ا أتّفق مع الرّوائيّ التّشيكيّ الكبير ميلان كونديرا في الجّملة الّتي افتتح بها الفصل الثّاني من روايته "كائن لا تُحتمل خفّته" حيث كتب: "سيكون ساذجًا من قِبل الكاتب أن يجعل القارئ يعتقد أنّ شخصيّاته وُجدت فِعلًا" ولكنّني أوافقه على أنّ هذه الشّخصيّات "لم تُخلق من جسد امرأة بل من بضع جمل موحيّة" لأنّني أرى أنّ الكاتبَ النّاجح هو من يستطيع أن يجعل قارئه يعتقد أنّ بطلَ قصّته أو روايته وُجِدَ فِعلًا، فمن قرأ رواية "الّلاز" للرّوائيّ الجزائريّ الطّاهر وطّار لا بُدّ أن يجزم بأنّ الّلاز وزيدان وعلّوش شخصيّات وُجدت فِعلًا في صفوف الثّوار الجزائريّين، وقد يبحث عن أمثالهم في الثّورات الفلسطينيّة والمصريّة والعراقيّة واليمنيّة، كما أنّ قارئ "رجال في الشّمس" للرّوائيّ الشّهيد غسّان كنفاني سيتعرف على أبطال الرّوايّة الّذين ربّما التقى بهم في الخليل أو نابلس أو غزّة أو مخيّم الدهيشة أو مخيّم الأمعريّ، مثلما قد يبحث قارئ رواية "عائد الى حيفا" عن المجنّد دوف في أحياء حيفا ويافا واللّد والرّملة، وأمّا والدا دوف فمن المؤكّد أنّ الكثيرين من أبناء جيلي والّذين عاصروا النّكسة قد التقوا بهم في ساحة الحناطير أو في بوّابة وادي النّسناس في الفترة الّتي أعقبت حرب حزيران 67 حينما جاءوا باحثين عن بيوتهم ورسائلهم وفناجين قهوتهم في وادي الصّليب والحلّيصة وعبّاس وشارع العراق وغيرها.
أذكر أنّني سألت صديقي ورفيقي الرّوائيّ إميل حبيبي عن سعيد أبي النّحس المتشائل إذا ما كان حيًّا يُرزق في حيفا أو النّاصرة أو شفاعمرو وأظّن أنّ أبا سلام أحبّ هذا السؤال فابتسم ابتسامته السّاخرة ولم يُجبني.
ولا بدّ من أن أعترف بأنّني أشعر بالسّعادة عندما ألتقي بقرّاءٍ يسألونني عن "عائد الميعاريّ " أو عن "فارس أبو عرب" أو عن الشّيوعيّ مروان بطل تلك الليلة الدّافئة في قطار ريغا، كما أنّني نفيت عدّة مرّات أيّة علاقة لي بـ "حفيظة" تلك المرأة الجميلة السّاحرة، وقد قالت لي قارئة عنيدة ذات مرّة "تستطيع أن تنكر قصّة حبّك لهذه المرأة ولكن اسمح لي ألّا أصدّقك". 
 أؤكّد للمرّة الّتي لا أعرف رقمها أنّني لست العجوز المتقاعد الّذي كان يسير من شارع عبّاس إلى شارع الأنبياء في حيفا، ذهابًا وايابًا، في أصيل كلّ يوم ويحدّق في سيقان الصّبايا.
ليس هذا الأمر الوحيد الّذي أختلف فيه مع الأديب ميلان كونديرا الّذي قرأت سبع رواياتٍ من نتاجه فوجدته أديبًا واسعَ الثّقافة ذا أسلوبٍ متمرّد على بناء الرّواية الكلاسيكيّ، وعدّوًا لدودًا للنّظام الاشتراكيّ والاتحاد السّوفييتيّ حيث يبرز هذا العداء في جميع أعماله الرّوائيّة.