فوز الرئيس إيمانويل ماكرون، في الدورة الثانية في الانتخابات الرئاسية الفرنسية، كان أمرًا متوقعًا، فقد حصل على5. 58% من الأصوات فالشعب الفرنسي بطبيعته في اللحظة الأخيرة يميل للاعتدال. ولكن بالمقابل حققت مرشحة اليمين المتطرف الفرنسي مارين لوبان إنجازًا تاريخيًا بحصولها على 41.5% من الأصوات، وبهذا المعنى هي لم تخسر، فهي واليمين المتطرف وضعوا أنفسهم على الخارطة السياسية الفرنسية كتيار سياسي عريض وليس قوة معزولة في المجتمع.
الفرنسيون اختاروا فرنسا الأوروبية، المنحازة للاتحاد أكثر من كونهم اختاروا ماكرون، اختاروا الاستمرار بفرنسا كقوة أوروبية دولة قائدة في الاتحاد الأوروبي. بالمقابل ليس كل من انتخب لوبان هم ناخبون من اليمين المتطرف، بل جزء لا يقل عن 10% هم من المعترضين على سياسة ماكرون الاقتصادية، فالوزن الحقيقي لليمين المتطرف يقل أو يزيد قليلاً عن 30% من الناخبين الفرنسيين، كما يجب ملاحظة نسبة المعتكفين عن التصويت قد بلغت أكثر من 28 %، كنوع من الاحتجاج على المرشحين.
الفرنسيون في هذه الانتخابات كان عليهم أن يختاروا بين خطين سياسيين متناقضين تماما، الأول الذي يدافع عن الانفتاح والاتحاد مع أوروبا، والمدافع عن البيئة ومواجهة التغير المناخي، وهو خط أو تيار يقول عن نفسه إنه يمثل المستقبل، وفرنسا المتعددة الأعراق والأديان، وهذا الخط يمثله في الدورة الثانية الرئيس ماكرون. أما الخط الثاني، والذي تمثله مارين لوبان، خط اليمين المتطرف، فيريد العودة بفرنسا إلى الوراء، إلى الانغلاق والانسحاب من الاتحاد الأوروبي وحتى من الإطار القيادي لحلف النيتو، وهو خط عنصري داخليًا ضد المهاجرين.
ومع هذه النتيجة اختار الفرنسيون الاستمرار بالانفتاح السياسي والثقافي بالرغم من اعتراض اليساريين منهم على سياسات ماكرون الاقتصادية، أما على صعيد الموقف من القضية الفلسطينية، فمن الواضح أن معظم أحزاب فرنسا تؤيد حل الدولتين بغض النظر عن خلفيتها الآيديولوجية، فعلى سبيل المثال، رفض كل من ماكرون ولوبان إعلان ترامب بخصوص عام 2017, واتفقا خلال المناظرة بينهما عشية الانتخابات على أن القدس يجب أن تكون عاصمة لدولتين، دولتا فلسطين وإسرائيل.
وبهذه النتيجة فإن أوروبا، وليس فرنسا فقط، ستكون أكثر استقرارا للسنوات القادمة، فانتخاب لوبان كان سيأخذ فرنسا ومعها أوروبا للمجهول ويصبح اتحادها في خطر وكل جهد واستثمار في الالتحام في العقود الثلاثة الماضية كان يمكن أن يذهب أدراج الرياح وينهار كقصر من الرمال. وبالرغم من أن فوز ماكرون خسارة لليمين المتطرف، إلا أن أوروبا عليها أن تقلق، لأن تيارات اليمين المتطرف في تزايد خصوصا في الآونة الأخيرة بفعل الحرب الأوكرانية.
على أية حال، المعركة السياسية في فرنسا لم تنته بفوز ماكرون، فهناك انتخابات تشريعية ستجري في 12و19 حزيران/ يونيو القادم، وهناك ستبرز القوة الحقيقية للأحزاب، وإذا ما كان اليمين المتطرف سيحصل على نسبة الـ 41% التي حققتها لوبان في الدورة الثانية لانتخابات الرئاسة الفرنسية. فإن فوز ماكرون إذا لم يدعم بفوز الأحزاب المؤيدة له بشكل واضح، فإن مهمة الرئيس الفرنسي ستكون صعبة جدًا، وبالتالي فإننا سنشهد حالة من عدم الاستقرار في فرنسا وأوروبا معا.
فرنسا دولة كبرى على الساحة الدولية، وهي دولة قائدة ومحورية في أوروبا وإن أي تطور داخلي أكان سلبيًا أم إيجابيًا سيترك أثره الكبير على العالم وعلى أوروبا تحديدًا.
المصدر: الحياة الجديدة
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها