كتب الكاتب الإسرائيلي الداعم للحقوق الفلسطينية، جدعون ليفي مقالاً في صحيفة "هآرتس" بتاريخ 11/5/2020 بِعنوان "لا تخشوا الضم، بل احتضنوه"، وجاء فيه: "لماذا يرتعد الاتحاد الأوروبي والدول الأخرى إلى هذا الحد من هذا الحدث الآخذ بالاقتراب؟ تبدو مسألة الضم على إنها كارثة كبرى، لكن يجب ألا نخاف منها، بل علينا أن نرحب بها".

ويتابع: "يبدو الضم وكأنه المنفذ الوحيد للطريق المسدود، الهزة الوحيدة التي قد تضع حدا للوضع الراهن البائس الذي يواجهنا، والذي ليس باستطاعته أن يقودنا إلى اي مكان أفضل". ويضيف ليفي معتبرًا الضم هِبة، لأنه سيكشف المستور في انتهاكات الاستعمار الإسرائيلي فيقول: "الضم هو بمثابة هبة لا تطاق بالنسبة للمحتل من جهة، وعقاب مهين لمن يقع تحت الاحتلال من جهة أخرى، فهو يجيز الجرائم الأكثر فظاعة، ويحبط الأحلام الأكثر صدقًا. لكن الحل البديل له أسوأ بكثير، لأنه سيخلد واقعًا فاسدًا قد تم تخليده بالفعل، وسيمؤسس واقع ابرتهايد – قائم كي يظل".

ويؤكد أن الاحتلال ليس له للحظة "نوايا أخرى أبدًا؛ فقد خلق واقعًا لا رجعة عنه لـ 700 ألف مستوطن، يشمل ذلك القدس الشرقية، لا تستطيع أي قوة إخلائهم، وبدون هذا الإخلاء سيعيش الفلسطينيون في بانتوستانات، لا دولة ولا حتى أشلاء دولة".

اقتبست فقرة كبيرة مما ذكره الكاتب الإسرائيلي كي أضع القارئ والمتلقي في خلفية استقرائه للضم، وباعتبار أنه الأقل سوءا من وجهة نظره. وتجاهل، أو تناسى السيد ليفي، أن المسألة بالنسبة للفلسطيني ليست أيهما أسوأ الضم أم الأبرتهايد، أو حجم جرائم الحرب التي يمكن أن يرتكبها المستعمرون الإسرائيليون وحلفائهم الأميركيون ضد الشعب الفلسطيني، المسألة بالنسبة للقيادة الفلسطينية تتمركز في رفض الإستعمار جملة وتفصيلاً، ورفض كل وجوده على الأرض الفلسطينية العربية. وبالتالي الضم مرفوض، ولن يكون مقبولاً من أي فلسطيني، ولا من أي عربي أو إنسان أممي يؤمن بخيار السلام والعدالة النسبية.

ثم من قال للسيد ليفي إن الـ700 ألف مستعمر صهيوني لا يمكن إخلاؤهم؟ وعلى أي أساس افترض هذا الموقف؟ واود أن أذكره بالتاريخ القريب جدًا، كما فككت حكومة بيغن وبعده حكومة شارون مستعمرات يميت وغوش قطيف والـ18 مستعمرة من المحافظات الجنوبية وسيناء المصرية، فسيتم تفكيك المستعمرات القائمة في الأغوار والقدس والضفة عمومًا، ولن يكون هناك مستوطن واحد على الأرض الفلسطينية.

ويخطئ من يجهل الحالة الفلسطينية الوطنية، ولا يدرك تحولاتها، وانفجارات خزان السخط والغضب الشعبي، وإنقلاباتها الدراماتيكية، فالواقع السائد الأن ناتج عن رغبة الفلسطيني بإعطاء فرصة للتحرك الدولي، وللقوى المؤيدة لخيار السلام وحل الدولتين على حدود الرابع من حزيران عام 1967، وبالتالي الضعف الذي يراه ليفي، وقد تراه حكومته الإسرائيلية المتطرفة وقطعان المستعمرين أيضًا، ليس كذلك، إنما هو المزيد من الحكمة، والعض على الأصابع الفلسطينية حتى تحين لحظة الصفر في حال فشل الإتحاد الأوروبي والإتحاد الروسي والصين واليابان والهند والأمم المتحدة والأشقاء العرب في لجم المشروع الإستعماري الصهيوأميركي، سيكون للفلسطيني موقف وخيار آخر، لأنه عندئذ لا أحد يستطيع إيقاف الطوفان والتغيرات في آليات وأساليب الكفاح والخطاب السياسي برمته.

واستوقفني ما أشار له الكاتب ليفي حول فرض الأبرتهايد على الشعب الفلسطيني. وكأن الأبرتهايد الصهيوني غير موجود؟ أقول لجدعون: الأبرتهايد وجد منذ اليوم الأول لطرح فكرة المشروع الإستعماري الصهيوني وشعاره الأول القائل "أرض بلا شعب لشعب بلا أرض". وبالإعتماد في الترويج للمشروع الرأسمالي الغربي بالأساس على الأساطير والخزعبلات والمثيولوجيا الدينية وغير الدينية، التي يعمل على تسويقها الرئيس دونالد ترامب هذه الأيام لدفع شعوب المنطقة والعالم إلى أتون الحرب التدميرية. دولة إسرائيل الاستعمارية منذ زمن بعيد ولجت المرحلة الفاشية، وهي تستعيد وتستحضر القتلة النازيون الألمان والفاشيون الإيطاليون وغيرهم من قتلة ومجرمي العصر الحديث. ولكن مآلها ومصيرها كمن سبقوها في اختيار طريق الفاشية والإرهاب المنظم الدولأني، لأنه لا مستقبل لها.

مرة أخرى أؤكد لك للصحفي ليفي، أننا لا نخشى الاستعمار الإسرائيلي ولا إجراءاته ولا قراراته وقوانينه، ولا نخاف الضم، ولكننا نرفضه جملة وتفصيلاً، ولن يمر مرور الكرام، وليرتكب قادة دولتك المجرمون ما شاؤوا من المجازر والاجتياحات، ولكنهم لن يبقوا على الأرض الفلسطينية، ولن تكون مستقرًا لهم مهما طال الزمن، وما تراه اليوم ضعفًا، لن تراه غدًا إلا سعيرًا من الكفاح حتى تحقيق كامل الأهداف الوطنية.