سمراء نحيفة تحمل حقيبة تدل على أنها محامية، دخلت إلى مكتبتنا حديثة التأسيس في أحد أيام عام 1979، راقبتها حيث كنت حينها أجلس وراء مكتب صغير لا يتجاوز طوله مترًا وربما أقل، اشتريته من سقف السيل ببضعة دنانير، تتفحص الكتب وتقلب صفحات بعضها لتختار، بابتسامة تدخل الدفء للقلب باركت المكتبة، وعلى فنجان قهوة، تعارفنا. محامية تحت التدريب، حياة حافلة بالهم العام، من قرية الزبابدة في فلسطين، درست الثانوية في عمان، والجامعية في دمشق، استعرضنا الحياة السياسية واتفقنا أن الأحكام العرفية لا تليق بالشعوب الحرة، وأن الدفاع عن حقوق الناس في سلم أولوياتنا، جلسة تعارف طالت، وكانت بداية لصداقة جوهرها الاحترام والتقدير والمحبة، دخلت بلمح البصر إلى دائرتي الصغيرة التي تجتمع وتتبادل الأفكار والهموم، وفيها كتاب ومحامون وناشطون سياسيون وصحفيون، وطلاب جامعات متميزون، الثقافة والمعرفة والإبداع تجمعهم.
أنهت التدريب وافتتحت مكتبها الخاص، احتفلنا بالإنجاز الذي رافق نجاحا وتطورًا لدار الشروق، واستمرت أسمى في دفاعها عن سجناء الرأي وارتفع صوتها وأخذت مكانتها اللائقة كناشطة مدافعة عن حقوق الانسان.
وفي أحد الأيام دخل إلى مكتبي، أحمد عثماني التونسي الذي دفع عشر سنوات من عمره في السجن في الستينات بسبب نشاطه السياسي، وانضم لاحقًا في بداية الثمانينات الى منظمة العفو الدولية. قال إنه مكلف بإنشاء فرع لمنظمته في الأردن وأن أصدقاء له في لندن نصحوه أن يلتقي بي، فالموضوع سري والبدايات صعبة، وأني سأتفهم وسأساعده. اعتذرت له أني لن أكون معه، لكن لدي معارف مهتمة، وفي المساء دعوت أسمى، فرحبت وبدأ مشوار منظمة العفو الدولية في الأردن، ناضلت أسمى حتى تم الاعتراف بفرع الأردن، وتألقت في تعزيز الدفاع عن حقوق الانسان بنقل الصورة لمنظمة العفو الدولية وحسب قوانينها، لا يعلن فرع الأردن أي موقف، المنظمة الأم هي من تخاطب الجهات المعنية وتتابع وتصدر التقارير.
خاضت انتخابات اتحاد المرأة الأردنية وفازت، وأسست مع ناشطات معهد تضامن النساء الأردنيات، وأخذتها الوزارة، الإعلام فالثقافة، لفترة من الزمن قبل أن تعود إلى نشاطها في الجمعية، وظلت إلى أن أنهكها المرض وانتهى برحيلها أمس.
أسمى ترحل وتترك خلفها حياة حافلة بالنشاط العام، ولم تغب فلسطين عن ناظريها، حيث ارتبطت بمؤسسة الحق الفلسطينية لعدة سنوات وظلت على علاقة مستمرة بالعديد من مؤسسات المجتمع المدني في فلسطين، وظل في ذاكرتها اسم خالها الشهيد نعيم خضر، يقود بوصلتها الوطنية.
أسمى خضر ستظل حية في نفوس الأردنيين والفلسطينيين كواحدة من المدافعات عن حقوق الانسان حيثما كان ومخلصة للأردن وفلسطين.
وبالنسبة لي ستظل صداقتنا التي نسجتها حكايات الوطن وقضايا الإنسان، ورافقت حياتي وتفاصيلها، بنجاحها وإخفاقاتها، وأسهمت مباشرة في حياتي حين تدربت زوجتي على يديها وعملت معها لفترة في منظمة العفو الدولية، ستظل حية وسأذكرها كلما واجهتني قضية انسان يحتاج لمن يدافع عنه بقوة وصدق.
المصدر: الحياة الجديدة
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها