بعض الناس عندما تتحدث معهم عن الانتخابات الأميركية، يلجأون للتبسيط والتعميم ويريحون أنفسهم من عناء التفكير بعمق. ويقولون أنه لا فرق بين المرشحين، والمقصود دونالد "ترامب" الجمهوري و"جو بايدن" الديموقراطي، وفي الأوساط الفلسطينية، ونتيجة لانحياز واشنطن التاريخي لصالح إسرائيل، وتبنيها الكامل للمشروع الصهيوني، ونتيجة الشعور باليأس، تكرر بعض هذه الأوساط التعميم ذاته، ويقولون لماذا نجهد أنفسنا بالتفكير، فجميعهم في خدمة إسرائيل، وأن لا فرق بين هذا وذاك في المحصلة.

هذا المنطق، ليس منطق من يعملون بالسياسة، ويبحثون في أدق تفاصيل الاختلاف من أجل بناء موقف يمكن أن يحقق بعضًا من مصالح شعوبهم. وبالنسبة لنا كفلسطينيين فان هناك بالفعل فوارق في المواقف بين "ترامب" و"بايدن" تجاه مسألة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، بالرغم من أن كليهما يتمسكان بالسياسة الأميركية الثابتة حيال إسرائيل، وضمان أمنها!! وتفوقها على دول الإقليم، فإن الفارق الأساسي بين الرجلين هو أن "ترامب" يقترح تسوية لا تستند للقانون الدولي، وتفرغ الحقوق الوطنية الفلسطينية من أي مضمون، كما لم يعلن تبنيه لمبدأ حل الدولتين، أما الثاني، والمقصود "بايدن" ففقد أعلن أنه لا يزال يتمسك بحل الدولتين ويتمسك اكثر بالقانون الدولي، وقرارات الشرعية الدولية، ومرجعيات عملية السلام، وخاصة مبدأ الأرض مقابل السلام.

وفي محاولة للتبسيط فان "ترامب" كما وكأنه يمسك سكينا ليقطع رأس الشعب الفلسطيني، وعمل ويعمل كل شيء لتصفية القضية الفلسطينية، أما "بايدن" فهو أقل حدة، ويحاول أن يخدم إسرائيل بمنطق مختلف، منطق التخلص من الديموغرافيا الفلسطينية، من خلال حل أقل ظلمًا للشعب الفلسطيني، عبر حل الدولتين.

وهناك فوارق أخرى مهمة ومن بينها الموقف القدس، وقضية اللاجئين، والموقف من منظمة التحرير الفلسطينية، والسلطة الوطنية الفلسطينية، فقد ازاح ترامب قضية القدس عن طاولة المفاوضات كليا، عندما اعترف بالقدس الموحد عاصمة لإسرائيل، ونقل السفارة الأميركية اليها، وإغلاق القنصلية في القدس الشرقية، بالمقابل فان "بايدن" قال إنه سيعيد القنصلية للقدس الشرقية، وهذه الخطوة على رمزيتها إلا أنها يمكن أن تفتح المجال لإعادة التفاوض في ملف القدس.

وفي الوقت الذي عمل فيه "ترامب" على تصفية قضية اللاجئين، واوقف الدعم الأميركي لوكالة غوث اللاجئين الفلسطينين "الاونروا" واوقف الدعم للسلطة الوطنية الفلسطينية، فان "بايدن" قد اعلن انه سينتهج السياسة الأميركية السابقة حيال هذه القضايا ويعيد التواصل مع المنظمة، ويعيد فتح مكتبها في واشنطن الذي اغلقه "ترامب".

وفي النظر للداخل الأميركي وعلاقات الولايات المتحدة مع العالم، فاننا أمام منهحين مختلفين، الأول جمهوري محافظ، و"ترامب" يعتبر أقرب إلى يمين الحزب الجمهوري، والثاني ديمقراطي ليبرالي، و"بايدن" يمثل تيار الوسط في الحزب، مع العلم أن الحزب الديمقراطي يضم في صفوفه من اليسار إلى وسط اليمين.

أما بخصوص العلاقات الدولية فان معظم الدول تنتظر أن يخلصها الشعب الأميركي من "ترامب" وخاصة دول الإتحاد الأوروبي، حيث يرغب اكثر من 80% من الأوروبيين بخسارة "ترامب" للانتخابات، والسبب أن هذا الرئيس لا يحترم الأعراف في العلاقات الدولية ولا يؤمن بتوازن المصالح في العلاقات بين الدول. وفيما يتعلق بالمرشح الرئاسي "بايدن" فانه مع سياسة أقل تصادمية ومع تعاون اوثق بين الدول لإيجاد حلول للمشكلات. وأما الفرق الأكثر وضوحًا هو المتعلق بالبيئة والمناخ وقضية الاحتباس الحراري، ففي حين لا يقيم "ترامب" وزنا لهذه المشاكل الخطيرة على مستقبل البشرية، فان "بايدن" سيعيد بلاده إلى اتفاقية المناخ التي انسحب منها "ترامب".

نحن بالفعل أمام منهحين مختلفين في التفكير والتعاطي، سواء ما يتعلق بجائحة "الكورونا" "ترامب" المستخف، و"بايدن" المتمسك باجراءات السلامة، او في القضايا السياسية ام الاقتصادية والاجتماعية. أننا أمام فوارق مهمة بين الرجلين وما علينا سوى ملاحظتها جيدا، وبناء بعض من مواقفنا على اساسها، والمهم ان نرى من سيختاره الشعب الأميركي، "ترامب" أم "بايدن" ومن ثم نقول كلمتنا وموقفنا.