في زمن الركض في متاهات التطبيع الاستسلامي، وغياب المعايير، وعدم الالتزام بمحددات مبادرة السلام العربية، التي اقرتها قمة بيروت العربية عام  2002، ورغم توقيع العديد من الأنظمة السياسية الحاكمة على مخرجات القمة العربية مطلع نوفمبر الماضي، والقمة العربية الصينية، المؤكدة جميعها على المبادرة واولوياتها، إلا أن أهل الحكم المتورطين في عمليات التطبيع مع دولة التطهير العرقي الإسرائيلية في الواقع العملي تواصل نهجها، وسباحتها عكس تيار السلام العربي الواقعي الملتزم بمبادة السلام العربية وقرارات الشرعية الدولية، وكأن توقيعها على البيانات المشتركة بلا رصيد، ولا يعنيها من قريب أو بعيد. ليس هذا فحسب، بل الأدهى والأمر، أن بعض سفراء تلك الدول لا يخجل من دعوة الفاشيين الجدد بن غفير وسموتيرش لمناسباتهم الوطنية، ويستقبلون رئيس دولة إسرائيل ووزراءها وقادة جيشها وأجهزتها الأمنية، ويوقعون بشكل متواصل الاتفاقيات مع دولة الإرهاب والجريمة المنظمة الصهيونية لتعميق وتوسيع التطبيع المهين والمذل، التي تستهدف العرب جميعًا، ولا تستهدف الفلسطينيين فقط.


في هذا الوقت المريب، واللا منطقي، والمتناقض مع ألف باء المصالح الوطنية والقومية العربية، وليس المصالح والثوابت الفلسطينية فقط. وفي الزمن الذي تصعد دولة اسبارطة الإسرائيلية الحرب على أبناء الشعب الفلسطيني، وترفض كل مبادرات السلام، وقرارات الشرعية الدولية، وتعمل بشكل حثيث مع الإدارات الأميركية المتعاقبة على تصفية القضية الفلسطينية، قامت أنظمة تلك الدول بتنفيذ قرارات إدارة ترامب السابقة، صاحبة صفقة العار المشؤومة، وذهبت صاغرة في أيلول / سبتمبر 2020 ووقعت على اتفاقات ما يسمى "اتفاقات السلام الإبراهيمي"، ودون أن تعرف على ماذا وقعت، ودون أن تقرأ النصوص، بتعبير آخر وقعت على بياض إلى جانب نتنياهو في البيت الأبيض، وغيرها من الأنظمة كان موقعًا من زمن بعيد، وجدد التوقيع على عمليات الاستسلام، وبعضها الآخر وقع من تحت الطاولة، ثم من فوقها في ظل حالة التيه والضياع العربية الرسمية.


وكأن تلك الأنظمة لم تتعلم من تجربة من سبقوهم من الدول العربية، أو من تجربة اتفاقيات أوسلو الفلسطينية عام 1993، التي استباحتها الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، وضربت بها عرض الحائط، ليس هذا فحسب، بل شرعت قوانين ابرزها "قانون القومية الأساس للدولة اليهودية" في تموز / يوليو 2018 العنصري الاستعماري، الذي نفت فيه إسرائيل أي حق للشعب الفلسطيني بتقرير المصير، ويومًا تلو الآخر تصعد من جرائم حربها، وممارساتها الإجرامية، وتوسع عمليات التطهير العرقي في القدس العاصمة وأحيائها، وتؤبد الاستيطان الاستعماري، وتعظم من مكانة النازيين الجدد، وأقرت لهم قوانين باسمائهم الإرهابية في الكنيست أمس وقبل الأمس حتى ترى حكومة نتنياهو السادسة النور غدًا الخميس (28/12).


مع ذلك، عاشت شعوب الأمة العربية نقاط ضوء جديدة، وهامة، أولاً القمة العربية في الجزائر الشقيقة مطلع نوفمبر الماضي؛ ثانيًا الأولمبياد العالمي في الدوحة 2022، الذي شكل منصة عربية وإسلامية وعالمية هامة ليس لقطر لوحدها، ولا للفريق المغربي البطل، وإنما لفلسطين وشعبها وحقوقها؛ ثالثًا القمة العربية الصينية وبيانها الختامي الهام والذي أكد على الثوابت الفلسطينية؛ رابعاً موافقة مجلس الشورى العماني يوم الاثنين الموافق 26 كانون 1 / ديسمبر الحالي على إحالة مشروع لتعديل المادة الأولى من قانون مقاطعة "إسرائيل" إلى اللجنة التشريعية والقانونية لاستيفاء الجوانب الإجرائية. وهناك العديد من الإنجازات المتواضعة على المستوى الاممي، وخاصة صدور قرارات أممية جديدة لدعم حق تقرير المصير، وحق سيطرة الفلسطينيين على ثرواتهم، والموافقة المبدئية على تحويل الأسئلة القانونية الفلسطينية حول طبيعة الاستعمار الإسرائيلي لمحكمة العدل الدولية، الذي يفترض المصادقة عليه خلال الساعات القادمة وقبل نهاية العام الحالي. 
وكان صرح نائب رئيس المجلس، يعقوب الحارثي، عقب انتهاء الجلسة الاعتيادية الاثنين الماضي، بأن المقترح الجديد يقتضي توسيع نطاق المقاطعة المنصوص عليها، ويفضي إلى تجريم أي شخص يتعامل مع تل أبيب.


وأضاف: أن أعضاء المجلس الذين تقدموا بالطلب أخذوا بعين الاعتبار التطور الحاصل في المجالات التقنية، والثقافية، والاقتصادية والرياضية، واقترحوا إجراء تعديلات إضافية تضمن حظر العلاقات، والتواصل الوجاهي أو الإلكتروني مع الكيان الاستعماري الإسرائيلي سواء للأفراد أو الشخصيات الاعتبارية.


الخطوة العمانية تعتبر نقلة هامة وضرورية في إضاءة شمعة جديدة وسط الغيوم الملبدة في سماء الوطن العربي، وأعتقد أنها ستسهم في تحفيز بعض الأشقاء على الاقتداء بها، لتوسيع عمليات المقاطعة لدولة الفصل العنصري. شكرًا للسلطنة ولمجلس الشورى وللقيادة وللشعب العماني الشقيق على موقفهم القومي الشجاع والنبيل.