لا مجال لمناقشة أهمية إعادة الاعتبار للوحدة الوطنية، كونها تشكل ركيزة إستراتيجية في مجابهة مخططات الاستعمار الصهيو أميركي وفي مقدمتها "صفقة القرن"، وإفرازاتها المتعلقة بالضم كخطوة على طريق تصفية القضية الفلسطينية، والتي لم تعد بعيدة عن الترجمة العملية لها مع تشكل حكومة الرأسين الإسرائيلية غدًا الخميس الموافق 14/5/2020، حيث تضمن اتفاق تشكيلها الشروع بالضم في تموز/ يوليو القادم، وكون إدارة الرئيس ترامب تدفع بهذا الاتجاه، وتقف خلف سياسة تهشيم التسوية، وضرب مرتكزات عملية السلام وخيار حل الدولتين، وتصفية القضية الفلسطينية، وبالتالي لم يعد ما يعيق هذا الخيار، لأن القوى العربية والدولية ما زالت مواقفها تدور حول الرفض الشكلي لقرار الضم الإسرائيلي.

في هذا الخضم أطلقت الفصائل والحركات السياسية الفلسطينية كل من موقعه الخاص، وبعضها بشكل مشترك فضلاً عن مواقف اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير والقيادة الشرعية مواقف ضد عملية الضم، ومن بين هذه القوى أعلنت حركة حماس مواقف عدة على لسان العديد من قياداتها السياسية، ومنهم موسى أبو مرزوق، عضو المكتب السياسي، الذي قال في تصريح له يوم السبت الماضي الموافق 9/5/2020 إن "مواجهة مشروع ضم الضفة الغربية، تكون من خلال برنامج وطني وحدوي فلسطيني، أساسه المقاومة والخروج من التسوية." وتابع "هناك إجماع فلسطيني على رفض الخطة الأميركية الإسرائيلية لمستقبل الضفة، ومنع تواصل مدنها وقراها ومحافظاتها."

ما ذكره أبو مرزوق صحيح جدًا، ولكن ما قيمة الإجماع الفلسطيني في رفض الخطة دون وجود وحدة وطنية؟ وكيف يمكن الاتفاق على برنامج مجابهة للاستعمار الصهيو أميركي في ظل تمسك حركة حماس بخيار الانقلاب، وعدم تنفيذ ما تم الاتفاق عليه في اكتوبر 2017؟ وهل مجرد الدعوة للمجابهة تكفي؟ وهل اتصال إسماعيل هنية بالرئيس أبو مازن للتعزية بالشهيد الطيب عبد الرحيم، أو بالحديث عن أزمة الكورونا أو صفقة القرن يعتبر مدا للجسور؟ ما هو رصيد هذه الاتصالات؟ وما هي قيمتها عندما تقتصر على التضليل والديماغوجيا والضحك على الذقون؟ وما هي العناوين الأقرب للمنطق والعقلانية لتجسير المواقف، مجرد الاتصال أم إبداء الاستعداد الفوري لتنفيذ اتفاقات المصالحة، التي أبرمت، والتي أكد عليها رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، عندما قال "لا نريد اتفاقات جديدة، الاتفاقات موجودة"؟

ينطبق على منطق قادة حركة حماس المثل الشعبي القائل: "أسمع كلامك يعجبني، أشوف أفعالك استغرب." وحتى نخرج من دوامة الثرثرات الشكلية، وصونًا لمصالح الشعب الفلسطيني، وحماية لوحدة نسيجه الوطني والاجتماعي فإن الضرورة تملي الذهاب مباشرة للوحدة الوطنية. وعلى أرضية تنفيذ الاتفاقات المبرمة بين الحركتين فتح وحماس، والتي صادقت عليها فصائل العمل السياسي الفلسطينية. ولمواجهة الضم وصفقة القرن يحتاج الشعب الفلسطيني إلى ردم الهوة، وتجسير العلاقات الأخوية والكفاحية بين الكل الوطني، وترجمة ما تم الاتفاق عليه، وعلى أساس تعميق الشراكة السياسية، وتنظيم المقاومة الشعبية في كل أرجاء الوطن، وقطع الصلات مع إسرائيل تنفيذًا لقرارات المجالس الوطنية والمركزية، عندئذ يمكن الحديث عن صدق المواقف المعلنة. أما أن تواصل قيادات حركة حماس إعلان المواقف للاستهلاك في أوساط الرأي العام الفلسطيني والعربي، ولبيع الكلام دون رصيد، فإن ذلك لن يجدي نفعا، وسيبقى مجرد هراء، وكلاما مدهونًا بالزيت أو الزبدة كما يقال!.

أضف لذلك من يريد الوحدة والمجابهة للمشروع الصهيو أميركي ماذا عليه أن يفعل؟ هل يبقى أسير الأجندة الإسرائيلية الأميركية، وأسير الرؤية الإخوانية المتناقضة مع المشروع الوطني؟ كيف تستقيم الدعوة للوحدة مع الاستمرار في دوامة ألاعيب أميركا وإسرائيل ومشروع التنظيم الدولي للإخوان المسلمين؟ صعب جدًا، لا بل مستحيل التوفيق بين الوحدة والمجابهة، والتمسك في ذات الوقت بالإمارة الإخوانية على حساب وحدة ومصالح الشعب والقضية الوطنية. آن الأوان لِحركة حماس أن تخلع ثوب الإخوان المسلمين، وتقطع صلاتها بالمشروع الصهيو أميركي كليًا، وألا تقبل لنفسها أن تبقى مطية للأعداء. عليها التوطن في المشروع الوطني، وتبني خيارات الشعب في الوحدة وحماية مصالحه وثوابته الوطنية، والانضواء تحت راية منظمة التحرير الفلسطينية، الممثل الشرعي والوحيد، دون ذلك يبقى التباكي على الوحدة والمواجهة أكاذيب مكشوفة ومفضوحة، لا تسمن ولا تغني من جوع.