كيف يفكر هذا الرجل؟! فعقلية التفرُّد، ورؤيته الدونية للآخر، وعنصريته، وغطرسته المتماثلة مع دكتاتورية حملت على كتف الديمقراطية (صناديق الانتخابات) تجعل منه هتلر جديدًا يجلب الدمار للعالم، ويقوض أكان التوازن في العلاقات ما بين الدول والشعوب.
نعتقد إلى حد اليقين أنَّ دونالد ترامب لم يفكر يومًا بأنّ الرئيس محمود عبّاس سيبرز إليه من صفوف الرؤساء والملوك في المنطقة مبارزًا بسلاح القانون والشرعية الدوليين، مدافعًا عن حقوق شعبه التاريخية وثوابته الثقافية والسياسية، فهذا (ترامب) الذي يمشي في الأرض مختالا يعتقد أن (دولة فلسطين) بأرضها وشعبها وقيادتها يمكن أن تكون احدى (جمهوريات الموز) في منطقة الشرق الأوسط.
ظن الرئيس الأميركي دونالد ترامب بقدرته على شراء ذمم قيادة الشعب الفلسطيني الوطنية، وتحويل أموال المساعدات المالية إلى سلاح لإرهاب منظمة التحرير الفلسطينية وربما صدق وسوسة شياطين الأنس المحيطين به البيت الأبيض أنّ ضغطًا ماليًّا وسياسيًّا وإعلاميًّا على رئيس الشعب الفلسطيني سيضمن له استسلام قائد التحرر الوطنية الفلسطينية محمود عبّاس أبو مازن والمجيء إليه مذعنًا خاضعًا موافقًا على صفقة القرن.. فترامب باعتباره صاحب مشروع استعماري جديد في منطقة الشرق الأوسط عليه أولاً أن يحاصر (قلعة فلسطين) ويتمكن من اختراق بوابتها الرئيسة، ولكن أنّى له ذلك فيما القلعة صامدة بشعبها وقائدها، فيا ليته قرأ بونابرت وانكساره عند أسوار عكا، وتحطم مشروعه الاستعماري آنذاك أيضًا قبل أن يذهب بعيدا في محاولاته اليائسة، وآخرها ورشة (صبيه وصهره الأنيق) جاريد كوشنير في البحرين التي حشرت إدارته في (مضيق الفشل).
قبل أن نمضي في المقال وجب اطلاع القراء على معنى (جمهورية الموز) فالمصطلح يعني نظام دكتاتوري أو غير مستقر يعمل قائدها خادما لمصالح خارجية وقد اطلقت على بلدان في أميركا الجنوبية وأفريقيا وآسيا، سمحت ببناء مستعمرات لأميركا على أراضيها مقابل مردود مالي يعود على أثرياء حكموا تلك البلاد أو إلى حكّام جاءوا إلى سدة الحكم عبر انقلابات عسكرية.
في أحدث تعبير عن الصدمة التي أصابت ترامب نتيجة صفعة الرئيس أبو مازن الفلسطينية الرسمية والشعبية المحكمة، قال ترامب في مؤتمر صحفي على هامش مؤتمر قمة العشرين في اليابان: "لقد قطعت المساعدات عن الفلسطينيين لإجبارهم على العودة إلى المفاوضات".. بعد أن قال: "قمت بإيقاف هذا التمويل لأنه قبل عام سمعتهم يقولون أشياء سيئة".
هل توقع ترامب من الشعب الفلسطيني مديحًا أو تسبيحًا باسمه فيما نراه يدخل مع الاحتلال مباشرة في معركة هدفها إنهاء وجودنا السياسي، ويحاول شطب فلسطين عن خريطة العالم، وتكريس إسرائيل العنصرية الاحتلالية الاستيطانية، ويساعد ساستها على تهويد مقدساتنا؟؟
هل ترانا سنغض الطرف عن وعده الاستعماري الجديد، وتقديمه على مراحل لبنيامين نتنياهو بالتحديد الذي يراه نسخة طبق الأصل عنه؟؟!
أم تراه نسينا قراراته ضد شعبنا وقضيتنا التي سنسرد له عناوينها؟ فهو أن نسي فنحن لا ننسى أبداً خاصة عندما يتعلق الأمر بثوابتنا.
ترامب الذي يعتبر نفسه أول التاريخ للولايات المتحدة، سيكون أول من سيجلب لها العار وبداية الانهيار، فالذي يشن الهجمات على الشرعية الدولية بين الحين والآخر، وعلى صحافة بلاده، ويذم رؤساء الولايات المتحدة السابقين وتحديدا باراك اوباما ذا الأصول الأفريقية ويشهِّر به مدفوعا بنزعة عنصرية، من البديهي أن يعتبر مواقف الرئيس أبو مازن وتمسكه بحقوق الشعب الفلسطيني وثوابته، وإصراره على تطبيق عدالة القانون الدولي والشرعية الدولية كلاما سيئا، ولو لم يعتبره كذلك لكنا نحن المخطئون في قراءة نهج وسياسة ترامب البلفورية الهتلرية المستنسخة من جديد.
عندما أتى إلينا فرشنا له السجاد ألأحمر، لكن بعد أن غدر بنا وأصدر قراراته التالية؛ سنفرش الأرض ما بيننا وبين البيت الأبيض بلاءات مسمارية حتى لا تمضي عربة المؤامرة على حقوقنا.
ماذا يتوقع منا ترامب بعد أن طعننا في القلب يوم اشهر قرار اعتبار القدس عاصمة لدولة الاحتلال إسرائيل على مرأى العالم عموما والمسلمين خصوصا، ما يعني موافقته على تهويدها بكل ما فيها وبالدرجة الأولى مقدساتها المسيحية والإسلامية؟؟ ثم نقل سفارة الولايات المتحدة إلى القدس والحقها بدمج القنصلية الأميركية مع سفارته بالقدس، أما ورشة البحرين التي أراد منها نسف تقزيم قضية تحررنا واستقلالنا وسيادتنا على أرضنا، وتبديد ملامح وجهنا الفلسطيني الوطني، وقطعه مع قلبنا العربي، وجذورنا الإنسانية الحضارية، وتحويل أم القضايا في العالم إلى مجرد مشكلة إنسانية، فهي التعبير الحقيقي عن إخفاقه وفشله، فمخطط إذلالنا عبر سلاح المال لم ولن يفلح، وكأنه لا يعلم أننا استطعنا مواجهة سلاح المجازر والقتل والتهجير والتدمير والعنصرية التي اتبعها معنا ساسة وجنرالات الاحتلال الإسرائيلي وها نحن صامدون ثابتون متشبثون بأرضنا.
سنذكر ترامب بطعناته المتتابعة دون الدخول بتفاصيلها، فقد باتت معلومة للعالم، نذكره حتى لا ينتظر منا الا المواقف الصلبة، فهو قد الغى المساعدات المالية والعينية لـوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "أونروا بقصد الغاء قضية اللاجئين، ونصب نفسه مكان المؤسسات الدولية الشرعية، وحدد عددهم بأربعين الف فلسطيني فقط، وكأنه لا يعلم أن عائلة واحدة في فلسطين قد يساوي عدد أفرادها الرقم الذي تحدث عنه!!.. وقطع ترامب التزامات الولايات المتحدة المالية للسلطة الفلسطينية باعتبارها راعية للاتفاق الذي تمَّ ما بين منظمة التحرير وحكومة إسرائيل عام 1994 فهو ليس كرما ولا منحة ولا مساعدة وإنّما وعد بالالتزام نفّذته إدارات أميركية سابقة.
الغى الدعم المالي لمستشفيات القدس، وقرر إغلاق منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن وكذلك حساباتها المصرفية وطلب من سفير فلسطين مغادرة واشنطن.
نحن لا نقول أشياء سيئة عن واحد، فلدى قيادتنا من القيم والسلوك الأخلاقي ما يكفي لأن يكون قاموسًا لساسة العالم، لكن من يتجرّأ على حقوق شعبنا، ويعتدي علينا فعليه ألا يتوقع منا إلّا قولاً وفعلاً لا يصدر إلا عمن ولدتهم أمهاتهم أحرارًا.