تلجأُ أمريكا إلى ممارسةِ سياساتٍ متنوّعةٍ للحفاظِ على نفوذِها وسيطرتِها في مختلفِ أنحاءِ العالم، ففي أوروبا وفي حقبةِ ما بعدَ الحربِ العالميةِ الثانيةِ ثبّتتْ أمريكا وجودَها العسكريّ الذي كانَ تتويجًا لدورِها القياديّ في هزيمةِ ألمانيا النازيّة، وضمِنتْ ذلكَ من خلالِ المعاهداتِ التي فرضَتْها على ألمانيا، وهو ما مكّنها لاحقًا من حَسْمِ الحربِ الباردةِ لصالحِها بعدَ انهيارِ الاتحادِ السوفياتي، وانضمامِ دولِ أوروبا الشرقيّةِ إلى حلفِ شمال الأطلسي "الناتو".
أمّا في دُولِ العالمِ الثالثِ فقدْ لجأتْ أمريكا إلى سياسةِ التدخّلِ العسكريّ المباشرِ وشنِّ الحروبِ والتآمرِ لقلْبِ أنظمةِ الحُكمِ الوطنيّةِ وتنصيبِ حكّامٍ يخدمونَ مصالحَها، إضافةً إلى فرضِ الحصارِ الاقتصاديّ على الدّولِ التي صَمدَتْ في وجهِ التدخّل العسكريّ المُباشر.
تحاولُ أمريكا في الوقتِ الراهنِ إشغالَ خُصومِها بقضايا داخليّةٍ تساهمُ في تكبيلِ قدرتِهم على منافسةِ السياسةِ الأمريكيةِ في مجالاتٍ مختلفة. ففي فرنسا هناك حراكٌ متواصلٌ لإثارةِ القلاقلِ تحتَ شعار "السترات الصفراء"، وفي خاصرةِ الصينِ تستمرُّ المظاهراتُ وأعمال التخريبِ في هونغ كونغ، وفي روسيا تتنامى نشاطاتُ المعارضةِ المواليةِ للغربِ بشكلٍ متسارع. كلّ ذلكَ يعيدُ إلى الأذهانِ الدورَ الأمريكيّ المباشرَ في ما سُمّيَ بالربيعِ العربيّ، والذي استُخدِمَ كوسيلةٍ لتفكيكِ المنطقةِ وإعادةِ تركيبِها على أنقاضِ مصالحِ شعوبِها، وبما يَضمنُ سيطرةً إسرائيليةً دائمةً دونَ منازِع.
كُلَّما اقترَبت الإمبراطوريةُ الأمريكيةُ من نهايَتِها ازدادتْ عُنفًا وإرهابًا وبطشًا، وهذهِ قاعدةٌ تنطبقُ على كلّ الإمبراطورياتِ التي سبقتْ أمريكا، بما في ذلك بريطانيا العظمى وفرنسا في العصرِ الحديث. وما نشهدُهُ حاليًّا هو تأكيدٌ لذلك، فأمريكا تزيدُ من وتيرةِ تدخّلِها وعبثِها وتشنُّ الحروبَ وتثيرُ النزاعاتِ وتنشرُ الفوضى وعدمَ الاستقرارِ والتوتّرَ في مختلفِ أنحاءِ العالم، وعلى الصعيدِ الداخليّ تتبنّى إدارةُ ترامب سياسةً تقومُ على التحريضِ ضدّ المهاجرينَ وتُنمِّي النزعةَ العنصريّةَ وتحاوِلُ عزلَ نفسِها عن العالمِ بإقامةِ الجُدرانِ على حدودِها وتشديدِ إجراءاتِ الهجرةِ لمنعِ دخولِ "الغرباءِ"، وتزجُّ بالمهاجرينَ في معسكراتِ اعتقالٍ يتمُّ فيها الفصلُ بينَ الأطفالِ وذويهِم بشكلٍ يتناقضُ مع أبسطِ حقوقِ الإنسانِ التي تُرسِلُ أمريكا أساطيلَها إلى آخرِ بقاعِ الأرضِ تحتَ ذريعةِ حمايتِها.
ما شَهدَتْهُ أمريكا خلالَ الأيامِ القليلةِ الماضيةِ من أعمالِ الإرهابِ والقتلِ الجماعيِّ المنَظَّمِ هو نتاجٌ طبيعيٌّ لسياساتِها الداخليةِ والخارجيةِ، وواهمٌ مَن يظنُّ أنَّ باستطاعتِهِ تعميمَ ثقافةِ القتْلِ والإرهابِ في العالمِ كلّهِ وأنْ يتمكَّنَ في نفسِ الوقتِ من تحصينِ نفسِهِ ضدّ نتائجِ تلكَ الثقافةِ وارتداداتِها.
الإرهابُ الأمريكيُّ سلاحٌ ذو حدٍّ واحد، قدْ يأخذُ شكلَ غارةٍ تَقتُلُ المدنيينَ في عُرسٍ أفغانيّ، وقدْ يتجلّى في صورةِ "خِلافةٍ" تظهَرُ فجأةً في بلادِ الشامِ والعراقِ ثُمّ تختفي حسبَ احتياجاتِ أمريكا، وقد يأخذُ شكلَ مَجزرةٍ في تكساس ينفّذُها شخصٌ "وفيٌّ" لإدارةِ ترامب وما تنشُرهُ داخلَ أمريكا وخارِجَها من بذورِ العُنفِ والكراهية.
٦-٨-٢٠١٩
رسالة اليوم
رسالة حركيّة يوميّة من إعداد أمين سر حركة "فتح" - إقليم بولندا د.خليل نزال.