أساسا مهمة السلام والأمن في العالم هي مهمة الأمم المتحدة ، فالهدف الرئيس الذي من أجله أنشئت هو تحقيق السلام والأمن العالميين، وهذا ما جاء في ديباجة ميثاقها والمادة الأولى منه. ومنذ أن أنشئت ألأمم المتحدة وهى تقوم بدور كبير في تثبيت الاستقرار والأمن العالميين ، بتبني رؤية شموليه لحل النزاعات الدولية، وأنشئت لها الغرض آليات كثيرة أهمها قوات حفظ السلام الدولية ، وبعيداً عن تقييم دور الأمم المتحدة ،إلا أنها نجحت في العديد من النزاعات الدولية، وقد يعزى ذلك لحالات التوافق بين الدول وخصوصاً الدائمة في مجلس الأمن ، الذي يقوم بالدور المباشر في تنفيذ أهداف الأمم المتحدة في السلام والأمن استناداً للفصلين السادس والسابع من الميثاق.

ولقد واجهت ألأمم المتحدة صعاب وعقبات كثيرة في هذا الصدد بسبب الفيتو الذي قد تلجأ إليه إحدى الدول الدائمة، أو بسبب الصعوبات المالية الكبيرة التي تحتاجها الأمم المتحدة لتنفيذ مهماها في حفظ السلام.

ولا يقتصر دور الأمم المتحدة على تشكيل قوات حفظ سلام ، ووساطات تقوم بها ولجان تقصى حقائق ،فلها دوران آخران مهمان الدور القانوني القضائي عبر محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية وغيرها من المؤسسات التي لها طابع قانوني كمجلس حقوق الإنسان،والجانب الآخر الشرعية الدولية التي تحتاجها كل الدول للقيام بمهامها العسكرية ،فبدون هذه الشرعية الدولية تفقد التدخلات العسكرية التي تقوم بها الدول مبرراتها ، وهذا يجعلها مكلفة جدا ، والمثال الواضح في أعقاب غزو الكويت عام 1991 من قبل العراق وتشكيل قوات تحالف دوليه تقودها الولايات المتحدة ، والتي تم تغطيتها دولياً من قبل مجلس الأمن. ولعل من أكبر التحديات التي قد واجهت ألأمم في تحقيق السلام والأمن العالميين مشكلة الشرق الأوسط أو قضية فلسطين، وعلى الرغم من أن المنظمة الدولية لم تتوانى عن القيام بدورها في الجانب المتعلق بالعديد من القرارات الدولية التي أصدرتها والتي أكدت من خلالها على عدم شرعية الاحتلال الإسرائيلي وعلى حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره السياسي وقيام دولته، وعلى عدم شرعية كل ما تقوم به إسرائيل من استيطان، ولا شك في أهمية هذه القرارات التي ترفع كلفة الاحتلال الإسرائيلي ، وتثبت الحقوق المشروعة للشعب لفلسطيني والتي لا تسقط بالتقادم ولم تتوانى الأمم المتحدة ولا نوابها العامون على عددهم من إرسال لمبعوثين خاصين للسلام، وإرسال العديد من اللجان بمهام مختلفة، لكن رغم كل ذلك لم تنجح المنظمة الدولية حتى ألآن في ترجمة قراراتها إلى واقع سياسي على الأرض وبإنهاء الاحتلال الإسرائيلي ، وبقبول فلسطين دولة كاملة العضوية ، وقد يعزى ذلك لأسباباً كثيرة في مقدمتها الفيتو الذي تلجا إليه الولايات المتحدة ضد أي مشروع قرار يطالب بفرض عقوبات على إسرائيل،أو صدوره إستناداً للفصلين السادس والسابع ، ولذلك بقيت كل القرارات الدولية مجرد توصيات غير ملزمه على أهميتها القانونية الرمزية.

وبسبب احتكار الولايات للعملية السياسية والتفاوضية إدراكاً منها أن الشرعية الدولية ستفرض أثمانا سياسية عاليه على إسرائيل، وبتحييدها لدور الأمم المتحدة وشرعيتها الدولية. ولقد ثبت منذ أن احتكرت الولايات المتحدة هذه العملية منذ 1991 ، أن السلام والأمن لم يتحقق، بل تمادت إسرائيل في انتهاك قرارات الشرعية الدولية وبمقارنه بسيطة لعدد المستوطنات والمستوطنين في كل الأراضي الفلسطينية المقررة دولياً لقيام الدولة الفلسطينية تكفى للتأكيد على عدم احترام الشرعية الدولية التي تمثلها الأمم المتحدة.وحيث أن القضية الفلسطينية قضية سلام وأمن عالميين ، واستمرارها بدون حل يشكل تحدياً لهذا السلام والأمن ، ويشكل تحديا للشرعية الدولية ، ومصداقية دور الأمم المتحدة ، فلقد حان الوقت أن تقوم الأمم المتحدة وتنتزع دورها الطبيعي في القيام بدور أكثر فعالية لتحقيق السلام في المنطقة ، وحيث أن القضية من أساسها قضية دوليه ، وتزامنت مع نشأة ألأمم المتحدة بل أن الأمم المتحدة لها دورها في نشأتها من خلال القرار رقم 181 الذي قبل إسرائيل دولة في الأمم المتحدة ومنحها شرعية دوليه ، واقر بقيام دولة عربيه أخرى للفلسطينيين، فهذا هو الوقت الذي على المنظمة تفعيل دورها استناداً لميثاقها الذي يعطى للجمعية العامة وفقا لقانون الإتحاد من اجل السلام دورا متوازنا لمجلس الأمن للتغلب على الفيتو، ومن خلال تفعيل دور الدول الأعضاء والتي تصل اليوم إلى 194 دولة معظمها عانت من الاحتلال ،وبدور أوروبي وروسي وصيني وغيرها من الدول الوازنة بدعم هذا التوجه، فالقضية بمركباتها ومعطياتها اكبر من قدرة دولة واحده كالولايات المتحدة ، فالقضية لها مكوناتها الدولية التي لا يمكن حلها إلا في إطار دولي تمثله الأمم المتحدة. هذا هو الوقت الذي على المنظمة الدولية أن تبادر وتقود سفينة السلام في المنطقة وإلا سيغرق الكل .