هاجم إيجنازيو كاسيس، وزير خارجية سويسرا وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، وإعتبر أنَّ مواصلة تقديم خدماتها الإنسانية للأجئين الفلسطينيين يؤجج الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. ليس هذا فحسب، بل أنَّه يعتبر أنَّ المطالبة ب"حق العودة" للأجئين الفلسطينيين إلى ديارهم، التي طردوا منها تحت سيف الإرهاب الصهيوني، أنَّه "حلم غير واقعي"؟ مع إنّ الدولة والحكومات السويسرية المتعاقبة حرصت على مدار عقود الصراع إتخاذ موقف الحياد، وعدم الإنخراط في أي مسألة ذات صلة بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي يتعاكس مع سياستها الخارجية الحيادية.
لكن على ما يبدو أنَّ إيجنازيو كاسيس، الذي يتربع على سدة الديبلوماسية السويسرية، أراد بتصريحاته الوقحة والمتناقضة مع قرارات ومواثيق ومرجعيات عملية السَّلام، أن يقلب معادلة السياسة الخارجية لبلده، ويلوث مكانتها الدولية، ويحط من قدرها ورصيدها، في الوقت الذي تتسع فيه دائرة المساندة والدعم الدولي عمومًا والأوروبي خصوصًا لعملية السَّلام، ورفض خيار إسرائيل الإستعماري وشريكتها في العدوان على الشعب العربي الفلسطيني، إدارة ترامب، يخرج الوزير السويسري المرتشي، والقابض ثمن تصريحه الجريمة، أو المتورط بفضيحة جنسية أو غيرها من الفضائح الموثقة عند "الموساد" الإسرائيلي، ليتناغم ويتكامل مع الخطاب الإستعماري الإسرائيلي والأميركي، لأنّه ممسوك من الذراع، التي تؤلمه.
ولكن ما ذنب الشعبين الفلسطيني والسويسري بتورط الوزير كاسيس؟ ولماذا الغرق في متاهة السياسات المتناقضة كليًا مع تاريخ الديبلوماسية السويسرية الحيادية؟ أين هي مصلحة كاسيس الشخصية أو القومية من هكذا مغامرة مفضوحة، لا تتوافق مع المنطق السويسري؟ وما هو الثمن المقابل، الذي حصل عليه؟ وهل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، هي من أوجد الصراع، أم أنّها نتاج له،وجاءت في أعقاب نكبة الشعب العربي الفلسطيني، وطرده من بلاده، ووطنه الأم، فلسطين؟ وكيف "تؤجج" (الأونروا) الصراع؟ ما هي الأسس التي تتسلح بها أيها السويسري البشع؟ وهل إذا تم شطب ( الأونروا) يمكن ان يتنهي الصراع؟ وعلى أي أساس؟ ولماذا حلم العودة الفلسطيني غير واقعي؟ وما هي الواقعية بنظرك وبنظر من هم على شاكلتك من الإسرائيليين والأميركيين ومن لف لفكم؟
من الواضح أن تصريح إجنازيو كاسيس لا يمت للسياسة السويسرية بصلة، ويتناقض مع مرتكزاتها الديبلوماسية، الأمر الذي يملي على الحكومة الفيدرالية السويسرية العمل على الآتي: أولاً الإعتذار الرسمي عمَّا صدر عن وزير خارجيتها، وبسرعة. لاسيما وإنَّ التصريح المعادي لمصالح الشعب الفلسطيني مضى عليه قرابة الإسبوعين، ومازال الصمت سيد الموقف السويسري، وهذا مؤشر ليس إيجابيًا، ويعكس إستهتارًا بالمصالح والحقوق الفلسطينية، وأيضًا بالشرعية الدولية؛ ثانيًا إقالة وزير الخارجية كاسيس، لأنّه تجاوز كل المحرمات السياسية الفلسطينية؛ ثالثًا إعادة التأكيد في بيان رسمي بتمسك سويسرا بالقرارات والقوانين الدولية ومرجعيات عملية السَّلام، وخيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران / يونيو 1967، وفي السياق التأكيد على أنَّ حق العودة للفلسطينيين، هو حق مشروع وعادل إستنادًا إلى قرارات الشرعيَّة الدولية وخاصة القرار 194؛ رابعًا ويتضمن البيان ايضًا، إنَّ وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (الأونروا)، هي مؤسسة أممية خدماتية إنسانية، لا علاقة لها بتأجيج الصراع، بل أنَّ من يؤجج الصراع، هو مواصلة خيار الإستيطان الإستعماري في أراضي دولة فلسطين المحتلة وعاصمتها القدس الشرقية في الخامس من حزيران/ يونيو 1967، ورفض إسرائيل الإلتزام بإستحقاقات عملية التسوية السياسية الممكنة والمقبولة من قبل الفلسطينيين والعرب والعالم أجمع.
وفي حال واصلت الحكومة السويسرية سياسة الصمت، والممالأة لوزير خارجيتها المتورط بفضائح مختلفة، فإنَّها تكون وضعت العلاقات الفلسطينية والعربية من جهة والسويسرية من جهة أخرى أمام منعطف سلبي، لا يخدم بحال من الأحوال الصيغة الإيجابية القائمة بين الدولة والحكومة السويسرية والعرب عمومًا، وتهدد مستقبل هذه العلاقات بشكل جدي. فضلاً عن إنَّها تخرج سويسرا كليًا عن قاعدة إرتكازها الأساسية، وهي قاعدة ومبادىء الحياد الإيجابي. وفي هذا خسارة فادحة لها، وسيترك بصمات سوداء على مكانتها الأممية.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها