لم يكن يوم الواحد والثلاثين من آذار الماضي يومًا عاديًا بالنسبة لحركة فتح، ففي ليلة هذا اليوم سجلت حركة فتح قائمتها الانتخابية في لجنة الانتخابات المركزية، استعدادًا لمعركة ستحدد مصير المشروع الوطني؛ وهي تدرك جيدًا كثرة الأعداء والخصوم. وفي مشهد قريب من أحداث انشقاق "أبو موسى" عن الحركة عام 1983، تمادى في هذه الليلة المتمردون ليحاولوا تقسيم الحركة، وزعزعة ثقة الجماهير الفتحاوية بقيادتها التاريخية، وذلك من خلال تقديم قائمة جمعت بعض أسماء اللجنة المركزية والمجلس الثوري والمفصولين من الحركة، لتعلن بذلك تمردها على قرار اللجنة المركزية، وخروجها عن الصف الفتحاوي في معترك الانتخابات المصيرية في مايو القادم.

في الواقع، لم تكن بذور الانشقاق غائبة عن مخيلة اللجنة المركزية، الذين وضعوا بدورهم عدة سيناريوهات لاختيار القائمة، وكان من ضمن هذه السيناريوهات حدوث انشقاقات وتحالفات غير متوقعة. ولهذا تم تأخير تسليم قائمة حركة فتح إلى اللحظة الأخيرة. وحينما تأكد سيناريو الانشقاق بدلت حركة فتح قائمتها الأولى وخرجت بقائمة جديدة ومختلفة، من أجل مواجهة خطورة منافسة المتمردين والخصوم. وفي هذا السياق، كانت حركة فتح آخر الفصائل التي سلمت قائمتها لتحمل الرقم 36، ولتكون في ذيل القوائم المتنافسة لتعطي ميزة لايضاح اسمها في ظل كثرة القوائم المرشحة. وضمت القائمة في العشرين اسمًا الأولى أعضاء مهمين وقامات نضالية وازنة؛ مثل أبو جهاد العالول والفريق جبريل الرجوب وأبو ماهر حلس ودلال سلامة وغيرهم، وذلك كي تستطيع هذه الأسماء رفع قائمة الحركة، ورفدها بالأصوات الانتخابية في المنافسة الشديدة المتوقعة.

وفي الوقت الذي غضب الكثيرون من أبناء الحركة من قرار استبعادهم من الترشح في القائمة، وهم يزيدون عن 1800 مرشح، إلا أنهم سرعان ما أدركوا حجم المؤامرة على حركتهم، وخطورة التمرد الذي حدث. وقد ساقهم هذا الإدراك سريعًا إلى تأكيد تمسكهم بقيادة الحركة متمثلة بالأخ الرئيس محمود عباس رئيس اللجنة المركزية لحركة فتح، وسارعوا جميعًا للإعلان عبر مواقع التواصل الاجتماعي بأنهم سينتخبون فتح بشعارها التاريخي "العاصفة"، ورفض أي انشقاق بين صفوفها.

وبينما كان يراد من التآمر على الحركة إضعافها أمام خصومها في الانتخابات التشريعية المقبلة، حدث العكس، وتوحدت غالبية القواعد التنظيمية مع إطارها التنظيمي المرجعي، والذي أكد مرارا بأن فتح ستخوض الانتخابات بقائمة واحدة وموحدة بعيدًا عن أي ابتزاز يمارس عليها. ليس هذا فحسب، وإنما جاء توزيع مقاعد القائمة ليشير بشكل قاطع إلى مدى الالتزام التنظيمي بهرمية الحركة وبقرارات القيادة العليا. فعلى سبيل المثال، كان من المتوقع أن يرأس قائمة حركة فتح الفريق جبريل الرجوب باعتباره أمين سر اللجنة المركزية ومهندس اتفاق المصالحة الأخير، إلا أنه عندما اختارت القيادة أبو جهاد العالول رئيسًا للقائمة التزم بقرارها ولم يمانع بأن يكون اسمه رابعًا، باعتبار العالول نائبًا لرئيس الحركة، وباعتبار المصلحة الفتحاوية في هذا الظرف الدقيق تقتضي ذلك.

لقد أصر الفتحاويون ألا يخضعوا لأي ابتزاز، وعمقوا تجربتهم الديمقراطية والنضالية باختيار الانتخابات أداة للحكم والشرعية والمصالحة. ولم يكن أمامهم، وهم الذين خاضوا مفاوضات الترضية المضنية في الأشهر السابقة، الا أن يخوضوا معركة الانتخابات بإيمان وعزيمة قوية، بعيدًا عن التشرذم والانشقاق. وهذه الرسالة التي تم تأكيدها مرارًا من قبل السيد الرئيس محمود عباس، تعلمت منها فتح الكثير، ففتح "لا تقبل القسمة، وفتح ليست للبيع أو المساومة" كما قالها اللواء ماجد فرج. وفتح العظيمة صاحبة المشروع الوطني والتي رفضت قيادتها صفقة القرن وأسقطتها، لن تبيع الوطن، وستبقى عصية دومًا على الأعداء والخصوم.