في ذكراها الخامسة والأربعين، ها هي روح أكتوبر، تلك الحرب الخارقة، بحيثياتها العميقة، وبطولاتها الخارقة، وتجلياتها الشاملة، تضيء في أرجاء أمتنا العربية من أقصى شرقها إلى أقصى غربها، ومن شمالها إلى جنوبها، نستذكرها بفخر واعتزاز، فتمنحنا وعياً يقينياً بأنَّ هذه الأمة العربية حين تخوض معاركها بكل عناصر الانتماء الحقيقي، فإنَّ النصر العزيز يكون قدرها المحتم، مهما تكالب ضدها المعتدون، ومهما استشرى في صفوفها الساقطون، ومهما تطاول على كرامتها الخائنون.
حرب أكتوبر التي خاضها بالأساس الجيشان المصري والسوري وتوحدت فيها إرادة البشرى لأمة بكاملها، من أكبر ملوكها وقادتها مكانة إلى أصغر جنودها عنفواناً، لا تزال تبعث في حياتنا معانيها وأسرارها وإلهاماتها وحضورها، وأنَّ روحها حين تستحضر بأي مستوى، ستكون الوعد الحاسم بالانتصار الكبير، مثلما هو حاصل الآن، حيث الشَّعب الفلسطيني بقيادة الشرعية يستلهم بشارات روح أكتوبر في مدارات أخرى، فيصمد ويضيء ويتجلى في اختبارات القضية الفلسطينية، التي هي الحق المبين، وسوف تكون الانتصار المبين، حتَّى لو كان في قمة الأعداء رئيس أكبر دولة في العالم دونالد ترامب.
كانت لطمة حزيران 1967، أكثر الضربات قسوة، لأنَّ الذين عانوا من مرارتها وذاقوا هزيمتنا، لم يكونوا يعرفون كيف هزموا، ولم يعرفوا المآلات الكارثية للهزيمة، وخاصة أن عشرات الآلاف من مراكز البحث، وكيانات التخريب، وأحزاب ودعوات وطوائف قد أنشأتها الهزيمة لتكون جوقتها الكبرى، لا تتحدث إلَّا عن قدر الهزيمة الذي لا مراد له، فالإخوان المسلمون الذي تسلموا جوقة اليأس ادعوا أنَّ الإسلام غائب، فملأوا الأصقاع بإسلام مخترع، فحاولوا أن ينتفضوا على ثوابت الأمة هدماً بدعوى أنَّهم يبنون البديل، وما كان سعيهم إلَّا بواراً، وضعاف النفوس ما عادوا يطلبون سوى حق الوجود العاجز، بل إنَّ بعضهم قد ادعى أنَّ الأمة غير صالحة للنصر إطلاقاً وعليها أن تستلم دون قيد أو شرط، دايان قال إنَّه يجلس في مكتبه ينتظر أن يقرع جرس التليفون ليجد العرب يطلبون الاستسلام!!! لكنَّ روح الأمة كانت تتجلى في مساحات أخرى، حتَّى جاء الموعد، وأشرقت اللحظة، وسطع الانتصار، بهذه الروح، يخوض الشَّعب الفلسطيني معركته الكبرى، لا يغادر الميدان لحظة واحدة، لا يتساوق مع العدوان لحظة واحدة، يقينه هو الحاضر في كل جولة، وأمله هو الممتد وعياً وفعلاً ومجاهدة في كل حين، حتَّى أنَّه حين جاء دونالد ترامب واستبدل دور الوسيط بدور الانحياز الأعمى، ودور العداء كامل، لم ترتجف فرائص قيادته، بل ظلت في قمة الشجاعة والتماسك، تدير المعركة إلى مصيرها الذي تؤمن به، وهو الانتصار الكامل.
روح أكتوبر تشرين حاضرة فينا، وليس هناك أحد أوفى لروح أكتوبر من الشَّعب الفلسطيني، إنَّه شعب القضية، إنَّه شعب الوعد الإلهي بالنصر حتَّى ولو كره الكافرون والسَّاقطون.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها