ما زال قانون حماية الأسرة محل أخذ ورد من قبل قوى سياسية وحقوقية ومجتمعية ودينية، حيث تركز القوى الدينية وبعض الحقوقية هجومها على القانون لتوافقه مع اتفاقية "سيداو" محل التحريض والتشهير، مع أن الحكومة الفلسطينية أوضحت للمرة الألف بأن تبني الاتفاقية كان مشروطًا بمراعاة الواقع الاجتماعي والثقافي والديني. وحتى الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية والمنظمات النسوية ومنظمات المجتمع المدني ذات الصلة لم تدر الظهر للواقع الاجتماعي، ومتمسكة بالعادات والقيم الأخلاقية والإيجابية، وترفض منها بالضرورة المتخلفة والرجعية والبائدة.

إذن قرار الموافقة على اتفاقية "سيداو" لم يكن اعتباطيًا، ولم تتخلَ القيادات الرسمية عن اشتراطات الواقع الاجتماعي والموروث الحضاري الإيجابي، لا بل تمسكت به، وتدافع عنه، وتعمل على إغنائه وتجذيره بشكل يومي وفي مختلف المحافظات وحتى في دول الشتات من خلال أطر منظمة التحرير الشعبية والفصائلية، وتعمل جاهدة بكل الوسائل والسبل لحماية وتطور الأسرة الفلسطينية وفي الطليعة منها المرأة الفلسطينية عماد البيت والأسرة وحارسة روح الثورة والمقاومة.

انطلاقاً مما تقدم، حرصت على الرد على ما جاء في تصريح أحمد بحر، العضو القيادي في حركة حماس يوم السبت الماضي، والذي استهدف فيه التحريض والإساءة للحكومة الفلسطينية، لأنها مصممة على إقرار قانون حماية الأسرة الفلسطينية. وادعى بحر في تصريحه لـ "دنيا الوطن" أن إقرار القانون يأتي "رغم مخالفته القانونية والدستورية وتعارضه مع الأحكام والتعاليم الإسلامية والقيم المجتمعية". ولم يكتفِ المسؤول الحمساوي بما ورد، إنما أفاض في ادعائه بالقول، إن "المجلس التشريعي (عن أي مجلس تشريعي تتحدث؟) حريص على صون الأسرة الفلسطينية وحفظ تماسكها من خلال القوانين والتشريعات، والتي يجب أن تمر بقنواتها السليمة"، وتابع موغلاً في القفز عن الحقائق بالقول "فالمجلس التشريعي هو الجهة الوحيدة المخولة بإصدار القوانين والتشريعات".

من الواضح أن السيد بحر ما زال يعيش في الماضي، لأن المجلس التشريعي تم حله رسميًا يوم السبت الموافق 23 كانون الأول/ ديسمبر 2018، ولم يعد له وجود. وأما إن كنت تعتقد أن مجلس الصور الانقلابي، والذي لا يمت للتشريع بصلة، فهو منذ الانقلاب الأسود على الشرعية أواسط عام 2007 غير قانوني، ولا أحد يعترف به لا في الوطن ولا في أي مكان، وبالتالي كان الأجدر بك أن تكتفي بإصدار تصريحك بصفتك عضوًا قياديًا في حركة حماس، وكونك جزءًا من الانقلاب فهذا ليس من حقك، لأنك ترتكز على قاعدة متناقضة مع القانون والنظام الأساسي.

وأما موقفك التحريضي والعدائي من الحكومة الشرعية وخلفياتها من إقرار القانون، فهي بالتأكيد الأحرص على القيم والقوانين ومع الأحكام الإيجابية من الموروث الحضاري الفلسطيني، وهي مصممة على حماية حقوق المرأة الفلسطينية، والارتقاء بمكانتها الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والقانونية والسياسية، ولن تدخر جهدا من أجل تحقيق ذلك.

ومحاولتك ركوب موجة التحريض التي يقودها بعض رجال الدين ووجهاء العائلات والقانون، فاعتقد أنك لم توفق، أولا، لأنك انقلبت عليها، كونك عضوًا قياديًا في الانقلاب، وعليه لا يجوز لك من حيث المبدأ الحديث عن القانون والقيم، وأنت تنتهكها منذ 14 عامًا خلت بمواصلة الانقلاب على الشرعية الوطنية، وأيضًا التلطي خلف اتفاقية "سيداو" لم يعد يفيدك بشيء؛ لأن التوقيع على الاتفاقية الأممية، التي وقعت عليها 189 دولة وفي مقدمتها الدول العربية والإسلامية كان مرفقًا بالملاحظة، التي أشرت لها من بداية كتابتي للمقال.

أضف إلى أن تقاطع قانون حماية الأسرة مع الاتفاقية أمر طبيعي، ولا يعيب القانون، ولا ينتقص منه، ولا يسيء لمن وضعه؛ لأنه بقدر ما دافع عن حقوق ومكتسبات المرأة ومساواتها بالرجل، بقدر ما أخذ الواقع الاجتماعي والثقافي والموروث الحضاري بعين الاعتبار. وسلط الضوء على نفي ومحاربة كل الانتهاكات الخطيرة التي تمس بمكانة المرأة الاجتماعية والقانونية والسياسية والاقتصادية، وسيعمل على ملاحقة كل من يأخذ القانون باليد تجاه المرأة، وسيدافع عن دورها ووضعها الإنساني والوطني والكفاحي، وسيدافع عن حريتها في العمل والحياة الكريمة، وحقها في الوصول لكافة المواقع الوظيفية وفي المقدمة السياسية.

مجددًا أدعو كل أصحاب المواقف التحريضية على الاتفاقية وعلى قانون حماية الأسرة الفلسطيني، أن يترجلوا عن منطقهم الخاطئ، لأنه يسيء لوحدة وتطور المجتمع الفلسطيني، وبعض الأبواق له أهداف مشبوهة ومسيئة للمجتمع وتقف وراءه دولة الاستعمار الإسرائيلية وأدواتها المأجورة. وبالتالي على كل الوطنيين من مختلف المشارب والاتجاهات الدفاع عن المرأة وحقها الكريم والمساوي في الحياة للرجل وبما لا يتعارض والموروث الحضاري.

 

المصدر: الحياة الجديدة