عندما بدأت الحركةُ الصهيونيةُ بالتخطيطِ لإقامةِ دولةٍ يهوديةٍ في فلسطينَ لجأتْ إلى بريطانيا العظمى، لأنَّ الأخيرةَ كانتْ تملكُ مفاتيحَ القرارِ على مستوى العالمِ كإمبراطورية "لا تغيبُ عنها الشّمس"، والتي سرعانَ ما انتصَرَت في الحربِ العالميةِ الأولى لتسيطِرَ على فلسطينَ، وجعلت الهدفَ الأوّلَ لانتدابِها إقامةَ الدولةِ اليهوديةِ على حسابِ فلسطينَ وشعبِها. ومعَ نهايةِ الحربِ العالميةِ الثانيةِ قرّرتْ بريطانيا إنهاءَ انتدابَها في فلسطينَ وذلكَ عندما ضمنتْ قدرةَ العصاباتِ الصهيونيّةِ على إقامةِ الدولة اليهوديةِ والدفاعِ عنها وتثبيتِ دعائمِها.

معَ انحسارِ نفوذِ بريطانيا وتفكيكِ مستعمراتِها وتقلّصِ دورِها كقوّةٍ عظمى انتقلَ مركزُ الثّقلِ في معادلةِ التوازنِ الدوليّ إلى الولاياتِ المتحدةِ الأمريكيةِ، وذلكَ كنتيجةٍ طبيعيةٍ لدورِها الحاسِمِ في هزيمةِ ألمانيا النازيةِ وكثمرةٍ لتنامي قوّتها الاقتصاديّةِ وتفوّقِها العلميّ والتقني. ولم تتأخر الحركةُ الصهيونيةُ وإسرائيلُ في نقْلِ ولائها إلى الإمبراطوريةِ الأمريكيةِ الصاعدةِ لتصبحَ العلاقةُ الأمريكيةُ-الإسرائيليةُ حجرَ الزاويةِ في السياسةِ الأمريكيةِ الداخليةِ والخارجية، وهو ما وفّرَ لإسرائيلَ مصدرًا لا ينضبُ من الدّعمِ العسكريّ والاقتصاديّ والسياسي، ومكّنها من مواصلةِ احتلالِ الأرضِ الفلسطينيّةِ واستيطانِها وممارسةِ أقصى درجاتِ الإرهابِ المنظّمِ ضدّ شعبِها، دونَ أنْ تحسِبَ حسابًا للقانونِ الدوليّ ولقراراتِ مجلسِ الأمنِ والجمعيةِ العامةِ للأممِ المتحدةِ.

تحثُّ إسرائيلُ الخطى في سبيلِ توطيدِ علاقاتِها مع الصينِ، ليسَ بسببِ حبّها لهذه الدّولةِ، ولكنْ بسببِ قراءتِها الدقيقةِ لحركةِ التاريخِ والاقتصادِ التي تبشّرُ بانتقالِ مركزِ الثقلِ في القرار السياسيّ الدوليّ إلى هذا الجزءِ منَ العالمِ بعدَ ما شهدناهُ من تنامي القوةِ الاقتصاديةِ للصينِ، وما يرافقُ ذلكَ منْ امتدادِ رقعةِ النفوذِ الصينيّ المعتمِدِ على فتحِ الأسواقِ واستخدامِ القوةِ الناعمةِ لكسبِ قلوبِ وعقولِ وجيوبِ المواطنينَ في مختلفِ أنحاءِ العالمِ وخاصةً في القارّة السمراء.

يجمعُ المحللون على أنَّ الإمبراطوريةَ الأمريكية تسرّعُ من خطواتِها نحوَ الزوالِ، ولا يوجدُ بديلٌ لها سوى إمبراطوريةِ الصينِ الصاعدةِ. ولنْ تتردّدَ إسرائيلُ في سبيلِ ضمانِ بقائها في التخلّي عن التبعيّةِ لأمريكا والالتحاقِ بالإمبراطوريةِ الصفراءِ.

 

*علينا التعاملُ مع الصينِ ليسَ فقط كدولةٍ عظمى تملكُ حقّ النقضِ في مجلسِ الأمنِ وتواظبُ على دعمِ الحقّ الفلسطينيّ، وإنما بسببِ امتلاكِها لكلِّ المقوّمات التي تجعلُها البديلَ الوحيدَ للإمبراطوريةِ الأمريكيةِ الآيلةِ إلى السقوطِ، وإنْ أحسنّا التصرّفَ فسوفَ تجرُّ أمريكا معَها إلى الهاويةِ حليفَتَها وصنيعَتَها إسرائيل.

 

٧-٨-٢٠١٩

 

*رسالة اليوم*

رسالة حركية يومية من إعداد أمين سر حركة "فتح" - إقليم بولندا د.خليل نزّال.

#إعلام_حركة_فتح_لبنان