عانق الرمز البطل كريم يونس فجر الحرية بعد رحلة جائرة وطويلة امتدت أربعة عقود بأيامها ولياليها  السوداء أمس الخميس الموافق الخامس من كانون 2/ يناير 2023، جنرال الأسر الأقدم قاتل الظلام وعتمة ليل الجلاد، وظل ممسكاً بنبراس النور، وسراج الضياء، ومشعل الحرية. لم تهن عزيمة كريم ابن قرية عارة الشامخة في المثلث الفلسطيني، ولا نام يومًا على انين الوجع، وقساوة القيد، ووحشة الزنزانة، إنما ظل قابضًا على جمر الحياة، ومصراً على فتح أبواب الحرية الحمراء، وكي وعي السجان بالارادة الفولاذية، التي تمثلها السجين الأطول اعتقالاً في التاريخ المعاصر، وتفوق والعديد من أقرانه أبطال الأسر والحرية على المناضل الكبير الراحل نيلسون مانديلا بسنوات اعتقالهم.


كانت خطوات كريم الأولى نحو أبواب الحرية متعلثمة مترددة، ليس رفضاً لمعانقة نسائم الهواء الطلق، ولا انكفاءاً عن   الإمساك مجدداً بشعاع الامل، أو هربًا من مواصلة المسير في درب الفداء، أو جزعًا من انشاد نشيد الفدائي، نشيد الوطن والشعب العظيم، إنما كونه لم يشأ ترك رفاق الدرب، الذين عاش معهم وبينهم، وزاملهم وصادقهم وتآخى معهم فصول المعاناة والصمود والكفاح طيلة عقود المواجهة مع الجلاد الصهيوني القذر والمجرم. والذين حمل معهم المسؤولية عن نبض ومعاناة الاف وعشرات الآلاف من المناضلين البواسل أسرى القيد والسلام. وبسبب الشعور بالاغتراب المعتمل في النفس والروح بعد رحيل والدته شمس الحرية قبل ثمانية شهور، التي كانت بالنسبة له الزاد والامل والعطاء ونبع الحنان، وحاملة جبال أحلامه وأمانيه، لأنها كانت الوجه الآخر للثورة والميلاد الجديد.
مع هذا تقدم كريم بعد أربعين عامًا طوال شامخًا عملاقًا، وحاذى قدميه حتى تسير على الأرض ثابته، ومضى كالبرق والرعد صاعدًا إلى جبهة المواجهة الجديدة القديمة، حاملاً مشعل الحرية، وناثراً وروده وابتساماته الواثقة بالذات والشعب المضيع والمكبل والمحاصر وحامل رشاش الفداء والبقاء والاستقلال وغد الأطفال والأجيال الحالمة بالسلام والمستقبل المنير. حثت قدميه سيرها لتعانق شوارع وازقة عارة وعرعرة وكفر قرع، التي غابت عنها ردحًا طويلاً من الزمن، لكنها لم تنسَ خطواتها الأولى على ترابها المبارك، ولا زمن الطفولة والفتوة وأول الشباب.


أصر رمز الكفاح والبطولة والصمود كسر القيد، لم يستسلم للحظة واحدة، ولا فارقه الامل بنيل الحرية، وركوب أحصنة الحياة والثورة، ورفع العلم الفلسطيني عاليًا على أكتاف المستقبلين من الاهل والرفاق واخوة الخندق. لأنه أدرك منذ اللحظة الأولى ان زرد القيد والسجان إلى زوال مهما طال زمن الاعتقال. هزم الجلاد الصهيوني، واخترق جدران العتمة والرطوبة، وفتح أبواب السماء بارادته وعزيمته التي لا تلين. كيف لا وهو القائد المفولذ، عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح"، وشق الدرب رافعا الرأس والجبين عالياً، وهتف باسم الشعب العظيم المدافع عن تراب وطنه الأم، فلسطين أرض الرباط والسلام والإسراء ومعراج النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ورسول السلام عيسى ابن مريم عليه السلام، إنه على العهد باق، ولم ولن يلقِ راية الثورة والنصر المبين على أعداء السلام والحرية والعودة وتقرير المصير.


فتحت عارة الباسلة ذراعيها لابنها البار، واحتضنته، واحتضنت مهنئيه وأبناء الشعب العنيد من البحر إلى النهر وفي الشتات والمغتربات، الذين عانقوه كل من موقعه ومكانه من داخل وخارج الوطن الحبيب عبر مواقع التواصل الاجتماعي والاحتفاء باستقباله استقبال الأبطال الأماجد، مؤكدين له، أن النصر آتً آت آتً لا محالة، رغم قساوة ووحشة اللحظة السياسية مع صعود الفاشيين الجدد سدة الحكم في دولة التطهير العرقي الإسرائيلية، واعتبروا أن ميلاده الجديد، وكسر القيد بشارة حرية كل الشعب المجيد.


وعانقه كل الأشقاء العرب من الوطنيين والقوميين والديمقراطيين من المحيط إلى الخليج، وهتفوا باسمه وعظمة صموده أربعين عامًا خلف قضبان الاسر الموحشة والآسنة، واعتبروه رمزًا لحريتهم وانعتاقهم من ليل البؤس والحرمان والانقسام والتبعية، ورمزًا لكل أحرار العالم بأسره، وأيقونة الحرية الخالدة.


مازال كريم يونس ذلك الشاب المعطاء، رغم العقود الأربعة التي قضاها في جبهة المواجهة اليومية مع دولة أسبارطة وجنودها وأجهزتها الأمنية المجرمة والفاشية. لم يشخ عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح" أسوة برفاق الأسر الأبطال، إنما تجدد شبابه وشموخه وفروسيته مع ميلاده الجديد، وانتقاله لميدان وجبهة المواجهة الجديدة ضد طغاة العصر المستعمرين الصهاينة.


أهلاً بالقائد الوطني الكبير كريم يونس، وسلامًا عليك يوم ولدت، ويوم كسرت القيد، وعشت أبياً وعملاقاً من عمالقة الوطن والحرية والاستقلال وتقرير المصير. ومبرووووووووووووووووك كبيرة حريتك حريتنا جميعاً في فلسطين.