بعد حصار دام ثلاثة شهور للعاصمة اللبنانية بيروت من قبل قوات الغزو الإسرائيلي تعرّضت لها العاصمة لأبشع أنواع القصف الهمجي، من خلال عملية أطلقت عليها ما تُسمى إسرائيل" سلامة الجليل"، تم توقيع اتفاقية فيليب حبيب، المبعوث الأمريكي من أصل لبناني، وأهم بنود هذه الاتفاقية هي خروج المقاتلين الفلسطينيين من لبنان، وبضمانة أمريكية وعربية حفاظاً على سلامتهم، ومتعهدين بحماية اللاجئين الفلسطينيين في المخيمات الفلسطينية.
بعد أن تم الخروج وبحماية القوات الفرنسية العاملة ضمن القوات المتعددة الجنسيات المنتشرة في محيط مرفأ بيروت، وبعد انتخاب بشير الجميّل رئيساً للجمهورية اللبنانية، الذي اغتيل عصر ١٤ أيلول من العام ١٩٨٢، حاصر الجيش الإسرائيلي مدينة بيروت من أربعة محاور، وقام باضاءة منطقة صبرا وشاتيلا ومنطقة الحرش والحي الغربي بالقنابل المضيئة، تسهيلاً لارتكاب أبشع مجزرة في تاريخ البشرية على يد الميليشيات اللبنانية الانعزالية، حيث ذهب ضحيتها آلاف المدنيين العزّل من اللبنانيين والفلسطينيين، ناهيك عن مئات المفقودين.
اليوم وبعد أربعين عاماً على ارتكاب مجزرة صبرا وشاتيلا، لم يحرّك العالم ساكناً، ولم تجرِ محاكمة دولة الاغتصاب ولا مرتكبي المجزرة، ولا زالت دماء الضحايا تستصرخ الضمير العالمي للاقتصاص من المجرمين.
في هذه الذكرى الأليمة أحيت بلدية الغبيري وجمعية" كي لا ننسى"، بالتنسيق مع مؤسسة بيت أطفال الصمود الذكرى الأربعين لمجزرة صبرا وشاتيلا بمهرجانٍ خطابيٍ في المركز الثقافي لبلدية الغبيري (رسالات)، وبمسيرةٍ رسميةٍ وفصائليةٍ وكشفيةٍ وشعبيةٍ، انتهت عند مثوى شهداء مجزرة صبرا وشاتيلا بوضع أكاليل على النصب التذكاري للشهداء، وذلك الجمعة ١٦/٠٩/٢٠٢٢
وشارك في إحياء الذكرى سعادة سفير دولة فلسطين لدى الجمهورية اللبنانية الأخ أشرف دبور، ونائب رئيس المجلس الوطني الفلسطيني علي فيصل، ورئيس بلدية الغبيري معن الخليل، وعضو المكتب السياسي لحزب الله حسن حب الله، وأمين سر حركة "فتح" وفصائل منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان فتحي أبو العردات، وعضو المجلس الثوري لحركة "فتح" آمنة جبريل، وقيادة حركة "فتح" في بيروت ومخيماتها، ومسؤول جمعية بيت أطفال الصمود قاسم العينا، ووفد من جمعية" كي لا ننسى"، ومشاركة فعّالة من جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني في لبنان، والمكتب الحركي الطلابي، واللجان الشعبية، والقوى الأمنية الفلسطينية، وعوائل وأسر شهداء المجزرة، وحشد إعلامي واسع، وحضور شعبي من مخيمات بيروت.
بدأ المهرجان الخطابي بالنشيدين الوطنيين اللبناني والفلسطيني عزفتهما الفرقة الكشفية التابعة لجمعية ببت أطفال الصمود.
وكانت الكلمة الأولى لفلسطين، ألقاها أمين سر حركة "فتح" وفصائل منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان فتحي أبو العردات، رحب في بدايتها بالحضور الكريم، معتبراً أن شعار "كي لا ننسى" يحمل الكثير من الدلالات، وهي عبارة عن رسالة يتم إرسالها كل عام إلى المجرمين والقتلة أن الشعب الفلسطيني لن ينسى ما حصل على يد الاحتلال وعملائه في العام 1982.
وأكّد أبو العردات أن يوم الحساب آتٍ لو مهما طال الزمان، ولن يضيع حق وراءه مطالب، وفي هذه الحالة هناك شعب وراء المطالبة بإحقاق الحق، موجّهاً التحية إلى أرواح الشهداء الذين سقطوا في هذه المجزرة الرهيبة، وهم فلسطينيين ولبنانيين، وموجهاً التحية أيضاً إلى الأسرى والمعتقلين في سجون الاحتلال، وإلى الوفود التي تشارك في كل عام في ذكرى المجزرة متكبّدةً المعاناة المعنوية والمادية لإحياء هذه الذكرى الأليمة.
واعتبر أبو العردات في كلمته أن الشعب الفلسطيني وعلى الرغم من كل ما يعانيه يقف إلى جانب إخوانهم في الأراضي المحتلة في الضفة والقطاع وفي أراضي العام 48، حتى تحرير كامل الأراضي الفلسطينية من الاحتلال.
وكانت كلمة لعضو المكتب السياسي لحزب الله حسن حب الله، فنّد فيها جرائم الاحتلال الصهيوني حتى قهره في العام 2000 بفعل ضربات المقاومة.
ودعا حب الله الفلسطينيين في الداخل الفلسطيني وتحديداً في قطاع غزة والضفة الغربية إلى الوحدة ومواجهة الاحتلال الذي لا يستطيع أن يقهرهم في حال كانوا موحَّدين، مشدّداً أن النصر سيكون حليفهم مهما طال الإنتظار، معتبراً أنه من اليوم فصاعداً لن يتم الاحتفال بذكريات المجازر، بل سيتم الإحتفال بذكرى الإنتصارات على العدو.
وكانت كلمة لرئيس بلدية الغبيري معن خليل، اعتبر فيها أن مجزرة صبرا وشاتيلا ستبقى جرحاً مفتوحاً لا يخفف من آثاره سوى صمود المقاومة في مواجهة الاحتلال. وشدّد خليل على ضرورة إيجاد حل للعقار الذي تقع فيه مقبرة شهداء المجزرة، كونها ملكية خاصة، معتبراً أن الحل الوحيد هو بشراء العقار من المالكين لقطع الطريق أمام أي جهة مشبوهة من القيام بشراء العقار بهدف طمس معالم جريمة المجزرة.
وأطلق خليل خلال المهرجان جمعية إسمها "1982 صبرا وشاتيلا" التي سيتم من خلالها فتح باب التبرُّعات الشعبية لشراء العقار الذي تقع فيه المقبرة، مؤكداً أن هذه المهمة ليست بالأمر المستحيل، خاصة بعد تقاعس المعنيين في شراء العقار وتحويله إلى معلم تاريخي عن همجية الاحتلال.
وألقت كلمة الوفود الأجنبية المشارِكة السيدة ميركا غاروتي والتي بدأتها بتوجيه التحية إلى أرواح الشهداء الذين سقطوا في أبشع مجزرة عرفها التاريخ الحديث، مؤكدةً وقوف اللجان والوفود الأجنبية إلى جانب الشعب الفلسطيني حتى إحقاق الحق.
واستذكرت غاروتي في كلمتها المجزرة التي استمرت لمدة 72 ساعة على يد الإسرائيليين وعملائهم، دون رحمة أو رأفة بالمدنيين والعزّل، في إهانة للمجتمع الدولي الذي لم يدن الإسرائيليين ولم يضغط للتعويض على أهالي الضحايا، مؤكدة أن الإسرائيلي سيدفع الثمن لأن هناك حقوق لا تزال عالقة للشعب الفلسطيني.
وألقت كلمة أسر الشهداء والضحايا فرح قويدر، بدأتها بتوجيه التحية إلى الحضور والوفود واللجان المشاركة في الذكرى الأربعين لمجزرة صبرا وشاتيلا.
واعتبرت قويدر، أن أهالي الشهداء لا يزالوا يعيشون يومياً مع هذه المجزرة التي ذهب ضحيتها الآلاف من الشهداء الأبرياء الذين سقطوا على يد الإسرائيليين وعملائهم، دون أن يتم محاسبة أي منهم، مطالِبةً المجتمع الدولي بالتحرُّك وإحقاق حقوق أهالي الضحايا، كي لا تبقى المجزرة وصمة عار على جبين المجتمع الدولي.
ولدى انتهاء المهرجان الخطابي، إنطلقت مسيرة من قاعة رسالات باتجاه مثوى شهداء مجزرة صبرا وشاتيلا ، حيث قرأ المشاركون سورة الفاتحة لأرواح الشهداء ووضعوا أكاليلاً من الورد باسم بلدية الغبيري ومنظمة التحرير الفلسطينية وحركة "فتح" والجبهة الديمقراطية على النصب التذكاري للشهداء.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها