جريمة من نوع جديد تتداولها وسائل الإعلام هذه الأيام أو يمكن القول سرقة من نوع جديد يمارسه الكيان الصهيوني بحق شعبنا المستضعف. فكأنما اسرائيل تجسدت بدراكولا لم يرتو بسرقة الأرض والتاريخ والروح، وإنما ازداد تعطشاً لدمائنا الى حد سرقة أعضاء أجساد الشهداء الفلسطينيين. وكأن هذا الكيان في سباق مع الإجرام لابتكار أساليب تعذيب وعقاب جديدة بحق شعبنا.

فهاهي وسائل الإعلام تتناقل خبر اتجار اسرائيل بأعضاء الفلسطينيين. وذلك على أثر ما جاء في تقرير نشرته صحيفة " افتونبلاديت " السويدية، وهي الصحيفة الأكبر والأوسع انتشاراً في السويد، في عددها الصادر ( الأربعاء 19-8 ) والذي حمل عنوان " أبناؤنا مسلوبو الأعضاء "، والتي اتهمت فيه قوات الاحتلال الإسرائيلي بقتل شبان فلسطينيين عمداً في قطاع غزة والضفة الغربية بهدف سرقة أعضائهم الداخلية والمتاجرة بها، أو انتزاع الأعضاء البشرية لفلسطينيين توفوا خلال مواجهات وأحداث مختلفة، بهدف السرقة والإستفادة غير المشروعة منها، والمتاجرة بها بشكل غير قانوني، عبر شبكة دولية ضُبطت الشهر الماضي في الولايات المتحدة، وضمت في عضويتها حاخامات يهود واتُهمت بالإتجار بالأعضاء البشرية وتبييض الأموال بشكل غير شرعي.

ولكن هل يمكن اعتبار ما سبق جريمة وانتهاكاً جديداً يقترفه الاحتلال الاسرائيلي  بحقنا؟. لم ننسَ بعد الحرب المدمرة على قطاع غزة التي امتدت الى بداية العام الحالي والتي نتج عنها (1450) شهيداً فلسطينياً، منهم (417) طفلاً و (108) امرأةً، و (120) مُسناً و (14) مسعفاً. ناهيك عن مئات المجازر طوال سنوات الاحتلال للأراضي الفلسطينية الذي تجاوز عمره الستة عقود من الزمان.

لقد اعتاد شعبنا الفلسطيني على انتهاكات الاحتلال، ولكن الجديد هو أن هذه الانتهاكات وصلت الى حد الرعب، وخير دليل على ذلك ما ورد في مقال الصحفي السويدي دونالد بوستروم : "الحاجة إلى الأعضاء البشرية كبيرة في إسرائيل، وأن تجارة الأعضاء غير القانونية منتشرة بشكل واسع وبمباركة السلطات وكبار الأطباء في المستشفيات. ونعلم أيضاً أن جثة شاب تختفي يتم تسليمها مشرحة بعد خمسة أيام، بسرية تامة ليلاً. وفي محاولة لحل مشكلة النقص في الأعضاء، قام وزير الصحة إيهود أولمرت، في صيف 1992، بحملة كبيرة للحصول على تشجيع الإسرائيليين على التبرع بالأعضاء. وتم توزيع نصف مليون كراسة على الصحف المحلية، تضمنت دعوة المواطنين إلى التبرع بأعضائهم بعد وفاتهم. وكان أولمرت أول من وقع على بطاقة التبرع. وخلال حملة التبرع بالأعضاء اختفى شاب فلسطيني، وبعد خمسة أيام تسلمت عائلته الجثة ليلاً، بعد تشريحها. وكان هناك حديث بين الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة عن جثث مشرحة وارتفاع حاد في حالات اختفاء شبان فلسطينيين". ويعلق الصحفي دونالد بوستروم، "كنت في المنطقة، أعمل على كتابة كتاب، وتلقيت اتصالات من موظفين في الأمم المتحدة عدة مرات يعربون فيها عن قلقهم من أن سرقة الأعضاء تحصل فعلاً، ولكنهم غير قادرين على فعل شيء. تحدثت مع عدة عائلات فلسطينية أعربت عن شكوكها من سرقة أعضاء من أجساد أبنائها قبل قتلهم. ومثال على ذلك كنت شاهداً على حالة الشاب راشق الحجارة بلال أحمد غانم" .


وفي سياق ذلك يقول الأسير السابق والباحث المختص بشؤون الأسرى عبد الناصر فروانة: "اسرائيل الوحيدة في العالم التي اعتمدت سياسة احتجاز جثامين الفلسطينيين والعرب بعد موتهم، وعدم تسليم جثامينهم لذويهم لإكرامهم ودفنهم وفقاً للشريعة الدينية والإسلامية، في مقابر وأمكنة مؤهلة لذلك، وذلك منذ العام 1967 كجزء أساسي في تعاملها مع الفلسطينيين والعرب، ولا تزال تنتهجها كممارسة لغاية اليوم، وتصر على رفضها بالإفراج عن قرابة (300 جثة) تحتجزها في ما يُعرف بمقابر الأرقام منذ سنوات طويلة، وهذه الجثامين قد تحللت ونهشتها الكلاب الضالة، أو جرفتها بالكامل أو جزء منها مياه السيول والوديان والأمطار. رامية عرض الحائط بمبادىء القانون الإنساني الدولي فبحسب المادة 17 من إتفاقية جنيف الأولى والتي حددت معايير التعامل مع جثث الأعداء " يجب على أطراف النزاع ضمان دفن أو حفظ الجثث ، بصورة فردية بقدر ما تسمح به الظروف، على أن يسبق ذلك فحص دقيق، وإذا كان ممكناً بواسطة فحص طبي للجثث بغية تأكيد الموت والتعرف على الهوية وتمكين إصدار تقرير "، وكذلك " يجب التأكد لاحقاً من تكريم الموتى حسب تقاليدهم الدينية ما أمكن، وأن تُحترم قبورهم وأن تصنف حسب القوميات التي ينتمون إليها، وأن يتم حفظها بصورة ملائمة، وأن يجري تعليمها بحيث يمكن العثور عليها دائما "، وهنالك أيضاً مواد شبيهة ونصوصاً مماثلة، مثل المادة 120 من إتفاقية جنيف الثالثة والمادة 130 من إتفاقية جنيف الرابعة.

ويفيد فروانة أيضاً، بأن كل الوقائع والحقائق والشهادات ومنذ عقود مضت لاسيما فيما يتعلق بآلية وكيفية تعامل قوات الاحتلال مع المواطنين العزل والتفنن في قتلهم وقتل المئات بعد اعتقالهم والسيطرة عليهم بشكل كامل وإطلاق الرصاص عليهم من نقطة الصفر ورفض تسليم جثامينهم فوراً واحتجازها لأيام معدودة أو احتجاز جثامين الشهداء لسنوات طويلة في ما يُعرف بمقابر الأرقام، إنما جميعها تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك صحة ما جاء في التقريرالذي نشرته صحيفة "افتونبلاديت" السويدية.

أما آن الآوان بعد لوضع حد لهذه السياسة الحاقدة!، متى يطفح الكيل من جرائم اسرائيل لنبدأ بمحاسبتها؟، ألا يكفي انتهاجها سياسة معاقبة الانسان حتى بعد موته كمبرر لمعاقبتها؟!.

مشكور هو ذاك الصحفي السويدي الذي تجرأ ونشر مقالاً موجهاً ضد الغول المسمى اسرائيل. ونحن العرب المعنيين بمحاكمة اسرائيل لم نحرِّك ساكناً!. ونأمل بأن يلقى مقاله المثار كامل الاهتمام والمتابعة للوصول الى الاقتصاص من اسرائيل، وأن لا يذهب أدراج الرياح. فوفقاً لما ألفناه، قامت الدنيا ولم تقعد عند نشر المقال المذكور.ولكن سرعان ما سنجده مجرد رد فعل فقط ساعة الحدث.
وتجدر الإشارة الى ما قاله الكاتب الفلسطيني محمد أو علان "أن إحدى الجرائم التي نمر عليها، وتمر عليها حتى الجهات الرسمية والشعبية مرور الكرام موضوع استخدام السجناء الفلسطينيين كحقل تجارب للعقاقير الطبية التي تنتجها مختبرات دولة الاحتلال الإسرائيلي، ولكن الحديث عن هذا الموضوع بقي في إطار أحاديث إعلامية وسياسية دون البحث عن دلالات واضحة وقاطعة في هذا المجال، فلماذا لم نقرأ تقريراً أو تحقيقاً صحفياً أو طبياً من جهات فلسطينية حول هذا الموضوع؟".
ويضيف "أنه هناك من سبق الصحفي السويدي بسنوات في توثيق جرائم الاحتلال الإسرائيلي بشتى صنوفها وألوانها وأشكالها والتي فاقت بشاعتها مسألة سرقة الأعضاء للشهداء الفلسطينيين، كتاب (حقول الموت) للصحفي الفلسطيني محمد دراغمة وثق (90) قصة صحفية وهي تشكل جزءاً بسيطاً من عمله الصحفي في المدن والقرى والمخيمات أثناء الانتفاضة الفلسطينية الثانية، وهذه القصص الصحفية تصلح لأن تكون شهادات حية يمكن بواسطتها محاكمة قادة الاحتلال الإسرائيلي السياسيين منهم والعسكريين في محاكم دولية كمجرمي حرب مع سبق الإصرار والترصد. فتجد في قصص انتفاضة الأقصى - حقول الموت - امرأة تلد في العراء ويقطع الزوج الحبل السري بحجرين،  ومُسن يرمي الجنود ولده بالرصاص أمام عينيه، وعروس بثوب أبيض تسير وسط الدبابات وطفلة تولد يتيمة بمقتل والدها الذي كان يحاول إيصال أمها إلى المستشفى، وعائلات فلسطينية أبيدت بأكملها وبقيت أياماً تحت ركام منازلها، قصص وحالات إنسانية كهذه قد تفوق أهمية سرقة الأعضاء البشرية باعتقادي".
ناهيك عن عشرات الكتب والدراسات التي وثقت جرائم الاحتلال الإسرائيلي منها روايات وثقت بأيدي يهودية، ومجزرة "الطنطورة" التي نفذت في 23/أيار 1948 وحفر فيها الشهداء قبورهم بأيدهم قبل قتلهم كانت إحدى هذه الروايات التوثيقية التي نال عليها  المؤرخ الاسرائيلي "تيدي كاتس" شهادة الماجستير.
في نهاية الأمر نأمل ألا تكون إثارة جريمة اتجار جيش الاحتلال الاسرائيلي بأعضاء الشهداء الفلسطينيين عبارة عن حدث موسمي. فللوهلة الأولى من الإطلاع على مضمون المقال المذكور آنفاً نجد أن ما ارتكبه جيش الاحتلال الاسرائيلي جريمة شنيعة، وهي فعلاً كذلك، ولكنها ليست أول جريمة شنيعة يرتكبها جيش الاحتلال بحق شعبنا المستضعف. ما نطالب به هو البدء بالتحقيق بجريمة الاتجار بأعضاء شهدائنا، وتوثيق ما أمكن من جرائم جيش الاحتلال، والمضي قدماً بالتحقيقات
المجراة ضد هذا الكيان الصهيوني لنصار الى محاكمة قادة اسرائيل.

(هبة الغول)