ربما يكون لهذا الائتلاف الحاكم حالياً في اسرائيل بقيادة نتنياهو حسنة وحيدة يجب أن نشكره عليها، وهي أنه زاد الى حد كبير من انكشاف اسرائيل، وعدم مصداقيتها على الاطلاق، وهروبها الدائم نحو العربدة التي تصل الى حد الارهاب ضد الشعب الفلسطيني في القدس والضفة وقطاع غزة، بل وفي الخليل والمثلث والنقب، وأنها بدل أن تستجيب لجهود السلام، ومتطلبات السلام الذي يضمن لها الأمن والتطبيع الايجابي مع المنطقة بأسرها، فانها تتفلت، وتهرب الى احياء الخرافات والأساطير القديمة التي قامت عليها الحركة الصهيونية في نهاية القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين، حين كانت تنكر وجود الشعب الفلسطيني، وتطلق عليه أسماء كثيرة الا اسمه الحقيقي، بل انها حين احتلت مدن فلسطينية عريقة مثل عكا وحيفا ويافا، واحتلت عمائر وبنايات مؤهلة، ووجدت الطعام مازال ساخناً في بعض الشقق، فانها ظلت تنكر الاعتراف بأولئك الذين بنوا تلك البيوت، وأقاموا تلك المزارع والبستاين، وراكموا تلك الحضارة، بل ان جنون الانكار وصل الى حد انكار كل شيء!!!
الائتلاف الاسرائيلي الحاكم حالياً، يبدو مثل عربة من طراز قديم، تحمل حملاً ثقيلاً أكبر من قدرتها الموضوعية، تتعثر في سيرها، وقد تتوقف في أي لحظة، وقد يفرط المحرك «الائتلاف» في أي لحظة، لأن المعادلة مختلة الى حد الفضيحة.
انظروا مثلاً، هذا الهوس الذي اسمه يهودية الدولة، من ذا الذي يمنعكم من تسمية اسرائيل بأي اسم تريدون؟ ولكن الأسماء تخصكم وحدكم، ونحن نتعامل معكم بشهادة ميلادكم، أنتم دولة اسرائيل، هكذا تقول الوثائق الرسمية، وقد سألكم الرئيس محمود عباس، حين وقعتم اتفاقات سلام مع مصر ومع الأردن، لماذا لم تطلبوا منهم الاعتراف بيهودية الدولة؟ ما الذي جرى؟ ما هو الجديد؟
و حين أعلنتم هواجسكم الأمنية التي تصل الى حد الهستيريا المفتعلة، فاقترح ابو مازن قوات دولية، قوات من حلف الناتو، ليس فقط على الحدود الشرقية مع الأردن بل على الحدود الغربية معكم، رفضتم الاقتراح بصخب! من يصدقكم في كل ما تزعمون؟
الائتلاف الاسرائيلي الحالي الذي اختاره نتنياهو عن سابق اصرار وتعمد لكي يختبئ وراءه عندما تحين لحظة الحقيقة، منخرط في عملية متزايدة كبرى، كل طرف في هذا الائتلاف يريد أن يظهر أنه الأكثر تشدداً، والأكثر عدوانية، والأكثر هروباً نحو العربدة، لا يرى مصالح الآخرين بما في ذلك مصالح حلفائه، يطرح تفسيرات كاذبة ويشن حملات مجنونة ضد كل طرف يحاول أن يرد وأن يقيد هذه التفسيرات التي لا تمتلك أي مصداقية.
الرواية الاسرائيلية التي كانت في عقود سابقة تمر بسهولة، أصبحت لا تملك هذا الترف الآن، لأن كل اقتران جدي من المشكلة تضاغف من حجم الانكشاف الاسرائيلي، هل اسرائيل موافقة فعلاً على حل الدولتين، هذا الحل يتطلب بالضرورة قيام دولة فلسطين مستقلة وقابلة للحياة الى جانب دولة اسرائيل، وأول شروط هذه الدولة المستقلة أن تكون خالية من الاحتلال، فلماذا المراوغة عن هذه النقطة، والى أين تقود هذه المرواغة الاسرائيلية؟ وهل كل العالم الذي صوت لصالح دولة فلسطينية مستقلة على خطأ واسرائيل وحدها على صواب؟
مأزق المصداقية الذي تعاني منه اسرائيل قد يقود الى كارثة، لأن كل المجانين في اسرائيل تجمعوا في شرفة واحدة، في هذا الائتلاف الذي نرجوا أن ينهار قريباً حتى لا يصبح العنف الدموي هو الخيار الوحيد.