بيان صادر عن قيادة حركة "فتح" في لبنان
يا جماهير شعبنا الفلسطيني في الوطن وفي الشتات...
(لقد كانت الخسارة القيادية السياسية والعسكرية في حركة "فتح" من جرّاء هذا العدوان في منطقة الفردان كبيرةً، لأنَّ كل واحد من هؤلاء القادة الثلاثة بتجربته، وخبرته وموقعه الثوري هو بحجم تنظيم كامل).
إنَّ عملية ڤردان الجبانة في منطقة وسط بيروت هي من أهم العمليات وأخطرها، التي نفّذها العدو الصهيوني ضد قوات الثورة الفلسطينية في لبنان، وذلك ليل 10/4/1973، حيث قامت مجموعة خاصة مدرّبة عسكرياً بقيادة باراك، بتنفيذ عملية استهدفت مجموعة من القادة الأساسيين في منظمة التحرير الفلسطينية، وهم:
الشهيد كمال ناصر عضو اللجنة التنفيذية للمنظمة، والناطق الرسمي باسم الثورة الفلسطينية، وكمال عدوان عضو اللجنة المركزية لحركة فتح"، وهو المسؤول عن العمل الوطني في الوطن المحتل (القطاع العربي)، إضافةً إلى محمد يوسف النجار عضو اللجنة المركزية لحركة "فتح"، وعضو اللجنة التنفيذية في المنظمة، ورئيس الدائرة السياسية، والذي شغل أيضاً مهمة رئيس اللجنة السياسية العليا للفلسطينيين في لبنان.
كما أن مجموعة الموساد الصهيوني تمكنت في هذه العملية، التي نفّذت في منطقة فردان وسط بيروت، من قتل ما مجموعُهُ أربعة عشر شهيداً، إضافة للقادة الثلاثة.
وقد سمَّى قادة الكيان الصهيوني هذه العملية باسم (ربيع الشباب)، التي شاركت فيها سفن وزوارق حربية، ومشاركة أربع وحدات عسكرية منتقاة، إضافة إلى وحدة الكومندوس البحري، وقوة مظليين، ومجموعة حماية. وقاد هذه الوحدات كبار الضباط الصهاينة. وعلى رأس الهجوم كان باراك الذي تمكن مع مجموعته من الوصول إلى العمارة التي يسكنها القادة الثلاثة، وكان مدخل العمارة وقتها مفتوحاً.
قامت المجموعة بقتل الحرس الذي شاهدوه، ثم صعدوا إلى الطابق السادس حيث يقيم أبو يوسف النجار مع أسرته، وهو الذي اتهمه الموساد بالتخطيط لعملية اختطاف وقتل أحد عشر رياضياً في دورة الألعاب الأولمبية في ميونيخ 1972.
تم اقتحام بيت أبو يوسف النجار بعد تفجير المدخل بعبوتين ناسفتين. حاول الشهيد القائد أبو يوسف حَمْلَ سلاحه لكنه لم يتمكن، وأطلقوا الرصاص عليه وعلى زوجته. ثم جمعوا الوثائق التي كانت موجودة في غرفته. وفي الوقت نفسه كانت مجموعة ثانية قد وصلت إلى منزل كمال عدوان في الطابق الأسفل، وأطلق عليهم الشهيد كمال الرصاص، لكنهم سارعوا بقتله. وفي الطابق السادس من العمارة المجاورة دخلوا شقة القائد كمال ناصر الذي كان جالساً في مكتبه يحضِّر خطاباً حركياً، وتمكنوا من قتله عن قرب.
إنَّ إطلاق النار في الشقق الثلاث من قبل منفذي العملية لفت انتباه المركز العسكري اللبناني القريب من الحدث، حاول الجنود المطاردة لكنَّ منفذي العملية أطلقوا النار، وأصابوا جنديين، وفرّوا سريعاً إلى الشاطئ والمغادرة من خلال الزوارق البحرية العسكرية.
اعتبرت القيادةُ الفلسطينية هذا العدوان اعتداءً ليس فقط على الفلسطينيين، وإنما أيضا هو اعتداء على الأمة العربية وتحديداً، على لبنان. ثم تلا هذه العملية قصفُ العديد من المخيمات والمواقع في لبنان.
لا شك أنَّ نجاح هذه العملية اعتمد على المشاركة الفاعلة للموساد الصهيوني، وعلى الدعم الكامل من الولايات المتحدة. وذكرت القيادة الفلسطينية في بيروت "أَنَّ قسماً كبيراً من القوات التي قامت بالعملية دخلت إلى لبنان تحت ستار أنهم رجال حرس ومشاة الأسطول الذين سيتولون حماية السفارة الأميركية".
من الملاحظات التي تجدر الإشارة إليها ما قاله الشهيد القائد صلاح خلف في كتابه فلسطيني بلا هوية: أنه كان أول من دخل إلى غرفة كمال ناصر، لأنه كان غالباً ينام عنده، وقد وجده ممدداً بشكل صليب بعد إطلاق الرصاص على فمه وصدره، وكان مسدسه إلى جانبه، لكنه لم يتمكن من استخدامه. وكمال ناصر هو فلسطيني مسيحي. أما شقة أبو يوسف النجار فقد نسفوا مدخلها بقنبلة بلاستيكية بينما هو كان نائماً مبكراً كعادته. وأن أم يوسف رحمها الله اقتربت من أبو يوسف لتحميه من الرصاص الصهيوني الذي إنهال عليها وعليه.
أما في شقة كمال عدوان فإنه أخذ سلاحه واقترب من الباب لإطلاق النار عليهم، ولم يكن يعلم أنهم قد قفزوا من نافذة المطبخ إلى داخل الشقة، وأطلقوا عليه النار، وفارق الحياة بعد مسيرةٍ وطنية فدائية أقضَّت مضاجع الاحتلال.
كما يذكر الشهيد أبو إياد في كتابه أنه في أثناء تنفيذ هذه العملية تم قطع الكهرباء عن المنطقة، وهذا ما سهّل الحركة على المجموعات العسكرية الصهيونية لتنفيذ مهمتها بسهولة.
هذه العملية العسكرية الصهيونية المخطط لها بدقة، ووسط عاصمة لبنان، وبهذا الحجم من الاستهداف لثلاثة قيادات من الصف الأول في حركة "فتح"، جاء رداً على العملية التي نفذتها منظمة أيلول الأسود الفلسطينية التابعة لحركة "فتح"، وهي منظمة أمنية سرية عسكرية، والتي استهدفت الفريق الرياضي الإسرائيلي المشارك في الألعاب الأولمبية في مدينة ميونخ في ألمانيا بتاريخ 5/9/1972. فقد تم احتجاز الرياضيين الإسرائيليين والوفد المشارك، وانتهت بقتل أحد عشر إسرائيلياً، واستشهاد خمسة من الفدائيين الثمانية المنفذين للعملية.
لقد كانت الخسارة القيادية السياسية والعسكرية في حركة "فتح" من جرّاء هذا العدوان في منطقة الفردان كبيراً، لأنَّ كل واحد من هؤلاء القادة الثلاثة بتجربته، وخبرته وموقعه الثوري هو بحجم تنظيم كامل. لكنَّ حركة "فتح" الرائدة، والتي كان يقودها الشهيد الرمز ياسر عرفات، وخليل الوزير، وصلاح خلف، وخالد الحسن وباقي الفريق القيادي التاريخي استطاعوا أن يصلِّبوا أوضاعَ الحركة، وبنيانَها الثوري، وسدَّ الثغرات كافّةً. بعدها انطلقت حركة "فتح" أقوى ممّا كانت لأنها الحركة الوطنية الفلسطينية التي عاهدت شعبها منذ الانطلاقة بأنَّ "فتح" ثورة حتى النصر.
في مثل هذه المناسبات التي قدَّمنا فيها أغلى وأعزَّ قياداتنا، التي أسَّستْ، وبنت، ثم رحلت مع قوافل الشهداء، لتبقى منارةً ثوريةً ووطنية لشعبنا، ولباقي الشعوب المؤمنة بعدالة قضيتنا.
ونحن اليوم نستوحي المزيد من العزة والأَنفة والكبرياء الوطني، من مسيرة هؤلاء العظماء، الذين زرعوا وغادروا ليتركوا لنا ما نفتخر ونعتزُّ ونستقوي به.
ومن هذا المنطلق فإنّنا في حركة "فتح" في لبنان نجدِّدُ العهدَ والقسم لقوافل الشهداء، وفي مقدمتهم الرمز ياسر عرفات، كما نؤكد تمسُّكنا ووقوفنا خلف سيادة رئيس دولة فلسطين الرئيس أبو مازن، ومواقفه الحكيمة، من مختلف القضايا الوطنية والسياسية. وندعو الكلَّ الوطني والفلسطيني إلى صناعة الموقف والقرار الوطني الفلسطيني، الذي يؤهِّل شعبنا لمواجهة صفقة ترامب الصهيونية، وكل الإجراءات العدوانية الاحتلالية والاستعمارية والتهويدية لأرضنا المباركة.
في هذه المناسبة نؤكّد ثوابتنا الوطنية، وفي المقدمة حقَّنا المشروع بالعودة إلى أرض فلسطين التاريخية، وإقامة دولتنا الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس. ونعتبر كلَّ ما ترتَّب على صفقة ترامب – نتنياهو الصهيونية باطلاً من أساسه.
المجد والخلود لشهدائنا الأبرار
والحرية لأسرانا الأبطال
الشفاء للجرحى والمعوَّقين
وإنَّها لثورةٌ حتى النصر
قيادة حركة "فتح" في لبنان
إعلام الساحة
2020-4-10
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها