في لقاءٍ خاص مع قناة العربية يوم الإثنين الموافق 5 /10/2020 أدلى الأمير بندر بن سلطان، رئيس جهاز المخابرات السعودي الأسبق بمواقف عديدة حول القيادة والقضية الفلسطينية جانب فيها الصواب، ولا أدري إن كان خلطه الأمور والأوراق عن سابق تصميم وإصرار، أو أن الذاكرة خانته، واللحظة السياسية دفعته للمبالغة والتطرف في الإساءة للقيادة الفلسطينية، وتجاوز المألوف في اللغة الدبلوماسية، التي كان يفترض أن يتمثلها في محاكاة الواقع، واعتقد أنه وقع فيما كان يعاتب فيه القيادة الفلسطينية، حيث استهجن واستنكر وعاب على القيادة استخدام لغة التخوين، مع أنه تدارك، وأشار لتراجع القيادة عن تلك اللغة لاحقًا.
وقبل أن أواصل الكتابة في الموضوع، أود أن أشير إلى نقطة هامة، وهي أن الأمير بندر في المقابلة، لا، ولم يمثل النظام السياسي السعودي، وإنما كان يتحدث عن ذاكرته وتجربته السياسية الخاصة، بيد أنه زج بالقضية الفلسطينية في الحوار بطريقة مفتعلة، وخلط الأوراق، وحمل القيادة الفلسطينية ما لا تحتمله. لن اتعرض لكل الموضوعات التي توقف أمامها، وسأحاول الإيجاز حول أهمها من وجهة نظري الشخصية. فضلًا عن إني ضد عدم الرد على السفير الأسبق للمملكة السعودية في الولايات المتحدة على مدار 22 عامًا من 1983 حتى 2005، لأنه كان في موقع المسؤولية، ولديه دراية وإلمام جيد، أو هكذا يفترض بالمسألة والسياسات الفلسطينية. لأن عدم الرد يشبه من يضع رأسه في الرمال، وهذا لا يليق بأي فلسطيني لديه معرفة بالتاريخ، وصاحب رأي ووجهة نظر فكرية سياسية.
لذا كان من الواجب الرد على خطيئة الأمير السعودي، ولكن بشكل موضوعي بعيدًا عن لغة المهاترات والردح، التي تسيء ولا تفيد، ولا تؤتي أكلها. وسابدأ من قرار التقسيم الدولي رقم 181 الصادر عام 1947، الذي ادعى الأمير بأن الفلسطينيين رفضوه، وأن الإسرائيليين قبلوه؟؟؟ غريب أمر الأمير السعودي، هل يعقل مساواة الفلسطينيين أصحاب الأرض والتاريخ والهوية بالغزاة الصهاينة، أصحاب المشروع الإستعماري؟ وهل كان لك كأمير سعودي أن تقبل بإقامة دولة فارسية أو غيرها على التراب الوطني السعودي؟ ومع ذلك نعم رفض الفلسطينيون القرار آنذاك، وهذا صحيح 100%، ولكنه لم يذكر، أن جميع الدول العربية رسميًا (بغض النظر عن تقييم خلفياتها السياسية ودورها تجاه قضية فلسطين آنذاك ولاحقًا) رفضت قرار التقسيم، وخاضت حربًا ضد الدولة المشروع الصهيوني، وكان للمملكة العربية السعودية دورًا في ذلك. وبالتالي الرفض لم يقتصر على القيادة الفلسطينية، أم ما ذكرته "غير صحيح"؟
أضف إلى أن سمو الأمير لم يشر لتطور الفكر السياسي الفلسطيني، والذي تجلى في العام 1974 بقبول القيادة إقامة سلطة فلسطينية على اي جزء يتم تحريره، وبعد ذلك وافقت على اقامة الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وضمان عودة اللاجئين لديارهم، التي طردوا وشردوا منها على أساس القرار الدولي 194، ولاحقًا تبنت مبادرة الأمير ( الملك لاحقًا) عبدالله بن عبد العزيز، رحمة الله عليه جامعة الدول العربية بمن في ذلك قيادة منظمة التحرير، وباتت تشكل ناظمًا للسياسة الرسمية العربية من عام 2002 بعد إقرارها في قمة بيروت العربية. وهنا أسأل سمو الأمير من الذي تخلى عن المبادرة، وعن قرارات القمم العربية وآخرها قمتي الظهران في السعودية وقمة تونس عامي 2018 و2019 القيادة الفلسطينية أم القيادات العربية المطبعة والمستسلمة لمشيئة ترامب ونتنياهو وصفقة قرنهما؟
وأيضًا قلب التاريخ عندما تحدث عن الحرب الأهلية اللبنانية 1975/ 1990. وحمل الفلسطينيين ويلات لبنان حتى الآن؟؟ أليس في هذا تجني وغياب الحد الآدنى من المسؤولية تجاه التاريخ والسياسة، وتجني على فلسطين ولبنان على حد سواء؟ من الذي فجر الباص الفلسطيني في عين الرمانة في 13 نيسان / ابريل 1975؟ اليسوا أداة اميركا وإسرائيل، أي القوات اللبنانية الإنعزالية؟ وألم يشرف على الحرب الأهلية هنري كيسنجر ومستشار الإدارة آنذاك براون؟ ومن الذي إجتاح لبنان عام 1982؟ إسرائيل أم منظمة التحرير؟ ومن الذي صمت على ذبح الشعب والقيادة الفلسطينية مدة 88 يومًا تحت نيران حرب قذرة خاضتها إسرائيل وبدعم واضح من أساطيل الحرب البحرية الأميركية، أم نسيت سموك؟ ومن الذي دمر ويدمر لبنان حتى الآن، القيادة الفلسطينية التي دعمت وتدعم إستقلال وسيادة لبنان، أم اللصوص وأمراء الحرب من القوى والطوائف والمذاهب المختلفة؟
وأما اتفاق مكة عام 2007 بين حركتي فتح وحماس برعاية خادم الحرمين الشريفين عبد الله بن عبد العزيز آنذاك، من الذي نقض الإتفاق القيادة الشرعية أم حركة حماس، فرع جماعة الإخوان المسلمين؟ ومن كان يقف خلفها؟ ومن دعمها؟ ومن مدها بالمال والسلاح؟ ومع ذلك تعاملت القيادة الشرعية ومنذ اللحظة الأولى بإيجابية عالية تجاه المصالحة، ووقعت فورًا على ورقة المصالحة المصرية عام 2009، في حين وقعت حركة حماس عليها في عام 2011، وثم تم التوقيع على أكثر من اتفاق واعلان ولم يحدث شيء. الآن نحن أمام نقطة تحول إيجابية أتمنى أن تكون حركة حماس صادقة في نواياها وخيارها.
وعلى صعيد حرب الخليج واحتلال الكويت عام 1990، الكل الفلسطيني رفض احتلال الكويت، وأبلغوا ذلك للقائد العراقي الشهيد صدام حسين آنذاك، وأبدى الرئيس الراحل أبو عمار الإستعداد للوساطة بين الأشقاء، لكن البعض البعض أراد للقيادة الفلسطينية ان تنحاز دون نقاش، ويعلم الجميع، أن قيادة منظمة التحرير اعتمدت مبدأ "عدم التدخل بالشوؤن الداخلية العربية، لأنها فوق المحاور. لهذا رفضت القيادة الفلسطينية، وسترفض الآن إرسال أي مقاتل إلى أي حرب بينية عربية عربية، ولا تقبل احتلال دولة عربية من قبل الغزاة الأميركيين ومن لف لفهم. أين الاستغراب؟ ولماذا الاستغراب؟ القيادة الفلسطينية لم تدر ظهرها للأشقاء العرب، ولم تخذلهم، ولم تسىء يومًا لشقيق حتى عندما كان البعض يمعن في الإساءة والتغول، ويحاول السيطرة على القرار الفلسطيني، أو يفرض الوصاية على الشعب والقيادة. وبالتالي كانت القيادة تدافع عن نفسها، وعن قضية شعبها، قضية العرب المركزية، وعن قرارها المستقل.
وعن قضية خروج بعض الفلسطينيين في نابلس أو غيرها ضد التطبيع والاستسلام العربي الإماراتي والبحريني المهين مع إسرائيل، والذي شكل طعنة في ظهر القضية الفلسطينية، فهذا حقهم الطبيعي والمشروع، وهذا أبسط حقوقهم السياسية، وأنت تعلم أيها الأمير أن الشعب العربي الفلسطيني شعب تعددي، وديمقراطي، ويكفل حق التظاهر والاعتصام وتشكيل الأحزاب والنقابات ... إلخ وبالتالي لا يحق لك محاكمة الشعب الفلسطيني لخروج قوى سياسية ضد هذا الموقف أو ذاك، إنما حاكم القيادة على مواقفها.
وبالنسبة لموقفك غير المفهوم، وغير المبرر، والذي استخدمت فيه عبارات نابية ومعيبة ومخلة بالآداب ضد القيادة الفلسطينية لأنها أدانت ورفضت التطبيع الإماراتي والبحريني، وسترفض وتدين أي دولة ستذهب للتطبيع وتتهمها بذات السوية. وأسأل سموك، لماذا طبعت البحرين والإمارات مع إسرائيل؟ أين هي مصلحتهما الوطنية والقومية؟ هل هناك حدود مشتركة؟ هل هناك حرب وضحايا بين الجانبين؟ وهل مواقفهما تنسجم مع قرارات القمم العربية ومبادرة السلام العربية، التي صاغتها قيادتك أنت؟ ماذا تصف مواقف هذة الدول؟ هل نصفق لها، ونبارك خطواتها الإستسلامية؟ هل تعتقد أن الشعب الفلسطيني مقابل المال السياسي، وهو واجب كل عربي ومؤمن بالسلام بدعم ومساندة كفاح الشعب الفلسطيني، مطلوب أن يرضخ، ويهلل للمقصلة المنصوبة لذبح الشعب والقضية؟
وهناك نقطة أخيرة، حول اتهام الأمير بندر لإسرائيل والقيادة الفلسطينية، بأنهم نهبوا الشعب الفلسطيني؟ ! بشرفك الشخصي سمو الأمير هل هذا الموقف يليق بك؟ أيعقل لأمير سعودي ضليع في السياسة العربية والدولية الوقوع في مثلبة المساواة بين الجلاد والضحية؟ بين الاستعماري والواقع تحت نير الاستعمار؟ بين اللص والغاصب للتاريخ والهوية والأرض وبين أصحاب الأرض المدافعين عن حقوقهم؟
خطيئتك كبيرة أيها الأمير، ولم تصب في أي مما عرضت، وتجنيت على تاريخ المملكة السعودية قبل ان تتجنى على القيادة والشعب الفلسطيني. أنصحك أن تراجع نفسك أولًا، وأن تعتذر ثانيًا للشعب والقيادة الفلسطينية، وأن تطالب الأشقاء في الإمارات والبحرين بالانسحاب من فضيحة الاستسلام المهين أمام ترامب ونتنياهو وصفقة عارهما. قد يكون سبق السيف العذل. لكن مازال هناك متسع لمراجعة الذات.
خطيئة الأمير بندر
07-10-2020
مشاهدة: 258
عمر حلمي الغول
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها