بسم الله الرحمن الرحيم
"وقل اعملوا فسيرى اللهُ عملَكم ورسولُه والمؤمنون"
صدق الله العظيم
فتح ميديا - لبنان
يصادف اليوم 28/9/2011 الذكرى الحادية عشرة لاندلاع انتفاضة الأقصى،
إنتفاضة الإستقلال. حصلت بعد فشل محادثات كامب ديفيد في الولايات المتحدة التي تمت برعاية الرئيس الأمريكي بيل كلنتون، وتحت ظروف ضاغطة واستثنائية على الجانب الفلسطيني الذي قاده الرمز ياسر عرفات. فشلت المحادثات لأن الجانب الإسرائيلي بزعامة باراك مستنداً إلى تأييد أميركي كامل أصرَّ على المساس بالثوابت الوطنية والحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وكشف عن النيات المبَّيتة حول السيطرة على القدس، وقطع الطريق على عودة اللاجئين إلى أراضيهم ، وبعد جولات من ممارسة الترهيب والترغيب على الوفد الفلسطيني المحاصَر في كامب ديفيد لمدة أسبوعين، أعلن الرئيس كلينتون عجزَه عن فرض خطته التي تنتقص من حقوقنا المشروعة في القدس الشرقية، ومن حق العودة. هذا الصمود التاريخي الذي قاده الرمز ياسر عرفات ، وتمسُّكه بالثوابت الوطنية الفلطسينيه أكد حقيقة مطلقة وهي أنَّ الشعب الفلسطين الذي وافق على عملية السلام لم يفعل ذلك من موقع الضعف والمقايضة، فما يريده شعبنا هو سلام الشجعان الذي يعيد الحقوق إلى أصحابها. والتوقيع على إتفاقية المبادئ في أوسلو كان الخيارَ المر. ورغم ذلك فإنَّ الجانب الإسرائيلي استخدم الإتفاق لتمرير مشاريع التهويد والإستيطان، وتهجير الأهالي، وطردهم من مدنهم, وتكثيف الاعتقالات، وإغتيال القيادات، واستهداف المدنيين من الأطفال والنساء والشيوخ، ورجال الإسعاف، والصحافيين، واقتلاع الأشجار، والاعتداء على المقدسات. هذه السياسة العدوانية الممنهجه , وهذا التهرُّب من الإلتزامات المقررة مع انتهاء الفترة الانتقالية في العام 1999، لم يساعد الفلسطينيين لفرض سيادتهم على أرضهم المحتلة،أو التوصل إلى حلول بخصوص القدس واللاجئين، والمياه، والمعابر وغيرها. وهذا ما أوجد حالة إحباط شاملة لدى الفلسطينيين في الداخل والشتات.
التجاهل الإسرائيلي لإتفاق أوسلو خاصة بعد اغتيال إسحق رابين، والالتفاف على بنوده أوجد حالة احتقان غيرَ مسبوقة لدى أبناء الشعب الفلسطيني سواء منهم الموافق أم المعارض للاتفاق. حالة الاحتقان هذه، إضافة إلى فشل قمة كامب ديفيد، والتي تبعها دخول شارون مع المئات من رجال شرطته إلى باحة المسجد الأقصى بهدف الاستفزاز، هذه العوامل الثلاثة أدت إلى انفجار الأوضاع، واندلاع الإنتفاضة الثانية، وسقوط الشهداء والجرحى أثناء الصدام في ساحة المسجد الأقصى وذلك في 28/9/2000. لقد استخدم جنود الاحتلال الرصاص الحي، وكافة أشكال العنف والقتل، وارتكاب المجازر, ورغم أنَّ الفلسطينيين حاولوا في البداية تجنُّبَ استخدام السلاح إلاّ أن سقوط أعداد كبيرة من الشهداء والجرحى يومياً ساعد على وجود مجموعات مسلّحة، كما فرض القيامَ بعمليات عسكرية، استطاع العدو الإسرائيلي استثمارها إعلامياً لإقناع العالم بأن الفلسطينيين إرهابيون, وأن الإسرائيليين هم الضحية، وأنهم في موقع الدفاع عن النفس، ساعدهم في ذلك الآلة الإعلامية العملاقة ذات السيطرة الواسعة دولياً.
كان شارون يتعمَّدُ إستخدام كافة أشكال التدمير واستهداف المدنيين ورجال الشرطة، وفرض حالة من الرعب والتجويع، وهدم البيوت، وتدمير المؤسسات الصناعية، واستهداف مقرات الرئيس ياسرعرفات، وتحميله المسؤولية شخصياً، ومحاصرة الفلطسينيين سياسياً وإعلامياً، والاستفادة من مواقف الولايات المتحدة الحاضنة للموقف الإسرائيلي.
الفلسطينيون في سنوات هذه الإنتفاضة أبدوا شجاعةً نادرة في المواجهة، وقدرةً هائلة على التحمُّل، وصبراً غيرَ مسبوق على الخسائر، وإصراراً على مواصلة التحدي رغم العدد المرتفع من الشهداء والجرحى والأسرى، ورغم تدمير البنية التحتية بكاملها في العام 2002 بعد القمة العربية في بيروت مباشرة.
أبرز ما شهدته سنوات هذه الانتفاضة الثانية هو إحتلالُ الضفة الغربية بكاملها، ومحاصرةُ الرئيس الرمز ياسر عرفات في المقاطعة، والإقدامُ على تسميمه في غرفته المحاصَرة حتى الموت.
لا شك أن تجربة انتفاضة الأقصى تختلف عن الانتفاضة الأولى، انتفاضة الحجارة. والقيادة الفلسطينية قيَّمت التجربةَ علمياً، وموضوعياً، وبعيداً من العواطف. ورغم أهمية وعظمة التضحيات التي قُدِّمت إلاّ أنّ المرحلة الحالية تحمل مؤشراتٍ شبيهةً بالظروف التي كانت سائدة آنذاك وتحديداً: التهرُّب الاسرائيلي والتفلُّت من كافة الاتفاقات، ومواصلة المنهج العدواني والاستيطاني من قبل شارون هو نفسه يتكرر اليوم مع وجود نتنياهو على رأس حكومة متطرفة.
من هذا المنطلق نفهم خطابَ الرئيس أبو مازن في الأمم المتحدة، واصرارَهُ على قَرْع أبواب مجلس الأمن معبِّراً عن تمسكه بالثوابت الوطنية الفلسطينية، ورفضِه لكل التهديدات الأميركية والاسرائيلية، لأنه مؤمن بأنّ لا مساومةَ على الحقوق، وأنَّ القرارات الأممية التاريخية لا تسقط بالتقادم، وأَنَّ الشعب الفلسطيني متمسِّكٌ بسلام الشجعان الذي كرَّسه الرمز ياسر عرفات في خطابه العام 1974 بقوله "لقد جئتكم بالبندقية بيد، وبغصن الزيتون باليد الأخرى، فلا تسقطوا الغصن الأخضر من يدي"، وجاء الرئيس أبو مازن اليوم في العام 2011 ليذكِّرَ العالمَ بأسره بالظلم التاريخي الذي طال الشعبَ الفلسطيني بسبب غياب العدالة، وجَعْلِ إسرائيل فوق القانون، وإعفائها من المساءَلة، وتجاهل الاجراءات الاسرائيلية الاستيطانية والتعسفية، والذي ادى إلى اجهاض عملية السلام عملياً، وافشال المفاوضات، لأن إسرائيلَ تريدها حسب معاييرها هي بدون مرجعية دولية، حتى تكونَ غطاءً لمواصلة السياسة الاستيطانية، ومصادرة الأراضي، وعَزْل القدس عن محيطها، وتجويفها من أهلها، وآثارها، وأماكنها الدينية.
لقد دعا الرئيس أبو مازن إلى مقاومة شعبية سلمية على طريقة ما يجري في نعلين، وبعلين، والنبي صالح، وقلنديا وغيرها، حيث إِنَّ هذه المقاومة الموجَّهة ضد الاستيطان، وضد الجدار العنصري تضمُّ في تجمعاتها متضامنينَ إسرائيليين وأوروبيين. ولعلَّ هذا الاصرار على المقاومة الشعبية السلمية نابع من فَهْمِ القيادة لطبيعة الصراع، وللأدوات المُستخدَمة في مقاومة الاحتلال.
فالاحتلال الاسرائيلي بطبيعته عنصريُّ وعدواني واجرامي، وهو دائماً ينجح عندما يجرُّ الطرفَ الآخر إلى المواجهة العسكرية، حيث يتمكن من استخدام العنف والقتل والتدمير بحجة الدفاع عن النفس. ومن هذا المنطلق تولَّدت القناعةُ بأنَّ مقتلَ الاحتلال الاسرئيلي ونقطةَ ضعفه في هذه المرحلة، وفي ظل موازين القوى الراهنة، وفي ظل غياب تَماسُك الجبهة العربية، تكمنُ في أن لا ينجرَّ الجانبُ الفلسطيني إلى التصعيد العسكري، وانما البقاء في مربع المقاومة الشعبية السلمية بكافةِ أشكالها من مقاطعة، وعصيان مدني، وتمرد، ومواجهة بالأيدي والحجارة، وإضرابات.
هذه السياسة التي كرَّسها الرئيس أبو مازن امام دول العالم كفيلةُ بتغيير موازين القوى، لأنّ ترسانةَ الأسلحة التي تتفوق بها إسرائيل، والرغبةَ الجامحة في صُنْع المجازر لن تجد لها مكاناً، لأنها لا تستطيع تبريرَ سلوكها.
إنَّ إصرار الرئيس أبو مازن على حمل الأمانة الوطنية دون تردد، ومخاطبة دول العالم باللغة المطلوبة سياسياً وقانونياً وإنسانياً ووجدانياً، جعل كافة الوفود تقف مصفِّقةً بكل احترام وتقدير للقضية الفلسطينية، وللشعب الفلسطيني وقيادته الحكيمة مما سبَّب عزلةً حادة للولايات المتحدة وللكيان الاسرائيلي وهما يصران على رفض اعتراف الامم المتحدة بالعضوية الكاملة لدولة فلسطين الوطنية، وذلك بهدف مواصلة ابتزاز القيادة الفلسطينية حول طاولةِ مفاوضاتٍ ثنائيةٍ تفتقر إلى المرجعية الدولية، وإلى السقف الزمني المطلوب، وهمها الأول والأخير مصادرةُ المزيد من الأراضي، واستيطانها، وفرض دولة كانتونات مشرذمة مع السيطرة الاسرائيلية على القدس الشرقية كعاصمة، والسيطرة على منطقة الأغوار بحجة توفير الامن لإسرائيل، بينما إسرائيل تهدد أَمْنَ المنطقة بكاملها.
لقد نفّذ الرئيس أبو مازن قراره بالذهاب إلى الأمم المتحدة معبِّراً عن مصداقيته في تعاطيه مع القضايا المبدئية، رافضاً البقاء في مستنقع المفاوضات المُعدّ ضمنَ الخطة الأميركية الاسرائيلية، لقد أكد الرئيس بعضَ القضايا الجوهرية بجرأة متناهية:
أولاً: إنّ عصر الرئيس أبو مازن متَّصل ومتواصل مع عصر الشهيد الرمز ياسر عرفات. ومنبر الأمم المتحدة يشهد على التواصل من العام 1974 إلى العام 2011.
ثانياً: لسنا ضد المفاوضات، لكننا ضد المفاوضات العبثية، ومع المفاوضات المستندة إلى المرجعيات الدولية ووقف الاستيطان، والمشكلة هي لدى الجانب الاسرائيلي.
ثالثاً: لسنا ضد المقاومة التي أقرتها الشرعيةُ الدولية، ونحن اليوم مع المقاومة الشعبية السلمية، والمطلوب من المقاومة أن تؤدي الى طردِ الاحتلال، فهي وسيلةُ، وطردُ الاحتلال وإقامةُ الدولة هي الهدفُ الأساس. والقيادة هي التي تقرر متى نستخدم الحجارة، ومتى نستخدم المقاطعة، ومتى نستخدم البندقية، لأنها وسائلُ تتغير بحسب المكان والزمان، ولا أحد يفرض علينا الاختيار الأفضل.
رابعاً: رسالةُ الشعب الفلسطيني إلى العالم عبَّر عنها الرئيس أبو مازن عندما قال: فلا تُسقطوا الغصن الأخضر من يدي. بمعنى أوضح على الأمم المتحدة أن تنصف شعبنا الواقع تحت الاحتلال، واذا لم تنصفْهُ، وابقته تحت رحمة الجلاد الصهيوني، والسجَّان العنصري، والاحتلال الغاشم، فسيسقط الغصنُ الأخضر، وستدخل المنطقةُ في دوّامة من العنف.
الرئيس وضع العالم أمام مسؤولياته ، وأمام خيارِ وحيد عندما قال للوفود "لا أعتقد أنّ أحداً لديه ذرةُ ضميرِ ووجدان يمكن أن يرفض حصولنا على عضويةِ كاملةِ في الامم المتحدة". كما أنه وضع الشعبَ الفلسطيني أمام مسؤولياته أيضاً عندما قال لهم عند وصوله إلى رام الله "ارفعوا رؤوسَكم فأنتم فلسطينَيون". بكل ما تحمله هذه الجملة من معاني البطولة، والتضحيات، والامجاد.
في ذكرى الانتفاضة الثانية المجيدة، انتفاضة الأقصى، انتفاضة الاستقلال علينا أن نحيي قوافل الشهداء الذين ضحوا من أجل فلسطين حرة مستقلة. والتحية إلى ذوي الشهداء والأسرى والجرحى والمعوَّقين.
كثيرة هي الرموز التي ارتبط اسمها بانتفاضة الأقصى ومنها الشهداء الدكتور ثابت ثابت ، وحسين عبيات، وأبو جندلة، ومحمد الدرة،وايمان حجو، وفارس عودة، ورجل الاسعاف بسام البلبيسي،وجهاد عمَّارين مع الاعتذار من باقي الشهداء الاكرم منا جميعاً.
التحية إلى أبناء شعبنا في الداخل والشتات، ولنعملْ جاهدين قلباً واحداً، ويداً واحدة، وصفّاً واحداً من أجل أن نرقى بأدائنا الوطني والكفاحي إلى مستوى خطاب الرئيس أبو مازن، خطاب فلسطين التاريخ، والمستقبل والحرية والاستقلال.
حركةالتحرير الوطني الفلسطيني فتح
مفوضية الاعلام والثقافة لبنان
28/9/2011
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها