ليسَ هناكَ مسألةٌ يُجمِعُ عليها الفلسطينيّونَ شعباً وقيادةً مثلَ قضيةِ الالتزام بواجبِ الوفاءِ لتضحياتِ الشّهداءِ والجرحى والأسرى، فهذا الالتزامُ هو معيارُ ثباتِنا على التمسّكِ بشرعيّةِ نضالِنا ضدَّ الاحتلالِ الاستيطانيّ الإسرائيليِّ وتصدّينا للمشروعِ الصّهيونيِّ بكلِّ ما يمثّلهُ من خطرٍ على الأرضِ والإنسانِ والتّاريخِ والمستقبَل. وليسَ هناكَ مبالغةٌ في القولِ إنَّ شعبَنا مدينٌ لأبطالِهِ بكلِّ ما يعتزُّ بهِ الآنَ من ترسيخٍ للشخصيةِ الوطنيّةِ وفرضٍ للحقِّ الفلسطينيِّ كبندٍ ثابتٍ على رأسِ اهتماماتِ المجتمعِ الدوليِّ، وبدونِ تضحياتِ شهدائنا وجرحانا وما يعانيه آلافُ الأسرى من عذابٍ وسطوٍ على حرّيّتِهم لم يكُنْ بإمكانِ شعبِنا الصّمودُ في معاركِهِ المتواصلةِ لأكثرَ من مئةِ عامٍ، بما في ذلكَ في المعركةِ الرّاهنةِ لرفضِ أكذوبةِ "صفقةِ القَرنِ" والاستمرارِ في الصّمودِ في الوطنِ رغمَ كلِّ ما يمارسهُ الاحتلالُ من عدوان وقتلٍ وإرهابٍ، وبحمايةٍ أمريكيّةٍ سافرة.

 

لقد كانَ قرارُ التصدي للقَرصَنةِ الإسرائيليةِ بحقِّ أموالِ المقاصةِ قراراً وطنيّاً يهدفُ إلى تأكيدِ الوفاءِ لمسيرتِنا الوطنيّةِ، وقد دفعَ شعبُنا ثمناً باهظاً لقرارهِ تمثّلَ بتقليصِ الدّخلِ وتراجُعِ الاقتصادِ وعدمِ القدرةِ على الاستمرارِ بالوفاءِ بالالتزاماتِ الفرديّةِ والعائليّةِ، علاوةً على التزاماتِ الحكومةِ بواجباتِها التي يُلزِمُها بها القانونُ وأهمّها توفيرُ مستلزماتِ الصّمودِ والاستمرارُ في بناءِ أسُسِ الدّولةِ الفلسطينيّة. ورغمَ كلِّ ذلكَ استمرَّ الالتزامُ بدفعِ مستحقّاتِ الشهداءِ والجرحى والأسرى كاملةً دونَ نُقصانٍ، تطبيقاً للقرارِ الوطنيِّ الذي ظلَّ يردّدهُ رئيسُ فلسطين أبو مازن بأنّ آخرَ قرشٍ يمتلكهُ الفلسطينيّون سيخصصونهُ لدفعِ تلكَ المستحقّات.

 

العدوانُ الإسرائيليُّ ضدَّ شعبِنا هو عدوانٌ شاملٌ لا يستثني شيئاً. فهو عمليّةٌ متواصلةٌ من مصادرةِ الأرضِ وإعدامِ الأطفالِ والشبّانِ على حواجزِ الاحتلالِ بدمٍ باردٍ، وهو تطاولٌ يوميٌّ على المقدّساتِ الإسلاميّةِ والمسيحيّةِ، كما أنّهُ سرقةٌ لمياهِنا وتلويثٌ لبيئتِنا ونهبٌ لآثارِنا وسطوٌ على تراثِنا وتاريخِنا وتسميمٌ لحياتِنا، وهو كذلكَ قرصنةٌ ضدَّ أموالِنا ومحاولةٌ مستمرّةٌ لفرضِ مقولاتِهِ المريضةِ، تارةً بما يسمّيهِ "يهوديّةَ الدّولةِ" التي يبدّدُها إخوتُنا الصامدونَ في الجليلِ والمثّلثِ والنّقبِ، وتارةً بمحاولةِ فَرضِْ رؤيتِهِ بتجريمِ نضالِنا الوطنيِّ عبرَ إجبارِنا على التنّكرِ لرموزِ هذا النّضالِ وأبطالِهِ، وهو ما أثبتَ شعبُنا وقيادتُهُ أنّهُ من المحرّماتِ التي لنْ يمسَّ بها أحد، وفي سبيلِ تأكيدِ ذلكَ لا يضيرُنا أن نصبِرَ على النّقصِ في الأموالِ والأنفُسِ والثّمراتِ.

 

علينا التّعاملُ مع القرصنةِ الإسرائيليّةِ ضدّ أموالِنا تماماً كما نتعاملُ مع كلِّ مظاهرِ العُدوانِ على شعبِنا، فلا مجالَ مثلاً للتراجعِ عن حقّنا في القُدسِ مهما ارتفعت وتيرةُ الانتهاكاتِ الإسرائيليّةِ ضدَّ أهلِها ومقدّساتِها. ويمكنُ للعدوّ أن يصادرَ الأرضَ ويبني جدارَ الفصْلِ العنصريِّ ويشيّدَ المستوطناتِ فوقَ أرضِنا، لكنَّ هذا لنْ يَمنحَ الاحتلالَ وكلَّ ما يترتّبُ عليهِ مثقالَ خردلةٍ منَ الشّرعيّة. وتستطيعُ إسرائيلُ اقتطاعَ بضعةِ ملايينَ من الشّواقلِ من أموالِ المقاصة، لكنّها لن تقتطعَ مقابلَ ذلكَ أيَّ تنازُلٍ عن ثوابتِنا الوطنيّة. لقد كانتْ معركةُ الصُّمودِ أمامَ القرصنةِ والابتزازِ الإسرائيليِّ معركةً لتثبيتِ الإرادةِ الوطنيّةِ، ولم تكُن معركةَ "إضرابٍ عن الطّعامِ حتّى الموتِ"، فالقيادةُ مسؤولةٌ عن الالتزامِ بمستحقّاتِ أبطالِ مشروعِنا الوطنيِّ مثلما هي مسؤولةٌ عن دفعِ رواتبِ الموظّفينَ وعن توفيرِ مستلزماتِ الصّمودِ وعَملِ القطاعِ العامِّ وتقديمِ الخدماتِ اليوميّةِ للشّعب. ويجبُ التأكيدُ أنَّ معرَكتَنا مع الاحتلالِ لمْ تبدأ بالقرصنةِ الإسرائيليةِ ضدّ أموالِنا، ولن تنتهي إلّا بزوالِ الاحتلالِ وإنجازِ حقوقِنا كاملةً دونَ نقصانٍ، بما في ذلكَ إقامةُ دولَتِنا الفلسطينيّةِ وعاصمتُها القُدسُ، حيثُ سنُشيّدُ ألفَ صَرْحٍ لتخليدِ بطولاتِ شهدائِنا وجرحانا وأسرانا.

 

*الشهداءُ والجرحى والأسرى هُم حرّاسُ الحُلمِ الفلسطينيِّ، ولأنّنا أوفياءُ لتاريخِنا وحاضرِنا وأمناءُ على مستقبَلِ هذهِ الأرضِ المباركةِ فسوفَ نظلُّ أوفياءَ لأبطالِنا، لأنَّهُم جزءٌ من هويّتِنا ورمزٌ لكرامتِنا الوطنيّة وضمانةٌ لاستمرارِ مسيرتِنا حتّى تحقيقِ الانتصار.

 

٥-١٠-٢٠١٩

رسالة اليوم

رسالة حركيّة يوميّة من إعداد أمين سر حركة "فتح" - إقليم بولندا د.خليل نزّال.

#إعلام_حركة_فتح_لبنان