تقتضي جريمة منظومة الاحتلال الإسرائيلي بإعدام الأسير البطل ناصر أبو حميد بواسطة تسريع استفحال مرض السرطان بجسده التأكيد على أننا لم ولن نغفل يومًا عن حقيقة ثابتة، وهي أن هذه المنظومة (إسرائيل) قد أنشئت خارج سياق التاريخ، والجغرافيا، والثقافة الإنسانية، وأخضعت لعمليات تجميل، وكيلت عليها أصباغ الديمقراطية والحقوق والحريات، حتى غطت على ملامحها الحقيقية باعتبارها مشروعًا استعماريًا عنصريًا مكرسًا لابتداع جرائم حرب وضد الإنسانية، وسبل ووسائل انتهاك القوانين والاتفاقيات الدولية، وكيفية التهرب ليس من تطبيقها وحسب، بل في كيفية استخدامها في اتجاه واحد، وتبرير مخالفتها وانتهاكها عندما يتعلق الأمر بالشعب الفلسطيني الذي ارتكبت بحقه جريمة تاريخية ما زال العالم الديمقراطي والحر كما يزعمون يشهد فصولها ويملك من إرادة الانتصار لمبادئه وللاتفاقيات والمواثيق التي صاغها وخطها رواد القانون والحقوق والسياسة..

فإسرائيل هذه المنظومة العنصرية انتهكت منذ تكوينها وما زالت تنتهك القوانين والاتفاقيات الدولية، ونعتقد أن رؤوسها في الجهازين السياسي والأمني يعتبرون الشعب الفلسطيني وحقوق أفراده خارج نطاقها، لكنهم سرعان ما يتخذون  الاتفاقيات المتعلقة بالأسرى وسيلة ضغط قانونية في المحافل الدولية أو على أطراف فلسطينية أو عربية لتأمين سلامة وصحة جنودهم الواقعين في الأسر أو لإطلاق سراحهم..

لكن لا بد من تسليط دائرة ضوء القانون الدولي ونصوص الاتفاقيات الأممية على رؤوس منظومة الاحتلال  والاستيطان، لكشف معدن العمود الفقري لدولتهم الناقصة (إسرائيل) وقد لا نحتاج لتوصيفات أكثر من التي تسوقها تقارير منظمات أممية محايدة باتت تعتبر إسرائيل دولة إرهاب وعنصرية وجريمة، علاوة على أن مخالفتها وانتهاكاتها للقوانين الدولية وامتناعها عن تطبيق بند واحد منها متعلق بحق الشعب الفلسطيني دليل على مدى ابتعاد هذه المنظومة عن دائرة الإنسانية، فتبدو ككيان خارج سياقها وفضائها ونطاق جاذبيتها. ومن المهم بالنسبة لجمهورنا معرفة مسؤولية منظومة الاحتلال والاستيطان العنصري (إسرائيل) عن حياة كل أسير فلسطيني في معتقلاتها، وفق المــادة (12) من هذه الاتفاقية التي نصها: "يقع أسرى الحرب تحت سلطة الدولة المعادية، لا تحت سلطة الأفراد أو الوحدات العسـكرية التي أسرتهم. وبخلاف المسؤوليات الفردية التي قد توجد، تكون الدولة الحاجزة مسـؤولة عـن المعاملة التي يلقاها الأسرى"..

ما يعني أن إسرائيل كدولة هي المسؤولة وليس ما يسمى مصلحة السجون أو وزارة الحرب، أو الحكومة وحسب، وما يعني أيضا أن العالم أمامه دولة عضو في الأمم المتحدة تحتقر قوانينها والاتفاقيات الدولية المنبثقة عنها. فقد نصت الاتفاقيات الدولية على وجوب معاملة أسرى الحرب والمقاتلين من أجل الحرية معاملة إنسانية في جميع الأوقات. ويحظـر على الدولـة الحاجزة اقتراف أي فعل أو إهمال غير مشروع يسبب موت أسير في عهدتها، ويعتبر انتهاكاً جسـيماً لهذه الاتفاقية. ولا يجوز تعريض أي أسير حرب للتشويه البـدني أو التجـارب الطبية أو العلمية من أي نوع كان مما لا تبرره المعالجة الطبية للأسير المعني أو لا يكون في مصلحته." وهذا منصوص عليه في مضمون المادة 13 في الباب الثاني تحت عنوان: الحماية  العامة  لأسرى الحرب، في اتفاقية جنيف الثالثة بشأن معاملة أسرى الحرب المؤرخة في 12 آب/ أغسطس سنة 1949، أما في المادة 109 فنقرأ في القسم الأول بعنوان  (إعادة الأسرى الى الوطن) من الباب الرابع في اتفاقية جنيف الثالثة المعنون: (انتهاء حالة الأسر) ما يلي: "تلتزم أطراف النزاع بإعادة أسـرى الحرب المصابين بأمراض خطيرة أو جروح خطيرة إلى أوطانهم بصرف النظر عن العـدد أو الرتبة"..

كما نقرأ في المــادة 110: "يعاد المذكورون أدناه إلى أوطانهم مباشرة: أولاً - الجرحى والمرضى الميئوس من شفائهم، والذين يبدو أن حالتهم العقليـة أو البدنيـة قـد انهارت بشدة".. ثانيًا - الجرحى والمرضى الميئوس من شفائهم خلال عام طبقاً للتوقعات الطبية، وتتطلب حـالتهم العلاج، ويبدو أن حالتهم العقلية أو البدنية قد انهارت بشدة".


ما كان الأسير ناصر أبو حميد أول مناضل وطني ترتقي روحه شهيدًا في معتقلات الاحتلال، فما حدث جريمة حرب كما وصفها سيادة الرئيس أبو مازن، فسلطات الاحتلال تمعن بجريمة انتهاكها للقوانين وتمضي بعملية القتل البطيء للأسرى وتحديدًا الأبطال المحكومين بمؤبدات عدة، ولا نستبعد تقصد سلطات الاحتلال في نشر الأمراض القاتلة أو الدائمة في أوساطهم، وبذلك تنفذ اغتيالات بحق الأسرى بوسيلة غير الرمي بالرصاص – المستخدم حالياً على الطرقات وفي توغلات الوحدات الخاصة لجيشها في أحياء المدن والمخيمات، فتتخذ من الإهمال الطبي سلاحها الأشد فتكاً وتعذيبًا.