مبادئ وقوانين حقوق الإنسان الأممية بشكل عام، وحقوق الطفل بشكل خاص لم تأت من فراغ، ولم تسقط من السماء، وإن كانت الديانات السماوية مجدت الإنسان، وأعطته حقه، وحضت على أهميته ومكانه بين الكائنات والمخلوقات جميعا، دون ان تغفل مساوءه وفساده وبلوغه في لحظات من الارتداد إلى الدرك الأسفل والوحشية، وهو ما عانت منه البشرية على مدار الحقب التاريخية، ومراحل تطورها، التي لم تخل يوما من الحروب بمختلف تصنيفاتها، وتوجت بألعن وابشع اشكال الحروب، وهي الحروب العالمية، وفي أعقابها، ومع تشكل الأمم المتحدة عام 1945 تنادت الكفاءات وجهات الاختصاص السياسية والقانونية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والبيئية، واستخلصت كما مهما وعظيما من القوانين والحقوق، صاغتها في مواثيق ومعاهدات، وجميعها هدفت للارتقاء بمكانة الإنسان، وحماية حقوقه، ورعاية مصالحه، وكفلت تطوره دون تدخل، أو إرغام، أو زجر وتعسف. وأعطت أولوية لحقوق الطفل في العالم، التي تجسدت في الحقوق، التي اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة بموجب قرارها رقم 44/25 المؤرخ في 20/11/1981، وقد عرفت المادة الأولى من الاتفاقية الطفل بأنه "كل إنسان لم يتجاوز الثامنة عشرة ما لم يبلغ سن الرشد قبل ذلك بموجب القانون المنطبق عليه".

مع ذلك لا أود التوقف امام السن القانوني للطفولة، الذي حددته الأمم المتحدة، بل اود الحديث والتركيز على ما قامت به دولة الاستعمار الإسرائيلية قبل يومين من الآن (الثلاثاء الموافق 30 تموز/ يوليو 2019)، عندما استدعت طفلا لا يزيد عمره عن ثلاث سنوات، هو محمد ربيع عليان، الذي ما زالت رائحة الحليب في ثيابه، بتهمة، انه "القى حجرا على سيارة عسكرية إسرئيلية؟!"، ولا أريد هنا التطرق لاستدعاء الأطفال الآخرين وآخرهم قيس فراس عبيد، وعمره 6 سنوات، وهو ايضا من سكان ذات المنطقة في القدس العاصمة الفلسطينية، حي العيسوية، الذي استدعي في ذات اليوم (الثلاثاء الماضي)، بعد ان أخلت سبيل الطفل محمد، وهو ما أود الإشارة إليه سريعا كاستخلاص علمي وسياسي، إلى ان اللجوء لاستدعاء الأطفال، الذين لا يملكون القدرة على إلقاء الحجاة، إنما تريد منه أجهزة الأمن الإسرائيلية قتل روح الانتماء في الطفولة، وإرضاعهم الخوف والرعب من همجية ووحشية المستعمرين العنصريين الإسرائيليين، وتشويه مسار حياتهم من البداية، وحرمانهم من ابسط الحقوق الإنسانية. وهو ما يستدعي الانتباه له في الأوساط الفلسطينية والعربية والأممية.

وبالعودة لاستدعاء الطفل محمد عليان، ماذا يمكن لكائن بشري سليم ومعافى ان يقول عن حكومة إسرائيلية، تدعي انها "الأكثر تطورا في الشرق"، وتؤكد أن جيش الموت الإسرائيلي، بأنه "الجيش الأكثر أخلاقية في العالم" وهي تستدعي طفلا مازال يرضع، وتتهمه بإلقاء حجارة على ألياتها العسكرية؟ وعن اي أخلاق وقيم تتحدث حكومة بنيامين نتنياهو؟ أليست هذه قيم وأخلاق المستعمرين الطغاة، العنصريين الفاشيين الجدد؟ وأين هو العالم الحر عموما وأميركا خصوصا، الذي يصرخ ليل نهار مناديا بتعميم مبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان مما يجري في فلسطين المحتلة والخاضعة للهمجية الإسرائيلية؟ وأين الضمير العالمي مما ترتكبه دولة الإرهاب المنظم الدولاني؟ ولماذا الصمت؟ واين الأشقاء العرب من أطفال فلسطين، وما يتعرضون له؟ ماذا اصاب العالم؟ وهل وصل العالم بفضل إدارة ترامب الشعبوية، وحكومة الموت الإسرائيلية بقيادة الفاسد نتنياهو إلى مرحلة اللاقانون، أو إلى مرحلة تسيد قانون الغاب، الذي يسمح باستباحة كل القيم والقوانين والشرائع الأخلاقية الوضعية والدينية؟ وهل ما يصيب أطفال فلسطين، سيقتصر عليهم وحدهم دون أن تطال الفاشية الإسرائيلية أطفال العرب والعالم؟

انا لا أتحدث هنا عن حقوق الطفل في الرعاية والحماية والتعليم والصحة والبيئة النظيفة، وتأمين الحد الأدنى من مستوى المعيشة اللائق، انما اتحدث عن جرائم وحشية تنتهك الطفولة في أدنى مستوياتها العمرية، طفولة لا تعرف شيئا عن الصراع، وليست شريكا بتفصيلاته، ولا يعنيها سوى أن تبقى آمنة في حضن والديها. لكن الاستعمار الوحشي الإسرائيلي شاء ويريد ان يغذي هذه الطفولة بالرجولة الباكرة باستدعاء الطفل محمد والطفل قيس وغيرهم كثر ممن استدعهم، واعتقلهم، وقتلهم بدم بارد، انها دولة مارقة تصب الزيت على نار محرقتها صباح مساء لتصلي بها أرواح وأجساد وحقوق ومصالح الشعب الفلسطيني المتمسك بخيار السلام، ولكنه المدافع الثابت والراسخ عن حقوقه وثوابته الوطنية. فهل يستيقظ العالم ويقول لإسرائيل المتوحشة كفى؟