشكل كارثة بكل ما تحمله الكلمة من معنى في مناطق الأغوار، فالمياه تشكل عصب الحياة الاقتصادية، واحتياجات المياه في الأغوار لا تقتصر على الاستخدام الآدمي كونها منطقة يرتكز اقتصادها على الزراعة بشقيها النباتي والحيواني.
ويوضح أن أهالي الأغوار قبل عام 1967 كانوا يحصلون على مياههم من عدة مصادر وفيرة وأهمها: ينابيع المياه الجوفية التي كانت منتشرة بكثرة ومن أهم أمثلتها عين الساكوت وعين البيضا، ومن الآبار الارتوازية التي كان الأهالي يحفرونها في أراضيهم لاستخراج المياه، وهذه الينابيع والآبار تتزود بالمياه الجوفية من الحوض الشرقي، وهو واحد من ثلاثة أحواض جوفية رئيسية متجددة في الضفة.
بعد العام 1967 تحولت حياة أهالي الأغوار إلى جحيم بعد أن فقدوا الغالبية العظمى من مصادر مياههم، وبدأوا يعتاشون على مصادر محدودة وكميات قليلة من المياه أخذت بالتراجع والتناقص عاما بعد عام منذ ذلك الوقت.
"أول مصادر المياه التي خسرها الفلسطينيون مع احتلال الأغوار كانت مياه نهر الأردن"، يقول أبو محسن، حيث استولت سلطات الاحتلال على كامل المنطقة المحاذية للنهر وأطلقت عليها لاحقا اسم منطقة العزل الشرقية وأغلقت كافة سبل الوصول إلى مياه النهر، ومنذ ذلك الوقت لم يحصل الفلسطينيون على أية حصص من مياه النهر.
كما وقعت العديد من الينابيع والآبار في المناطق التي استولى عليها الاحتلال والاستيطان بشكل كامل، فيما جفت ينابيع وآبار أخرى خلال السنوات اللاحقة وخاصة مع بداية السبعينات بسبب قيام شركة "ميكروت" بحفر آبار عميقة في الأغوار تعمل على ضخ كميات كبيرة من المياه وبالتالي جفاف غالبية الآبار الفلسطينية الأقل عمقا، وجفاف العديد الينابيع.
يضيف أبو محسن: "خلال السنوات والاتفاقيات اللاحقة تم الحديث عن حصص المياه الفلسطينية وحقهم في المياه الجوفية، وحسب اتفاقية أوسلو تم تخصيص 118 مليون متر مكعب من المياه الجوفية المتوزعة على الأحواض الرئيسية الثلاثة في الضفة، وهذه الحصة تبلغ حوالي 15% فقط من كمية المياه المتاحة في فلسطين التاريخية".
ويؤكد أن الاحتلال لا يقوم بإعطاء هذه الحصة كاملة للفلسطينيين منذ ذلك الوقت على الرغم من أنه يجب زيادة هذه الحصة بسبب الزيادة الطبيعية للمواطنين وتضاعف عددهم.
كما أن بعض الينابيع القليلة التي بقيت بيد الفلسطينيين يعمل المستوطنون للاستيلاء عليها بشكل حثيث، وتتزايد هذه الأنشطة خاصة في مناطق الأغوار الشمالية خلال السنوات الثلاث الأخيرة، حيث استولى المستوطنون على عين الحلوة وعين خلة خضر في الأغوار الشمالية مؤخرا، من خلال بناء مرافق في محيطها ومنع المواطنين من الاقتراب منها.
ومن أشكال العنصرية التي يعامل بها الاحتلال أهالي الأغوار، كما يوضح أبو محسن، شبكات وخطوط المياه الخاصة بشركة "ميكروت" والتي تسحب المياه من أراضيهم وتمر بمحاذاة مساكنهم بينما يعانون العطش وعدم القدرة على الحصول على المياه، كما أن القرى الزراعية ممنوعة من مد خطوط مائية وتتعرض البنية التحتية الزراعية من خطوط مياه وبرك تجميع للهدم والتدمير.
حسب ورقة بحثية خاصة بالأغوار الشمالية صادرة عن مركز عبد الله الحوراني للدراسات التابع لمنظمة التحرير، "فإن الأغوار الشمالية تقع ضمن الحوض المائي الشرقي الأكبر في فلسطين ، ورغم ذلك تسيطر إسرائيل على 85% من مياهها، وتشير الأرقام إلى أن معدل استهلاك المستوطن القاطن في الأغوار الشمالية يبلغ 8 أضعاف ما يستهلكه المواطن الفلسطيني".
كما يوضح المركز: "لا تسمح سلطات الاحتلال بإعطاء تراخيص لحفر آبار مياه للفلسطينيين مهما كان عمقها بينما تقوم شركة "ميكروت" موزع المياه الإسرائيلي في الضفة الغربية بحفر الآبار التي يصل بعضها إلى عمق 100 متر بغية تزويد المستوطنات والمزارع التابعة لها بالمياه طوال العام، وقد أدت هذه السياسة إلى تجفيف عشرات الآبار والينابيع المنتشرة في المنطقة بفعل هذه الآبار العميقة".
ويضيف: "تسعى إسرائيل من خلال ذلك إلى تدمير أبسط مقومات الوجود الإنساني في المنطقة بهدف الضغط على الأهالي من أجل الرحيل، خاصة أن هذه المنطقة تعتمد على الزراعة المروية كمصدر رزق اساسي لهم ، ويلجأ السكان في الأغوار الشمالية إلى شراء صهاريج المياه بأسعار خيالية، وغالبا ما يقوم جيش الاحتلال بملاحقة هذه الصهاريج ومصادرتها وفرض غرامات مالية كبيرة تحت حجج وذرائع واهية، ومؤخرا قامت سلطات الاحتلال بإغلاق عشرات فتحات المياه وتدمير مئات الأمتار من خطوط المياه بادعاء أنها غير مرخصة، ما تسبب بأزمة مائية خانقة".
جهاز الإحصاء المركزي وسلطة المياه، اشارتا في بيان مشترك أمس الثلاثاء، إلى أن معدل استهلاك الفرد الفلسطيني للمياه ما زال أقل من الحد الأدنى الموصى به عالمياً حسب معايير منظمة الصحة العالمية البالغ 100 لتر في اليوم، وذلك نتيجة السيطرة الإسرائيلية على أكثر من 85% من المصادر المائية الفلسطينية.
ووفقا للبيان: "يبلغ الاستهلاك اليومي للفرد الفلسطيني 86.3 لتر من المياه، فبلغ هذا المعدل 89.0 لتر في اليوم في الضفة الغربية، مقابل 82.7 لتر في قطاع غزة، وإذا ما أخذ بالاعتبار نسبة التلوث للمياه في قطاع غزة، واحتساب كميات المياه الصالحة للاستخدام الآدمي من الكميات المتاحة، فإن حصة الفرد من المياه العذبة ستنخفض إلى 21.3 لتر فقط في اليوم، وعند المقارنة يلاحظ أن معدل استهلاك الفرد الإسرائيلي يزيد بثلاثة أضعاف الفرد الفلسطيني، إذ بلغت حصة الفرد الإسرائيلي نحو 300 لتر في اليوم، ويتضاعف هذا المعدل للمستوطنين الإسرائيليين إلى أكثر من 7 أضعاف استهلاك الفرد الفلسطيني".
المصدر: وكالة انباء وفا
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها