تقرير: إيهاب الريماوي
39 يوما من الخوف والقلق والانتظار أمضاها خالد سلهب، الذي وجد نفسه فجأة محاصرا إلى جانب 200 شخص آخرين في كنيسة المهد بمدينة بيت لحم، حدث ذلك قبل أكثر من 17 عاما.
في الأول من نيسان/ أبريل عام 2002، خرج سلهب من بيته لشراء بعض الحاجيات والمواد التموينية من إحدى البقالات المجاورة لكنيسة المهد، التي عجت ساحتها بالمواطنين الذين بدأوا بتناقل أخبار اجتياح دبابات الاحتلال الإسرائيلي لمدينة بيت لحم وإغلاق مداخلها كافة، واقترابها من محيط الكنيسة.
حمل سلهب نفسه وعاد مسرعا إلى بيته، ليجده محاصرا بالدبابات وقناصة الاحتلال، الأمر الذي جعل عودته إليه مستحيلا، فعاد أدراجه نحو الكنيسة.
في تلك الليلة، اضطر سلهب، الذي كان يبلغ 18 عاما من العمر، للمبيت برفقة شبان آخرين في مسجد عمر المقابل لكنيسة المهد، في حين لم تهدأ أصوات الرصاص والانفجارات والقذائف التي أطلقها الاحتلال، الذي أحكم سيطرته على المدينة.
"في الليل طرق أحدهم باب المسجد، ظننا أنه جيش الاحتلال، نظرنا خلسة من نافذة المسجد المطلة، لنجد أنه أحد الشبان، حيث طلب منا مغادرة المسجد نحو الكنيسة لأن الأمان هناك أكثر. المسافة كانت بعيدة ومكشوفة لقناصة جيش الاحتلال، لكن لم يكن لدينا خيار آخر"، قال سلهب.
وأضاف: كان الموت قريبا منا، استجمعنا قوانا وانطلقنا مسرعين. كنا نتوقع أن نستشهد في أية لحظة، كان إطلاق النار بكافة الجهات، لحسن الحظ لم نُصب. دخلنا الكنيسة من بابها الشرقي، كون الباب الرئيسي مغلق بسبب وجود القناصة.
وأوضح: حوصرنا هناك، وقسمنا أنفسنا إلى مجموعات، كل مجموعة في زاوية معينة من الكنيسة. في البداية كنا نخرج نهارا إلى الساحات المفتوحة، ونقضي معظم الأوقات فيها، لكن بعد أيام أصبح الخروج يعني الموت، نظرا لانتشار القناصة في كل مكان، بالإضافة إلى إطلاق الاحتلال منطادا مثبتة عليه كاميرات مراقبة.
وتابع سلهب: قطع الاحتلال التيار الكهربائي عن الكنيسة، ما اضطرّنا لاستخدام الشمع، وكان الجنود يطلقون الألعاب النارية ليلا، ويشغلون أجهزة تصدر أصواتا مزعجة، وألقوا عبوات بلاستيكية تحوي رسائل تهديد تدعو المحاصرين لتسليم أنفسهم.
حاول الجنود اقتحام الكنيسة مرات عدة، وحرقوا بعض الغرف العلوية القريبة من السطح، لكن المحاصرين تصدوا لهم وأفشلوا محاولاتهم.
وقال: في أيام الحصار الأولى، استشهد شابان في باحات الكنيسة برصاص القناصة، بقي جثماناهما في المكان 6 أيام، قبل أن يسمح الاحتلال بإخراجهما من قبل الأطفال المحاصرين.
بالنسبة لسلهب، كانت جثامين الشهداء بين المحاصرين أصعب ما واجهه خلال أسابيع داخل الكنيسة، وقال: في أحد الأيام ذهب الشهيد نضال عبيّات للوضوء استعدادا لأداء صلاة الظهر، ويومها كان صائما، وعندما صعد درج ساحة الكنيسة الخلفية، أصيب برصاص القناصة، واستشهد على إثرها.
اشتد الخناق على المحاصرين وازداد تعبهم، وفشلت جميع الجهود لحل قضيتهم، وبدأ أمل الانفراج يتبدد لديهم، وسمح الاحتلال حينها بإخراج جثامين الشهداء والجرحى والمرضى، بعد التنسيق مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر. حاول سلهب الخروج معهم، فلجأ إلى شرب مياه الزيتون المخلّل، علّه يصاب بوجع في البطن يمكنه من الخروج، لكن فشلت خطته.
وقال: في البداية، كان المحاصرون يتناولون وجبة طعام واحدة، وهي عبارة عن كأس من الأرز الأبيض، والخبز، لكن بعد نفاد الطحين، أصبح الأرز المسلوق طعامهم الوحيد.
وأشار سلهب: بعد 25 يوما من الحصار، قلّت المواد التموينية خاصة الأرز، وأصبح كل شخص يتناول ملعقتين فقط لسد جوعه، فكان لا بد من البحث عن طريقة لتوفير الطعام، لكن لم نجد وسيلة لذلك فاضطررنا لتناول أوراق شجر الليمون.
في أحد أيام الحصار الطويلة، كان سلهب يجلس برفقة مجموعة من المحاصرين في إحدى ساحات الكنيسة المفتوحة، فاقترب طير منهم وتمكنوا من اصطياده وطهيه، وفي آخر أيام الحصار اضطروا إلى قلي ورق الليمون بزيت الزيتون.
وقال: في الأيام الأخيرة، تمكّن عدد من المتضامين الدوليين من كسر الحصار الإسرائيلي المفروض على الكنيسة، ورفضوا الخروج منها دون المحاصرين، وبعد التوصل إلى تسوية لقضيتهم، حينها خرجنا على دفعات. في البداية، خرج من تم إبعادهم إلى أوروبا، ومن ثم إلى غزة، وأخيرا الأجهزة الأمنية والمدنيين.
وأضاف: تم اقتيادنا إلى معتقل "عصيون"، وهناك أخضعونا للتحقيق، اعتقلوا عددا منا وأفرجوا عن البقية، وتم إعادتنا عبر حافلات إلى مشارف مدينة بيت لحم. وصلت إلى منزلي وقمت بالاستحمام، وكانت المرة الأولى التي أستحم فيها منذ 39 يوما.
عاش سلهب الجوع والخوف والقلق، لكن سلطات الاحتلال لم تكتفِ بذلك واعتقلته عام 2003 وحكمت عليه بالسجن ثماني سنوات، أفرج عنه بعدها، وتزوج وأنجب طفلين.
وحين روى سلهب قصة حصار كنيسة المهد، كانت عيناه ترقبان حركة المواطنين والزائرين من مختلف أنحاء العالم، الذين قدموا من أجل المشاركة في احتفالات أعياد الميلاد المجيد.
خلال حصار كنيسة المهد، الذي استمر 39 يوما، استشهد سبعة مواطنين، وأصيب 26، فيما تم إبعاد 36 آخرين، 13 منهم إلى دول أوروبية، والبقية إلى قطاع غزة.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها