لقد آن الأوان لتصحيح هذه الخطيئة التاريخية الكبرى التي ارتكبتها بريطانيا بموافقة الدول الكبرى، وهي مطالبة بالإعتذار للشعب الفلسطيني والإعتراف بدولة فلسطين.
يصادف اليوم الأربعاء، الثاني من تشرين الثاني، الذكرى الـ105 لصدور "اعلان بلفور" المشؤوم، الذي منحت بموجبه الحكومة البريطانية الحق في إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، والذي مهد الطريق لتنفيذ المخطط الصهيوني الإستعماري بإقامة الكيان الصهيوني على أرض فلسطين.
لم يكن "وعد بلفور" بريطانيا فحسب، بل كان وعدًا إستعماريًا وافقت عليه جميع الدول الإستعمارية الكبرى آنذاك، حيث وافقت عليه فرنسا وإيطاليا رسميًا سنة 1918، ثم تبعها الرئيس الأميركي ولسون رسميًا وعلنيًا سنة 1919، وكذلك اليابان، وفي 25 نيسان سنة 1920، وافق المجلس الأعلى لقوات الحلفاء في مؤتمر سان ريمو على أن يعهد إلى بريطانيا بالانتداب على فلسطين، وأن يوضع وعد بلفور موضع التنفيذ حسب ما ورد في المادة الثانية من صك الانتداب، وفي 24 تموز عام 1922 وافق مجلس عصبة الأمم المتحدة على مشروع الانتداب الذي دخل حيز التنفيذ في 29 أيلول 1923، وتحقق بذلك حلم اليهود بالحصول على تعهد من الدول الكبرى بإقامة وطن قومي لهم تنفيذًا لمقررات المؤتمر الصهيوني الأول، الذي عقد في مدينة بازل بسويسرا عام 1897، والذي أقرّ البرنامج الصهيوني، إنشاء وطن للشعب اليهودي في فلسطين.
وتعاونت بعد ذلك الإدارة العسكرية البريطانية الحاكمة في فلسطين مع الحركة الصهيونية التي كان يرأسها حاييم وايزمان، وبدأت بالسماح لقوافل المهاجرين اليهود القادمين من روسيا وأوروبا الشرقية إلى فلسطين، وساعدت بالتعاون مع الحركة الصهيونية على تشكيل عصابات مسلحة للسيطرة على فلسطين.
وفي مواجهة هذا المشروع أنتفض الشعب الفلسطيني وخاض ثورات متلاحقة، كان أولها ثورة البراق عام 1929، ثم تلتها ثورة 1936.
واستغلت الحركة الصهيونية وعد بلفور المشؤوم ومن ثم صك الانتداب، وقرار الجمعية العامة عام 1947، القاضي بتقسيم فلسطين لتنفيذ مشروعها الإستعماري الصهيوني الإستيطاني، بإقامة الكيان الصهيوني في الخامس عشر من أيار عام 1948، وليحظى هذا الكيان بعضوية الأمم المتحدة بضغط الدول الكبرى، ولتصبح إسرائيل أول دولة في تاريخ النظام السياسي العالمي التي تنشأ على أرض الغير، مما شجع دولة الاحتلال على التوسع وإبتلاع المزيد من الأراضي الفلسطينية والعربية.
إن وعد بلفور المشؤوم أعطى من لا يملك وعداً لمن لا يستحق، وليكون ذلك اليوم يوماً أسود في تاريخ الشعب الفلسطيني، بل في تاريخ البشرية كلها، وضربة للعدالة والشرعية الدولية.
وبعد مضي مئة وخمسة أعوام على إعلانه، ما زال يشكل نقطة سوداء في تاريخ بريطانيا الإستعماري البشع للمنطقة العربية، ووصمة عار على جبين الإنسانية والدول الإستعمارية الكبرى التي تدّعي الديمقراطية وحرصها على حقوق الإنسان.
لقد آن الأوان لتصحيح هذه الخطيئة التاريخية الكبرى التي ارتكبتها بريطانيا، وهي مطالبة بالإعتذار للشعب الفلسطيني عما لحق به من ظلم تاريخي نتيجة وعد بلفور المشؤوم الذي أعطي الضوء الأخضر للعصابات الصهيونية لارتكاب المجازر والمذابح وسقوط عشرات الآلاف من الشهداء والجرحى وتشريد مئات الآلاف من أبناء شعبنا خارج وطنهم الأصلي فلسطين.
وبهذه المناسبة نجدد مطالبتنا للمجتمع الدولي وكل مؤسساته الأممية بالإعتراف الفوري والعاجل بـ"دولة فلسطين" كاملة العضوية في الأمم المتحدة، تنفيذًا لكل قرارات الشرعية الدولية التي أقرت بالحقوق الوطنية الشرعية الثابتة وغير القابلة للتصرف لشعبنا الفلسطيني.
ونطالب الدول العربية المشاركة في مؤتمر القمة المنعقد في الجزائر اليوم بإتخاذ قرارات عملية لدعم الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، وتأمين الدعم السياسي والمالي والإقتصادي للشعب الفلسطيني، والتوقف عن الهرولة نحو التطبيع المجاني مع دولة الاحتلال قبل نيل شعبنا حقوقه الوطنية الكاملة وإنسحاب دولة الاحتلال من كامل الأراضي العربية المحتلة عام 1967، وفق المبادرة العربية التي أجمعت عليها كل الدول العربية.
وفي هذا اليوم نؤكد على أهمية تنفيذ إعلان المصالحة ولم الشمل الذي صدر في الجزائر، بين كافة فصائل العمل الوطني الفلسطيني، لأن الوحدة الوطنية الفلسطينية أصبحت أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى في مواجهة تصاعد وتيرة العداوان الصهيوني الغاشم على شعبنا في القدس والضفة الغربية وقطاع غزة.
نحيي صمود أبناء شعبنا في كل أماكن تواجده ومقاومته الباسلة في الوطن، ونعاهد شعبنا على المضي في الكفاح والنضال حتى العودة وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف.
قيادة فصائل منظمة التحرير الفلسطينية
في لبنان
2 تشرين الثاني 2022
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها