قد يتعامل البعض مع يوم التضامن العالمي مع الشعب الفلسطيني بنوع من اللامبالاة، وهذا يمكن تفهمه، لأن الفلسطينيين يريدون أفعالًا، يريدون أن يتحول الكلام الكثير على الورق إلى واقع، إلى أن يتجسد إلى حرية وكرامة وسيادة واستقلال. لكن وبالرغم من ذلك فإن يوم التضامن هو يوم مهم وهو أكثر أهمية هذا العام لأن هناك محاولة ومخططا لتصفية القضية الفلسطينية، لتصفية الحقوق الوطنية التي قالت الأمم المتحدة أنها غير قابلة للتصرف.
وبعيدًا عن الراهن، فإن لإعلان الأمم المتحدة لهذا اليوم عام 1977 أهمية كبيرة في حينها، وفي كل الأزمان اللاحقة إلى أن يحصل الشعب الفلسطيني على حقوقه، وفي مقدمتها حقه بالعودة وتقرير المصير والاستقلال الوطني في دولة خاصة به.
وتكمن أهمية الإعلان حينه في: أولًا- أن الإعلان خصص يوم 29 نوفمبر للتضامن مع الشعب الفلسطيني، وهو ذات اليوم الذي أصدرت فيه الجمعية العامة التابعة للأمم المتحدة قرار تقسيم فلسطين إلى دولتين عام 1947 (دولة يهودية على مساحة 56% من فلسطين، ودولة عربية على مساحة 44%) وجعل القرار الذي حمل رقم (181) القدس منطقة تحت الإشراف الدولي. فاختيار هذا اليوم هو تذكير بالظلم الذي وقع على الفلسطينيين، وحرمانهم من اقامة دولتهم، ليتسنى لإسرائيل لاحقا بالتمدد والتوسع، ففي حين شهد العالم قيام دولة إسرائيل فإنه لم ير بالمقابل قيام الدولة الفلسطينية، لا بموجب قرار التقسيم ولا حتى على خطوط هدنة حرب عام 1948.
ثانيًا- جاء هذا الإعلان بعد تنكر للحقوق الوطنية الفلسطينية استمر من عام 1948 حتى عام 1974، فخلال هذه المدة لم تكن القضية الفلسطينية مدرجة على جدول أعمال الأمم المتحدة، ولا على جدول الاعمال الدولي كقضية سياسية، قضية حقوق مشروعة، بل كان يتم إدراجها كقضية إنسانية يتم فيها بحث أوضاع اللاجئين، والتجديد السنوي لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين "الأونروا"، ويعود الفضل في هذا التطور التاريخي إلى الثورة الفلسطينية التي انطلقت عام 1965، وأعادت القضية الفلسطينية إلى الواجهة باعتبارها قضية حقوق شعب.
وثالثًا- كونه يمثل تذكيرًا سنويًا للعالم بالظلم التاريخي الذي لحق بالشعب الفلسطيني، وأن لهذا الشعب حقوقًا أصيلة غير قابلة للتصرف لم تتم تلبيتها بعد. وهنا فإن المسألة ليست مجرد تذكير، وانما هي مسؤولية تقع على عاتق المجتمع الدولي الذي فشل حتى الأن في تحقيق هذا الالتزام، كما أنها محاولة للفت النظر لمخاطر استمرار التنكر لهذه الحقوق، ومخاطر سياسة ازدواجية المعايير التي تنتهجها بعض الدول الكبرى عندما يتعلق الأمر بالصراع الفلسطيني- الإسرائيلي.
ولعل ليوم التضامن العالمي مع الشعب الفلسطيني هذا العام معنى واهمية تختلف عن اي عام سبقه، فهذا العام شهد تنفيذ اخطر مخطط لتصفية القضية الفلسطينية، لتصفية الحقوق الوطنية، وشهد انتهاك دول عربية لروح التضامن والإجماع العربي المتمثل بالمبادرة العربية، وهي المبادرة التي تشترط عدم إقدام أي دولة عربية على إقامة علاقات تطبيع مع إسرائيل قبل انسحاب هذه الاخيرة من كل الاراضي الفلسطينية والعربية التي احتلت في حرب عام 1967، وقبل نيل الشعب الفلسطيني لحقوقه المنصوص عليها في القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة كاملة.
هناك حاجة هذا العام أن تعلن الدول في كل أنحاء العالم موقفًا واضحًا من الحقوق الوطنية، وأن تعلن التزامها بتلبية هذه الحقوق، فهناك حكومة يمينية متطرفة في إسرائيل، وهناك إدارة أميركية: إدارة ترامب قد وضعتا لهما هدفًا معلنًا: تصفية القضية الفلسطينية. العالم اليوم أمام امتحان لمدى التزامه بالقانون الدولي من خلال ممارسة أوسع حملة تضامن مع الشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية العادلة.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها