لا يكاد يمر يوم إلا ويتعرض الصيادون الفلسطينيون في قطاع غزة بشكل يومي إلى إطلاق نار واستهداف مباشر من قبل الزوارق الحربية الإسرائيلية الموجودة في عرض البحر، ما يشكل انتهاكا لأبسط حقوقهم في توفير لقمة العيش لعوائلهم، لا سيما تلك المتعلقة بتقييد حريتهم في الوصول إلى مناطق الصيد في عرض البحر، أو التعرض لهم بإطلاق النار، أو الاعتقال، أو بتخريب معداتهم.

المهمة محفوفة بالمخاطر، فمنهم من اُستشهد، وآخرون تعرضوا للاعتقال، وبدل من أن يصطادوا السمك، يسعى الاحتلال إلى اصطيادهم، والايقاع بهم في شباك الاعتقال والاهانة، وحتى قطع أرزاقهم عبر الاستيلاء على قواربهم.

الصياد باسم اللحام (36 عامًا) يقول: عندما أتوجه كل يوم الى البحر لممارسة عملي في صيد الاسماك ينتابني شعورًا إنه اللقاء الأخير مع عائلتي ولن اعود لاحتضن أطفالي بين ذراعي،

ويضيف اللحام، الذي يعيل أسرة مكونة من 8 أفراد: متيقن أن الدخول إلى البحر لصيد الأسماك محفوف بالمخاطر، وينتظرنا في عرض البحر إما الاعتقال أو التعرض لإطلاق النار، ولكن ما باليد حيلة، فهذه هي مصدر رزقي الوحيد.

وتابع، رغم ما نتعرض له من موت محقق وانتهاكات يومية واستهداف مباشر من الزوارق الحربية الإسرائيلية، إلا أننا لا نستطيع ترك هذه المهنة، لعدم وجود بديل، بسبب استمرار الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة.

 وقال اللحام: في أغلب الأحيان نترك شباكنا في البحر، ونعود أدراجنا خشية على حياتنا، نتيجة إطلاق جنود الاحتلال الاسرائيلي النار باتجاهنا، مبيناً أن هذا الأمر يكبدنا خسائر كبيرة في ظل ارتفاع تكلفة الصيد الذي يتطلب توفير مستلزمات مختلفة من وقود، ومعدات.

ولا يختلف حال اللحام عن حال الصياد ابراهيم العمودي (28 عامًا)، الذي يودع أبناءه الأربعة، كلما توجه لرحلة الصيد في البحر، لأنه يعلم أنه قد لا يعود حيًا إليهم، أو قد يتعرض للاعتقال.

ويقول العمودي، إن الزوارق الحربية الإسرائيلية تتربص بهم في عرض البحر وتلاحقهم في رزقهم، فلا يستطيع الصياد أن يتعدى في البحر سوى 6 أميال كحد أقصى فقط، وإذ تجاوز أكثر يعرض نفسه للقتل أو الإصابة أو الإستيلاء على قاربه، أو الإعتقال.

وأضاف العمودي، أصبحت مهنة الصيد صعبة ومغموسة بالدم، ونحن مضطرون لتحمل كافة المخاطر التي نواجهها، من أجل لقمة العيش وإطعام أطفالنا من جهة، وفي ظل الظروف الصعبة والحصار والفقر الذي نعيشه في قطاع غزة من جهة ثانية.

أما الصياد سمير البردويل (60 عامًا) فيقول: معاناتنا تزداد يومًا بعد يوم جراء منع دخولنا في عرض البحر إلا لمسافة محدودة لا تزيد عن ستة أميال، لأن بحرية الاحتلال الإسرائيلي تطلق رشاشاتها وقذائفها نحونا بشكل سريع إذا تجاوزنا هذه المسافة، وتمنعنا من الصيد بكافة الوسائل.

ويتابع البردويل، تعرضت لإطلاق نار عدة مرات، وأصبت بطلق ناري في بطني من قبل الزوارق الحربية، والحمد لله نجوت من موت محقق.

وأضاف البردويل، بعد تماثلي للشفاء تابعت عملي في الصيد، لعدم وجود بديل، وقد تعرضت للاعتقال أربع مرات، وتم تدمير قاربي بالكامل (الحسكة)، وأغراقها في البحر، وتكبدت جراء ذلك خسائر فادحة.

وأوضح، لا يوجد صياد فلسطيني في قطاع غزة إلا وتعرض لإطلاق نار من قبل زوارق الاحتلال الإسرائيلي، لكن على الرغم من ذلك مستمرون في هذه المهنة الخطرة التي بالكاد تعيننا على إطعام أولادنا.

من جانبه، قال نقيب الصيادين نزار عياش، ان الصيادين يتعرضون بشكل يومي ومتواصل إلى ممارسات إسرائيلية ممنهجة ومدبرة تنتهك حقوقهم الإنسانية والحياتية، لا سيما تلك المتعلقة بتقييد حريتهم في الوصول إلى مناطق الصيد في عرض البحر من جهة، والتعرض لهم بإطلاق النار، والاعتقال، والإهانة، والإذلال، وتخريب معداتهم من جهة ثانية.

وأكد عياش، أن مجمل الانتهاكات الإسرائيلية بحق الصيادين في الفترة الممتدة بين 1-1-2015 إلى غاية 9-3-2022 بلغ 437 إنتهاكًا.

وأضاف عياش، أن عدد الشهداء من الصيادين بلغ 6 شهداء، في حين أصيب 33 صيادًا بجروح، نتيجة إطلاق النار عليهم بطريقة مباشرة، كما اعتقل 296 صيادًا، وتم الاستيلاء على 102 من "اللنشات، والحسكات، وغيرهما من المعدات".

وأوضح، أن القيود والاجراءات التي تفرضها سلطات الاحتلال على مساحة صيد الأسماك في بحر غزة واعتداءاتها المتواصلة بشكل يومي على الصيادين من استهداف مباشر لهم بهدف قتلهم واعتقالهم ومصادرة قوارب الصيد الخاصة بهم تحولت الى مهنة محفوفة بالمخاطر، وجعلت مهنة الصيد في مهب الريح.

واضاف عياش، أن السلطات الإسرائيلية لم تلتزم بمسافة الصيد المحددة بـ 20 ميلًا بحريًا، وفقًا لاتفاق أوسلو عام 1993، فحاربت الصيادين في رزقهم، وقلصت مسافة الصيد البحري لتصل في أقصاها إلى 6 أميال بحرية في شمال غزة، وما بين 6- 15 ميلًا بحريًا في الجنوب، الأمر الذي حرم الصيادين من الوصول إلى المناطق التي تكثر فيها الأسماك.

ويضطر نحو أربعة آلاف صياد في قطاع غزة يومياً إلى المخاطرة بحياتهم والإبحار للصيد لكسب قوت عيالهم، رغم تهديد الزوارق الحربية الإسرائيلية التي تطلق نيرانها عليهم بشكل عشوائي، ودون سابق إنذار.

بدوره، قال نائب مدير دائرة البحث الميداني في المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان ياسر عبد الغفور، إن قوات الاحتلال تمارس انتهاكات ممنهجة ضد الصيادين، سواء عبر إغلاق البحر بين الحين والآخر، أو بتقليص مساحات الصيد، وكل ذلك يمس بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية للصيادين الفلسطينيين، ويمثل انتهاكًا للحق في العمل، وفقًا للمادة السادسة من العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

 وأضاف عبد الغفور، أن نحو 4 آلاف صياد يواجهون خطر الملاحقات، وعمليات إطلاق النار المتكررة شبه اليومية خاصة شمال القطاع، ما يؤدي إلى وقوع ضحايا بين الحين والآخر.

وبين عبد الغفور، أنه تم تسجيل إصابة لأحد الصيادين خلال الأسبوع الماضي، واعتقال سبعة آخرين في الاسبوع الذي سبقه، ما يشكل انتهاكًا سافرًا لقواعد القانون الإنساني الدولي. 

وأشار إلى أن معاناة الصيادين لا تقتصر على ذلك فحسب، فالاحتلال يمنع ادخال الكثير من المعدات المتعلقة بالصيد، ما يعيق تجديد الأدوات المتاحة، ويزيد من تكلفتها.

هذا ودعا المجتمع الدولي إلى الضغط على سلطات الاحتلال الإسرائيلي لإنهاء الحصار البحري، الذي أدى إلى تدهور الأوضاع المعيشية للصيادين وعائلاتهم، ووقف الانتهاكات التي ترتكبها بحقهم.