في كل عام وبرعاية من الرئاسة الفلسطينية، وبطريقة منظمة ورائعة ومبهرة للعالم تحتفل فلسطين بميلاد المسيح بمشاركة حجيج من بلدان عدة، يفدون إلى الأرض المقدسة ليشاركوا في القداس الكبير في كنيسة المهد التي أقيمت في المكان الذي ولد فيه السيد المسح عليه السلام، وفي مدينة بيت لحم الشهيرة، ويحضر لهذا الغرض زعماء دينيون ليضفوا جوا من الروحانية، ويباركوا الجموع التي تفد إلى المدينة للاحتفال، وسط ضجيج الوالهين، وأصواتهم، وهمساتهم، وتمنياتهم بعام جديد ينعم العالم فيه بالسلام والمحبة والتسامح، وينبذ الخلافات، ويواجه التحديات الصعبة، والأوبئة، والبراكين، والفيضانات، والأعاصير، والزلازل المدمرة والمخربة للحياة وللطبيعة، والمهددة لمستقبل البشرية الذي أصبح أكثر عرضة للخطر من أي وقت مضى.

لا يغفل أحد أهمية الحفاظ على الصحة العامة، واحترام التعليمات الصحية التي توجه بالتباعد الاجتماعي، ومراعاة شروط وإجراءات السلامة، والحد من التجمعات الكبرى، وهو الأمر الذي انسحب على احتفالات الميلاد للعام الثالث على التوالي، حيث فقدت البشرية بمختلف البلدان، وعلى مستوى قوميات وثقافات ولغات متعددة الملايين من الأحبة الذين ذهبوا ضحية (كوفيد- 19) الفتاك الذي هجم على الكوكب في غفلة، وغير حياة البشرية التي كانت منعمة، وتواجه الحياة ومصاعبها التقليدية، ولم يكن بالحسبان أن تعيش مثل هذه المحنة التي صارت تحتفل مع الناس كل عام، وتلاحقهم لتمنعهم من الفرح ما استطاعت إلى ذلك سبيلاً، دون تردد، أو مهابة لشيء.

فلسطين لم تتنكر لأهمية المناسبة، وتحضرت لها جيدًا، وأظهرت ما يحاول البعض إغفاله عن الصراع مع الاحتلال الذي يريد هذا البعض تصويره على إنه صراع بين ديانتين في حين يظهر مسيحيو فلسطين ومسلموها تماسكهم، وصلابة موقفهم في الدفاع عن قضيتهم التي هي قضية الإنسانية، وقضية الحق في مواجهة الباطل المصر على عدوانه، ومعاداته للشعب الفلسطيني بأطيافه جميعها لأنه كيان غاصب يعلم أنه منبوذ، ولا بد له من التسليم بالحقيقة في يوم ما قادم لامحالة، ولايتأخر لأنه حتم.

لم تكن الاحتفالات صاخبة ومرت بهدوء لأن الجميع متخوف من الوباء ويتابع التحذيرات المتكررة من خطورة المتحور الجديد الذي عاد ليضرب بقوة في أوروبا، وتسبب بهلع عالمي بعد أن توهم كثر أن الكوفيد ينهار ويستسلم لكنه على ما يبدو يريد مواصلة المهمة، وتخويف البشرية لتعيد حساباتها، وتحاول لملمة جراحاتها، وتفكر في الكيفية التي تمكنها من مغادرة ساحة المواجهة بأقل الخسارات وأهونها.

شكرًا فلسطين التي نسألها على الدوام (يامريم أنى لك هذا).

 

المصدر: الحياة الجديدة