اطلع وفد يمثل سفراء وقناصل معتمدون لدى فلسطين  يوم الثلاثاء، على الأوضاع العامة في مناطق "وادي الحمص" ودير العامود والمنطار في بلدة صور باهر جنوب شرق القدس، خاصة في ظل القرار الإسرائيلي القاضي هدم حوالي 116 شقة سكنية .

واستهلت الجولة، التي نظمتها هيئة مقاومة الجدار والاستيطان بالتعاون مع دائرة شؤون المفاوضات بمنظمة التحرير ، في المنطقة الواقعة داخل جدار الفصل العنصري، حيث قدم رئيس لجنة الخدمات في وادي الحمص حماده حماده، شرحا مفصلا، وقال: "وجودكم اليوم هو رسالة بحد ذاتها، لتكونوا امام الواقع المرير الذي يعيشه السكان في ظل القرار الاحتلالي القاضي بهدم منازل وبالتالي تشريدهم".

وأضاف "نحن اليوم امام قرار جائر يقضي بان نقوم بهدم منازلنا بأيدينا في مناطق تقع حسب اتفاقية أوسلو ضمن اختصاص وسيادة السلطة الفلسطينية في مناطق (أ وب)، واذا لم يتم ذلك سيقومون هم بعملية الهدم التي سيتكفلها أصحاب المنازل" .

وأشار الى ان القرار اذا ما طبق "فان الخطر المحدق سيكون في منطقتي دير العامود والمنطار، وعليه سيطال القرار التعسفي عددا اخر من منازل المواطنين لنعيش تهجيرا اخر في وقت يدعي العالم بالحرية والديمقراطية".

وخاطب السفراء والقناصل قائلا "نحن اليوم بحاجة ماسة لدعمكم وحمايتكم لنا، هذا الجدار يفصل الفلسطينيين عن بعضهم وعن أراضيهم ويحول حياتهم الى مأساة، لنا الحق ان نعيش بحرية وأمن وسلام".

وسلم حماده في ختام كلمته، السفراء والقناصل رسائل مناشدة للضغط على إسرائيل للتراجع عن سياستها التهجيرية .

وقدم مسؤول ملف القدس في دائرة شؤون المفاوضات فؤاد الحلاق، شرحا مفصلا عن الهجمة الاستيطانية الخاصة التي تستهدف صور باهر، حيث لا يحق للفلسطينيين فيها بالبناء الا على 15% من مساحة أراضيها.

كما وتطرق الى مسار الجدار وشارع الطوق على القدس "الطريق الأمريكي" الذي سيحيط بمدينة القدس وسيكون رابطا بين مستوطنتي "هار حوما" و"معالي ادوميم".

من جانبه قال وزير القدس فادي هدمي "تشاهدون اليوم مثالا قويا وواضحا على انتهاكات حقوق الانسان من خلال تعرض المواطنين لهدم منازلهم، وهذا جزء من الإجراءات التعسفية اليومية التي يعيشها الانسان الفلسطيني من قبل الاحتلال .. ونحن نتطلع منكم بعين الاعتبار اتخاذ إجراءات وخطوات من أجل وقف هذه الإجراءات غير القانونية التي قد تؤدي الى عملية تهجير واسعة" .

وقال محافظ القدس عدنان غيث إن "حضوركم اليوم ولَد لدى السكان شعور بالارتياح في وقت يطمحون لان تكونوا سفراء لمعاناتهم ونقلها الى أصحاب القرار في بلدانكم حتى يكون هناك موقفا جادا لوقف كل جرائم الاحتلال التي يراد بها تهجير واضح".

وأشار غيث الى ان الاحتلال في كل مرة وبدون مبررات يحاول هدم منازل المواطنين بحجج واهية وبانها قريبة من الجدار، وهي باطلة بحد ذاتها لان الجدار غير قانوني، ويفصل المواطنين عن بعضهم، ويحول التجمعات السكانية الى " كانتونات".

واكد غيث أن القدس تتعرض الى تصعيد يومي خطير في ظل الدعم الكامل من الولايات المتحدة الامريكية، ونحن نعتبركم سفراء ويجب اخذ دوركم .

وخلال الجولة تم الالتقاء بالمواطن إسماعيل اعبيدية المعرض منزله للهدم، حيث قدم لهم صورة حيه عن معاناتهم بسبب قرارات الاحتلال الجائرة، مطالبا إياهم بأخذ دورهم الريادي في جمح كباح المحتل، ووقف قرارات الهدم التي من شانها تهجير السكان .

وفي سياق جولتهم، انتقل السفراء والقناصل الى الشطر الثاني من منطقة خارج الجدار القريبة من قرى دار صلاح، والنعمان، والخاص، حيث اكد هناك محافظ بيت لحم كامل حميد، على أن محافظة بيت لحم يوجد فيها 16 موقعا يتعرض لهجمات استيطانية وهدم منازل، ومنها قرى ومناطق: جب الذيب، والعقبان، والنعمان، والخاص، وقبة راحيل، والولجة، وبيت اسكاريا، والرشايده، وبتير، وارطاس، وبرك سليمان، وبير عونه ببيت جالا.

وتطرق حميد الى المخططات الإسرائيلية لإعادة احتلال بيت لحم، وتكليف رئيسة حكومة الاحتلال نتانياهو، لجنة لإعداد المخططات لتنفيذ ذلك .

وخاطب السفراء والقناصل بالقول "وجودكم اليوم شهادة على ما يجري ويدور من اعتداءات احتلالية يومية، وعليكم نقل ما تشاهدون وتجسيد ذلك في قرارات أممية من قبل مجلس الأمن والأمم المتحدة، واستمرار ذلك هو دفع المنطقة الى الهاوية" .

بدورة اكد رئيس هيئة مقاومة الجدار والاستيطان الوزير وليد عساف، على أن هناك هجمة استيطانية تطال مناطق عدة في الضفة الغربية، وأن الاحتلال يذهب في مخططاته الى ضم المزيد من الأراضي الواسعة وتهيئة الوضع العام، تتمثل بالكتل الاستيطانية لفصل المناطق عن بعضها، وسياسة التهجير للسكان الفلسطينيين في مناطق "ج"، وصولا الى الانتقال من الهدم الفردي الى الهدم الجماعي، مشيرا الى أن هناك 8 تجمعات سكانية منها الخان الأحمر ووادي الحمص مهددة بالهدم والتهجير .

وأشار عساف الى ان إسرائيل أصدرت ثلاثة أوامر عسكرية هي الأخطر منذ20 عاما، اولها الهدم خلال 72 ساعة، وبدأت في تجمع ببلدة يطا في محافظة الخليل، وهذا يعني وبموجب القرار هناك عملية تهجير لحوالي 25 الف منزل حسب منظمة "بيتسيلم" الاسرائيلية، وهي أكبر عملية تهجير في الاراضي الفلسطينية. والأمر العسكري الثاني يقضي بخلق حزام أمني للجدار العنصري كما ما يحدث الآن في وادي الحمص، بموجب قرار صدر العام 2011، ويطبق أول مرة في وادي الحمص، ويعطي للحاكم العسكري صلاحية هدم المباني والمنازل المحاذية للجدار من 100 متر الى 500 متر، وهو ما يعتبر انتهاكا للسيادة الفلسطينية .اما الأمر العسكري الثالث، فيتعلق بقانون التسوية القاضي بالسماح للمستوطنين بالتملك لأي أراضي خاصة او عامة.

وحذر الوزير عساف من التهجير الجماعي، وطالب بحماية مشروع حل الدولتين .

وطالبت مديرة إدارة منظمات والتجمعات الدولية في وزارة الخارجية والمغتربين رنا حمودة، دول الاتحاد الأوروبي ودول أخرى بضرورة التحرك بناء على مسؤولياتهم وبحسب اتفاقية جنيف في البند رقم 1 احترام القانون الدولي، وهي مسؤولية المجتمع الدولي تجاه فلسطين وما يجري فيها .

وقالت حمودة، إن إسرائيل تتصرف فوق القانون ويجب وضع حد لها ومساءلتها عما تفعله، وما يحدث في منطقة وادي الحمص جريمة حرب وواجب على الجميع ادانتها والتحرك والعمل على انقاذ المواطنين .

من جانبه، اعرب القنصل الفرنسي بيير كونشارت لـ"وفا"، عن قلقه ما يجري في المنطقة وقال: "واضح هناك عدة أمور غير قانونية تجري في منطقة وادي الحمص، وكذلك عدم قانونية الاحتلال وعدم قانونية الاستيطان في هذا الجزء من القدس، وأيضا عدم قانونية الجدار بحسب الراي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية".

وأضاف "اتفاقية أوسلو تمنح السيادة في مناطق أ، وجزء من أ، و ب"، وان المواطنين حصلوا على تراخيص من السلطة الفلسطينية لبناء منازلهم، ونحن ننظر بقلق للتهجير القسري وسنوصل الحقيقة للمعنيين.

وفي ختام الفعالية، القيت كلمة باسم رئيس الوزراء محمد اشتيه الذي يتواجد في العراق، هذا نصها:

"نطلّ معكم على الواقع الذي رأيتم شواهده قبل قليل، واقع فرضته سلطة الاحتلال بالقوة على أرضنا وشعبنا دون رادع أو محاسب، وتحديداً في القدس. بالأمس تم استهداف أحياء البلدة القديمة، والشيخ جراح، وسلوان، والعيسوية واليوم صور باهر كمثيلاتها من قرى وبلدات القدس المحتلة، وغداً سيتم استهداف غيرها من الأراضي الفلسطينية التي تتعرض لحملة منظمة متصاعدة وطاردة للشعب الفلسطيني منذ عام 1967 بهدف تهويد المكان والزمان والرواية، وترحيل الفلسطيني قسراً مقابل إحلال المستوطن اليهودي في إطار حرب ديموغرافية وجغرافية وسياسية للسيطرة على الأرض والامتداد نحو المشروع الاستعماري "القدس الكبرى".

لقد أعلن الاحتلال نيته هدم عشرات المنازل في صور باهر، وبغض النظر أين تقع هذه المباني، فقد ألغى الاحتلال تصنيفات المناطق التي تقع بداخلها، ولذلك فإن الجانب الفلسطيني أيضاً لن يتعامل مع التقسيمات الإسرائيلية لمناطقنا الفلسطينية بعد أن فرض واقعاً مخالفاً للقانون الدولي والاتفاقات الموقعة بشكل أحادي، ومارس عملية تطهير عرقي ممنهجة من ضمنها سياسة التهجير القسري التي تعتبر جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية حسب القانون الإنساني الدولي والقانون الجنائي الدولي".

لم تكتف بلدية الاحتلال بهدم المئات من المنازل خلال السنوات الأخيرة بل أجبرت عدداً من أصحاب المنازل بهدم منازلهم بأنفسهم أو دفع تكاليف الهدم أذا قامت به البلدية مباشرة، وهي بذلك لا تهدم مبانٍ فقط بل تحاول أن تهدم روح أبناء القدس وحصيلة حياتهم ورموز بقائهم في المدينة ومستقبلهم فيها. فالهدم هو المقدمة للتطهير العرقي.

هذه الصورة هي إحدى صور النكبة المتواصلة منذ عام 1948، وهل تدركون أي ذلّ وقمع تمارسه عقلية الاستعباد الاحتلالية لكسر الإرادة الفلسطينية وتدمير النسيج المعنوي لأبناء شعبنا في إطار ممنهج لتركيعه ودفعه للاستسلام؟

بلدة صور باهر ليست إلا مثالاً واحداً يقع في دائرة الخطر كما تقع كل القدس المحتلة وباقي أرض دولة فلسطين، علماً أن المركز القانوني لمدينة القدس والضفة الغربية واضح ولا لبس فيه وهو أنها أرض فلسطينية محتلة وفقاً لقرارات الأمم المتحدة والقانون الدولي.

هذه الجريمة ليست ناجمة عن كارثة طبيعية أو زلزال، بل ناجمة عن فعل بشري بأدوات استعمارية وحشية تتعمد بسابق إصرار وترصد إلغاء الوجود الفلسطيني وترحيله ومحو هويته، هذا الفعل البشري يُسمى "الاحتلال الاستعماري الإسرائيلي" الذي آن أوان محاسبته وجلائه للأبد عن أرض فلسطين. والمطلوب، هو الاستجابة العاجلة لمطالب أهالي بلدة صور باهر، واتخاذ إجراءاتكم العاجلة في التدخل السياسي الجاد والسريع لحماية العقارات وعدم تشريد السكان، والضغط على سلطة الاحتلال للتراجع عن قرارات الهدم حيث إن هدم هذه المباني سيكون مقدمة فقط لهدم عشرات المباني بنفس الحجج، وتشريع الترانسفير، والتوسع نحو ضم المزيد من الأرض كما تخطط له حكومة الاحتلال. هذا امتحان سياسي وقانوني وأخلاقي لدولكم، من أجل الاصطفاف إلى جانب الشرعية الدولية وحماية القانون وحل الدولتين في وجه القوة والاستعمار.

شعبنا الفلسطيني لا يعترف بقرارات محاكم الاحتلال المتواطئة مع نظام الاستيطان الاستعماري، ولن ينحني أمام هذه المحاولات وهو يشكل نموذجاً صلباً في الدفاع عن أرضه ومنازله وعقاراته، وبدل خيمة اعتصام واحدة سنقوم بتشييد عشرات الخيم للاعتصام احتجاجاً على سياسة الترانسفير.

من قلب القدس المحتلة، ومن صور باهر، نردّ على نتنياهو ونقول له: هذه الأرض أرضنا، وفلسطين وطننا منذ آلاف السنين ولا تزال، وسوف نعمرّها مهما حاولتم هدمها وتدميرها، وسنثبت أقدامنا فيها ثابتين صامدين حتى نحقق أهدافنا في الاستقلال والسيادة والحرية لعاصمة دولتنا".