واحد من أبسط وأوضح تعريفات الفن أنّه الوسيلة الإبداعية، الأرقى والأكثر جمالاً ونزاهة وشفافية، في التعبير عن المشاعر والعواطف الإنسانية، سواء في حزنها وتلوعها ومراثيها، أو في حبها وفرحها وتطلعاتها وسعيها نحو غاية المشتهى، والفن دون الانحياز لقيم الحق والعدل والجمال، ودون الدفاع عن قضايا الحرية والتحرر، هو فن الخديعة والخطيئة معًا، فليس بوسع الفن الذي هو تجليات الروح وأحلامها، أن يقف إلى جانب الظلم والقهر والعدوان، ليس بوسع الفن أن يغني العنصرية، وأن يجمل قبح الاحتلال، وأن يربت على كتف جرائم الحرب، وإذا ما فعل ذلك كما ستفعل الأغنية الأوروبية في مسابقاتها إذا ما أقامتها في القدس المحتلة، كما تريد (إسرائيل) الاحتلال والاستيطان والعنصرية، فإنّه ولا شك سيكون فن الروح الاستعمارية بثقافتها العنصرية!!
ما تريده (إسرائيل) الاحتلال والاستيطان، من الأغنية الأوروبية، أن تصادق على قانون القومية العنصري، وأن تبارك لها دولة الأبارتهايد التي باتت عليها، وأن تغني لسياساتها غير المشروعة والتي تنتهك القانون الدولي، وحقوق الإنسان، وفي مقدمتها حق شعبنا الفلسطيني في تقرير مصيره، ما تريده إسرائيل هو هذا الأمر تمامًا باستغلالها لهذا المهرجان الأوروبي وعلى هذا النحو الوقح والفج، وهذا ما ستفعله هذه الأغنية في مسابقاتها إذا ما أقامتها على أرض محتلة، لأنها بذلك ستتجاهل واقع الاحتلال الذي تعيشه المدينة المقدسة، والأسوأ أنها ستغني هذا الواقع الذي ما زال يدمي أهل المدينة، أكثر من ذلك ستطعن هذه الأغنية طريق السيد المسيح عليه السلام، طريق الآلام بزعيق غايات إسرائيل العنصرية، مثلما ستحاصر كما شرطة الاحتلال وقواته، دروب الصلاة، الممتدة من بوابات المدينة حتى الصخرة المشرفة، والمسجد الأقصى، فأين الفن في كل ذلك...؟؟ اليوروفيجن في القدس المحتلة امتثال مهين لإعلان ترامب اعتبار القدس عاصمة لدولة الاحتلال، وتسويق معيب لصفقته الفاسدة، بوسع اتحاد إذاعات الدول الأوروبية أن يوقف هذه السقطة الأخلاقية قبل فوات الأوان، ولا نظن أن تراث شوبان ولا بيتهوفن ولا أديث بياف، ولا حتى نواح الجاز ومشاكسات الراب، لا نظن أنّ كل هذا الذي أبدعته الموسيقى الأوروبية والغربية عمومًا، ستقبل بمسابقات للأغنية إذا ما ترامى صوتها بين البيوت والجوامع والكنائس التي تئن من وطأة الاحتلال الثقيلة والبغيضة، وتتجرح كل يوم جراء سياساته العنصرية. لا يعيش الفن على جسد الفجيعة، ولا يغني لسياسات القتل والعدوان، وإنما يغني للحرية إذا ما أراد خلودًا بجائزة القيم الإنسانية النبيلة .
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها