منذُ أكثر من سنتين أي منذ بداية 2017، وبنيامين نتنياهو رئيس وزراء (إسرائيل)، يتلقّى هدايا ثمينة فادحة وفاجرة وغير عادية، وبالتالي فإنَّ فوزه في الانتخابات الإسرائيلية التي جرت في التاسع من هذا الشهر، ليس بالفوز غير المتوقع، وليس بالفوز الذي يستحق كل هذا الضجيج، بسبب أن الخصم الرئيس ما زال ثابتًا في المعركة، وهدفه أعمق وأشمل وأثقل وزنًا من مجرّد إسقاط نتنياهو الذي يجب أن نعترف له بأنه يعرف شعبه بشكل ممتاز، حتى أنّ انتخابات (إسرائيل) 2019 لم يجد نتنياهو فيها خصمًا على الإطلاق، فحزب الجنرالات "أزرق - أبيض" لم يشكّل لنتنياهو خصمًا على الإطلاق، وهو يعرفهم معرفة تامة، وعملوا تحت قيادته، ولم يخوضوا معه معركة سياسية، لم يختلفوا عنه في شيء، ولم يتميّزوا عنه في نظرتهم إلى المستقبل، ولم يجرؤ أي واحد منهم على أن يقول شيئًا جديدًا بشأن جوهر الصراع، وهو الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، بل اختباء كل واحد منهم وراء بزته العسكرية، مذكّرين الناخبين الإسرائيليين بأنهم ليسوا سوى قتلة، ولم يجدوا ما يتفاخرون به سوى أعداد من قتلوا من الخصم الرئيسي وهو الشعب الفلسطيني.
دعونا بهدوء نعيد إلى الأذهان قائمة الهدايا الفادحة التي تلقاها نتنياهو من أطراف دولية متعددة ابتداء من دونالد ترامب وإلى حركة "حماس" مرورًا بهدايا التطبيع من بعض العرب، بالإضافة إلى الهدايا التي تلقاها نتنياهو من أطراف دولية لا يعرف معظم سكان العالم أسماءهم، ولماذا قدّموا هداياهم، مثل جمايكا وهندوراس والسلفادور وكائنات سياسية أميبية أخرى.
في العام 2017 قاد دونالد ترامب بداية الانقلاب على النظام الدولي والقانون الدولي، بتقديم الهدية الكبرى وهي القدس، باعتبارها العاصمة الموحّدة لإسرائيل، ونقلت أميركا سفارتها فعلا إلى القدس، رغم رفض الأربعة الآخرين في مجلس الأمن لهذه الخطوة الانقلابية، وأحاط نتنياهو خطوته تلك ببانوراما واسعة، أو حرب شاملة ضد كل مفردات القضية الفلسطينية مستهدفا القيادة الشرعية بقطع جميع الالتزامات عنها بما فيها المستشفيات في القدس، والالتزامات لصالح الشعب الفلسطيني والقيادة الفلسطينية وعلى رأسها الرئيس أبو مازن الذي كان قد التقاه في بيت لحم، وربت على كتفه، وصدم ترامب لأنه اكتشف أن رئيسنا أبو مازن أكثر عمقا ووعيا وصلابة من الاستجابة للتربيت على الأكتاف!!! ثم أطلق ترامب حملته ضد اللاجئين وقضيتهم، لدرجة أنّه بنوع من العداء المريض اعتبر اللاجئين أربعين ألفًا فقط، من أين جاء بهذا الرقم؟ لا أعرف، فلا وجود لهذا الرقم الساخر الأبله في أي من وثائق القضية الفلسطينية التي تزخَر بها أدراج الأمم المتحدة، والأطراف الدولية الرئيسة، ثُمّ اندلعت المعركة ضد "الأونروا"، وقطعت إدارة ترامب جميع التزاماتها عن "الأونروا"، هكذا يفكر سمسار عقارات سابق، امنع النقود يستسلم الخصم!!! وهذا هو ترامب الذي سيعاقبه شعبه وليس نحن.
هذه رزمة دونالد ترامب من هداياه إلى نتنياهو، وهو يعتقد أنّ نتنياهو سيرد المعروف إلى ترامب بتوجيه اللوبيات اليهودية في أميركا لدعم ترامب في امتحانه القادم.
ثُمّ جاء انقسام القائمة العربية المشتركة في الداخل، وجاءت بعدها حملة المقاطعة من الوسط العربي للانتخابات، حيث كان الصوت العربي حاضرًا بقوة في الانتخابات السابقة، ووصل الأمر بنتنياهو أن بدأ يصرخ بأعلى صوته، انتبهوا... العرب يتدفقون!!! ولكن حملة المقاطعة التي لا أعرف ينابيعها الحقيقية أدت إلى انخفاض الحضور العربي من ثلاثة عشر عضوًا إلى عشرة أعضاء، ما عدا التأثيرات السلبية الكامنة الأخرى، ونتنياهو يضحك من كثرة الهدايا التي تنهال عليه بلا ثمن.
ثُمّ جاءت الموجة القديمة الجديدة وهي "حماس"، والتهدئة مع "حماس"، وتساوقات "حماس"، وأوهام "حماس"، أكاذيب مجانية، وسقوط مجاني، فأين هي المعركة التي دخلها نتنياهو!!! وأين هو الخصم!!! وأين هو الجديد في الفوز؟؟؟
المهم بعد أن انقشع الغبار، وسكت الغبار، وسكت الاحتفال الصاخب، وظهرت الحقائق الرئيسة، توضحت الصورة أكثر، الشعب الفلسطيني في مكانه مثل رسوخ الجبال، مزروع في أرضه وفي ثوابته، وفي إبداعات نضاله مثل علامات الله الخالدة، وحتى لو حصل نتنياهو على ما يريده من الشعب الإسرائيلي، الحصانة أمام التحقيقات، ومنع دخوله السجن، وقرار ترامب الجديد، بضم المستوطنات، على غرار ضم القدس، وضم الجولان، فإنّ أركان المعركة ثابتة، والصراع مفتوح، وحبل الزمن محدود، ويا جبل ما يهزك ريح.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها