لم يتجاوز المجتمعون في القاهرة يومي الاثنين والثلاثاء الماضيين الـ48 ساعة المحددة لاجتماعهم وفق التعليمات المصرية، وكأن تحديد زمن الاجتماع بمثابة جرس إنذار للكل المشارك، حتى لا يمددوا أقدامهم على الفراش المصري أكثر من اللازم، وليوفروا ويختزلوا في مداخلاتهم، ويركزوا على جوهر النقاط المطروحة على بساط البحث، والإمساك بالحلقة المركزية، وهي إجراء الانتخابات في مواقيتها وفق المرسوم الرئاسي الصادر في 15 كانون الثاني/يناير الماضي.

 لذا وبعد ترقب حذر، وخشية من وجود الغام في طريق اجتماع القاهرة الفصائلي، فاجأنا المجتمعون وبرعاية مصرية كريمة بخروج الدخان الأبيض، وبيان من 15 نقطة اتسم بالطابع الإيجابي العام. أكد فيه ممثلو الفصائل تمسكهم بإجراء الانتخابات بمراحلها الثلاث البرلمانية والرئاسية والمجلس الوطني. واعتقد أن صدى البيان بالمعنى العام في أوساط الجماهير الفلسطينية إيجابي، لأن الغالبية منهم كانت متشككة في قدرة الفصائل على التوافق.

ورغم الترحيب الكبير بالنص العام للبيان، وللجهود المبذولة، والدعم والرعاية الأخوية المصرية المشكورة، إلا أن هناك بعض الفقرات شابها الالتباس والغموض، تحتاج إلى توضيح لإزالة أية عثرات يمكن أن تواجه العملية الديمقراطية في أشهر مايو ويوليو واغسطس المقبلة، ومنها على سبيل المثال لا الحصر: أولًا جاء في النقطة (4) "تشكيل محكمة قضايا الانتخابات من قضاة بالضفة وغزة والقدس، وتتولى هذه المحكمة حصرا دون غيرها من الجهات القضائية متابعة كل ما يتعلق بالعملية الانتخابية ونتائجها والقضايا الناشئة عنها". والغموض هنا يتمثل في حال بروز تباينات بشأن التوافق على بعض الأسماء من هنا او هناك، كيف سيتم معالجة الأمر؟ هل هناك آلية محددة لتجاوز التباين؟ وماذا لو لم يتم التوافق، وصدر مرسوم رئاسي بتشكيلها وفقًا لأغلبية الآراء؟ هل سيكون هناك فيتو لطرف ما على التشكيل، أم ستمر عملية التشكيل وفق المرسوم؟

ثانيًا تضمنت النقطة (5) التالي "تتولى الشرطة الفلسطينية (دون غيرها) في الضفة الغربية وقطاع غزة بزيها الرسمي تأمين مقار الانتخابات، ويكون تواجدها وفقا للقانون". وهنا يبرز التساؤل التالي: عن أي شرطة يجري الحديث؟ هل هي شرطة الشرعية، أم شرطة حماس في القطاع، وشرطة السلطة في الضفة والقدس؟ وهل يمكن الوثوق بتولي الشرطة تأمين مقار الانتخابات بعدم حدوث اختراقات من أي نوع؟ وما هي الضمانات؟ ولا يجوز هنا استحضار تجربة 2006، لأن الشروط مختلفة، وهناك قوى متضررة من الانتخابات، وقد تعمل على تعطيلها قدر ما تستطيع.

ثالثًا ورد في النقطة (10) "معالجة إفرازات الانقسام بكل جوانبها الإنسانية والاجتماعية والقانونية على أسس وطنية شاملة وعادلة وخالية من كل مظاهر التمييز الجغرافي والسياسي من خلال لجنة يتم تشكيلها بالتوافق وتقدم تقريرها للرئيس، الذي يحيلها لحكومة ما بعد انتخابات المجلس التشريعي". يلاحظ هنا أن النقطة ناقصة بشكل واضح، فهي غيبت البعد السياسي للانقلاب، ولا أريد أن أتوقف أمام الجانب الأمني، لأنه عمليًا من خلال البعدين الاجتماعي والقانوني يمكن معالجتهما ضمنا. لكن لماذا أسقط البعد السياسي؟ وهل يكفي ربط الجوانب المختلفة مع فقرة "على أسس وطنية شاملة وعادلة"، باعتبار أن ذلك يتضمن ضمنا البعد السياسي؟ أعتقد أن النقطة تحتاج إلى توضيح، وإزالة أي غموض فيها.

رابعًا حملت النقط (12) التالي: "توصية للمجلس التشريعي الجديد بمعالجة ملف النواب المعتقلين لدى الاحتلال". على أهمية إيلاء قضية النواب المعتلقين في باستيلات الاستعمار الإسرائيلي، غير أنها توصية ناقصة، وتتضمن تمييز النواب عن باقي أسرى الحرية، وهذا لا يجوز بالمنطق السياسي ولا الإنساني. أضف لذلك، المفترض أن تحال كل القضايا ذات الصلة بالعملية التشريعية إلى البرلمان الجديد، وليس النواب المعتقلين فقط.

خامسًا كما جاء في النقطة (1) "وسيتم عقد اجتماع الفصائل الفلسطينية في القاهرة خلال شهر آذار/مارس المقبل بحضور رئاسة المجلس الوطني، ولجنة الانتخابات المركزية للتوافق على الأسس والآليات، التي سيتم من خلالها استكمال تشكيل المجلس الوطني الجديد." وكنت أفترض أن الاجتماع القادم لممثلي الفصائل في القاهرة يتم مطلع حزيران/يونيو المقبل بعد إجراء الانتخابات البرلمانية لعدة أسباب، أولًا للتأكد من نجاح المرحلة الانتخابية الأولى؛ وثانيًا للتأكد من التزام جميع الأطراف خاصة حركة حماس بتنفيذ ما يتعلق بعودة الشرعية لمحافظات الجنوب؛ ثالثًا لتعزيز الثقة على الأرض بين القوى المختلفة.

هذه الملاحظات وغيرها قد تحمل في طياتها بعض النواقص، وتفتح الباب أمام أية عوامل تؤثر سلبًا على مجمل العملية الديمقراطية، وكون منطق التساهل والتبسيط في تحديد اليات واضحة لتجاوز كل الحواجز والمنغصات، لا يخدم عملية المصالحة، وإعادة الاعتبار للنظام السياسي التعددي، ولا لمنظمة التحرير الفلسطينية، الممثل الشرعي والوحيد.

آمل من جهات الاختصاص التوقف وقراءة ما تقدم لعلها تفيد في مراجعة بعضها، أو توضح الالتباس، إن كانت هناك قضايا مناقشة ومبتوت فيها، وبالتالي حولها اتفاق بين حركتي فتح وحماس، وتبناها المجتمعون في القاهرة. وآمل للعملية الديمقراطية النجاح في كل مراحلها، وبما يخدم وحدة الصف، وتصليب عوامل الوحدة للتصدي للتحديات الإسرائيلية وغيرها.