كان يمكن ألا تصل الأمور في لبنان جراء تهديدات الكورونا إلى إقفال المدارس والجامعات لو أن الجهات المعنية تداركت الأمور والتزمت موجبات الوقاية قبل توزيعها على اللبنانيين ارشادات وتعليمات يومية.
فإذا كان المواطن قد التزم حرصًا على حياته ومن حوله بشراء الكمامة التي بيعت بكل الأسعار والمعقمات بأنواعها كافة، وشرب اليانسون والزنجبيل فإن الأمر لم يكن كافيًا لردع المخاطر التي دخلت من بوابات الاستهتار السياسي وفي المحصلة ارتفاع عدد الاصابات إلى سبعة وإقفال المدارس والجامعات.
فقد أعلنت وزارة الصحة العامة بالأمس، في بيان، تسجيل ثلاث حالات مثبتة مخبريًا مصابة بفيروس كورونا المستجد COVID-19، وهي لأشخاص مخالطين لمصابين سابقين وكانوا موضوعين في الحجر الصحي، وهم حاليا موجودون في غرف العزل في مشفى الحريري الحكومي الجامعي وحالتهم مستقرة.
كما أقفلت المدارس والجامعات والثانويات الخاصة والرسمية بقرار من وزير التربية ولمدة أسبوع قابلة للتجديد من المفترض أنها فترة ضرورية تسبق انتهاء فترة الحضانة (أسبوعان) لبعض الحالات التي تم عزلها إن كان في مشفى رفيق الحريري، أو التي عزلت نفسها في بيوتها بدءاً من تاريخ وصول أول إصابة سجلت في 20 شباط لامرأة لبنانية قدمت من إيران.
ويستمر هلع المواطنين مع وصول طائرات من المحافظات الإيرانية في الأيام الماضية، غالبية ركابها من الطلاب اللبنانيين الذين أقفلت جامعاتهم هناك بفعل الوباء المنتشر كما وصلت برا يوم أمس الأول دفعة كبيرة منهم عبر الحدود البرية مع سوريا.
وأمام التناقضات بين ما يقوله المعنيون عن التشدد في الاجراءات عبر المعابر كافة وما يفضحه الوافدون من الدول الموبوءة من هشاشة تلك الاجراءات التي يخضعون لها قبل دخولهم لبنان وأمام الحجر الصحي الفردي المطلوب من الوافدين وغير الخاضع لأي ضوابط أو مراقبة وتسجيل ثلاث إصابات إضافية أمس، في مشفى رفيق الحريري الحكومي ممن لهم علاقة قربى بالمريضين السوري والإيراني السابقين يزداد المشهد تعقيدا وهلعا بين المواطنين دون علم بما ستؤول إليه الأمور من تطورات.
كورونا لبنان ذو المنشأ الايراني أمر معلوم ومؤكد لدى الجميع منذ تسجيل الإصابة الأولى القادمة من "قم" والذي لم تتخذ الحكومة إجراء مبكرا بشأنه وأسوة بباقي الدول في وقف الملاحة الجوية ورغم المطالبات الحثيثة من اللبنانيين إلى أن أقفلت مدارس وجامعات طهران فأقفل اللبنانيون مدارسهم وجامعاتهم.
وإذ ينحصر عمل عداد الإصابات في مشفى رفيق الحريري التي وصلت حالات الحجر فيه إلى ثلاث وثلاثين تنأى المشافي الخاصة بنفسها عن إمكانية احتوائها لمرضى الكورونا لعدم توفر الامكانيات أولا وثانيا لما يكبدها الأمر من مخاطر على استقبال مرضاها العاديين فيبقى السؤال إذا ما ارتفع عدد المصابين كيف ستواجه الدولة اللبنانية الأزمة؟
حسب وزير الصحة السابق وائل أبو فاعور هناك مشافٍ حكومية مجهزة ومقفلة ويمكن الاستفادة منها للحجر الصحي منها شبعًا ومشغرة والتركي في صيدا. وإذ اعتبر أن وزارة الصحة متروكة وحيدة وحتى اللحظة لا يوجد خلية أزمة فقد شدد أبو فاعور على ضرورة إيلاء الاهتمام للمقرات المكتظة لا سيما الأسواق الشعبية التي يتوجب على المحافظين إغلاقها مؤقتا.
المشكلة على الصعد كافة في بلد متصدع من النواحي كافة لم يكن ينقصه إلا الكورونا، اللافت من ينتقدون المجتمع المدني في عدم التزامه إجراءات الوقاية وقد نسوا أن بعض اللبنانيين لا يملكون حقا ثمن وسائل الوقاية لهم ولعائلاتهم.
لا شك أن كورونا لبنان مختلف وتأثيراته أخطر من أي بلد آخر لا يعاني مما يعانيه من أزمة اقتصادية واجتماعية خانقة فكان الأجدر بالمعنيين أن يقيموا الواقع اللبناني ومناعته جيدًا قبل أن يفتحوا أبواب استهتارهم وتغليب مصالحهم السياسية وبعدها يطلبون إغلاقها بكمامة.