اعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة، قرارا بقوة 143 دولة، بأحقية دولة فلسطين للعضوية الكاملة في الأمم المتحدة، والتوصية لمجلس الأمن بإعادة النظر بهذه المسألة إيجابيًا، انتصار قانوني ودبلوماسي وسياسي، لدولة فلسطين، وللشعب الفلسطيني وممثله الشرعي والوحيد منظمة التحرير الفلسطينية، ولحركة التحرر الوطنية الفلسطينية "فتح"، وبرهانًا على صواب رؤية وحكمة وعقلانية سيادة الرئيس محمود عباس أبو مازن، والمنهج النضالي لحركة التحرر الوطنية الفلسطينية، وتأكيدًا جديدًا على إمكانية تحقيق انجازات وطنية، ارتكازًا على أسس البرنامج السياسي لمنظمة التحرير الفلسطينية، للتصويت نقلة نوعية في النضال السياسي والدبلوماسي والقانوني الفلسطيني. لكن ما يجب تذكره دائمًا فلسطين دولة محتلة، وأن إسرائيل هي القوة القائمة بالاحتلال، ففلسطين دولة عضو بصفة مراقب، والقرار قدم الحيثيات القانونية التي تؤكد حق فلسطين لنيل العضوية الكاملة على عكس دولة منظومة الاحتلال الاستعمارية "إسرائيل" التي لم تلتزم بتنفيذ شروط قبول عضويتها في الأمم المتحدة رغم تعهد وضمان واشنطن سنة 1949، بأن إسرائيل ستعترف بدولة عربية فلسطينية بعد قبول إسرائيل في الأمم المتحدة، ومنذ ذلك الحين يمارس المتعهد والضامن إرهابًا سياسيًا على الشرعية الدولية باستخدام "سلاح الفيتو" وأول أمس قررت الولايات المتحدة الأميركية المتصدرة وإسرائيل للدول التسع الرافضة للقرار، اسناد منظومة الاحتلال إسرائيل في حملتها الدموية على الشعب الفلسطيني، بالصدام المباشر مع  الشرعية الدولية قانونيًا، رغم انكشاف تناقضها الحاد بين الخطاب السياسي بخصوص حماية الحقوق الأساسية والإنسانية والحريات والقانون، والعدالة، والديمقراطية في العالم، وبين التطبيق العملي والفعلي!

لقد برهن الانتصار الفلسطيني في هذه المعركة القانونية السياسية امكانية وضع حد لعهد الاحتلال والاستعمار والعنصرية والوصاية واستلاب إرادة الشعوب، ومنع ترسيخها كقدر، فالشعوب المناضلة المنسجمة تطلعاتها وأهدافها مع مبادئ وقوانين الشرعية الدولية، قادرة على انتزاع حقوقها وحريتها، وتحقيق استقلالها وسيادتها واستقلالية قرارها الوطني، وأن حق تقرير المصير للشعوب لا يرهن، ولا يجوز لقوة في العالم وضع شروط لتجسيده، وخلاف ذلك عدوان على الانسانية وقوانينها وأخلاقياتها.

إن ربط واشنطن الاعتراف بدولة فلسطينية بنتيجة مفاوضات بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، يتساوق مع سياسة حكومة الصهيونية الدينية العاملة فعلاً على تدمير مقومات ومؤسسات دولة فلسطينية، وبذلك ترمي الإدارة الأميركية إلى متاهات المنظومة الصهيونية الحاكمة، والحكومات بعدها في ظل انعدام رؤية مكانة السلام المجتمع الاسرائيلي. كما أن واشنطن لا تملك حق التمييز بين قرارات الشرعية الدولية، وفرزها بما يلائم سياساتها الاستعمارية، فجميعها واجبة التنفيذ، ومنها القرار 181 لسنة 1947 "قرار التقسيم"  فالشرعية الدولية اقرت بحق الشعب الفلسطيني بقيام دولته على أرض وطنه فلسطين بقرار 19/67 لسنة 2012.

ونعتقد ان الرؤساء الأميركيين المتعاقبين منذ انطلاق العملية التفاوضية يعلمون جيدًا أن الاتفاق الذي تم توقيعه في باحة البيت الأبيض، أقر في الطرف الإسرائيلي والراعي الأميركي بحق قيام دولة فلسطينية حتى العام 1999، لكن إسرائيل منذ رئاسة أرئيل شارون للحكومة عملت فعلاً على منع قيام الدولة، وورث منه نتنياهو الذي أعلن عن فخره باغتيال "أوسلو"، لذلك لا يمكن العودة إلى دوامة المفاوضات، وإنما تنفيذ بنود الاتفاقات السابقة التي وقعت عليها الولايات المتحدة الأميركية كشاهد وراع. 

وبالإضاءة على هذا النص من القرار: "وإذ يلاحظ التأكيدات الواسعة النطاق على دعم أعضاء الأمم المتحدة لقبول دولة فلسطين عضوًا في الأمم المتحدة"، "وإذ يعرب عن بالغ الأسف والقلق لأنه في 18 نيسان/أبريل 2024، حال صوت سلبي واحد لعضو دائم في مجلس الأمن دون اعتماد مشروع القرار الذي أيده اثنا عشر عضوًا في المجلس والذي يوصي بقبول دولة فلسطين عضوًا في الأمم المتحدة". نرى أن اعتماد العضوية الكاملة للدول، يتم بقرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة، أما مجلس الأمن فمهمته التوصية قبل ذلك، لكن الذي حدث أن الجمعية العامة قد قررت قبول عضوية كاملة لفلسطين، بعد فيتو واشنطن وتطالب مجلس الأمن بإعادة النظر ايجابيا، على ضوء هذا القرار. ونرى فيه إقرارًا بأن فلسطين دولة محبة للسلام، وتلتزم بميثاق الأمم المتحدة، التي رأت قدرة فلسطين على الوفاء بالتزاماتها وتنفيذها، وهذا مستوحى من نص المادة 4 من ميثاق الأمم المتحدة والتي على اساسها قررت الجمعية:

1- إن دولة فلسطين مؤهلة لعضوية الأمم المتحدة وفقًا للمادة 4 من الميثاق، ومن ثم ينبغي قبولها في عضوية الأمم المتحدة.

2- وبناء على ذلك، يوصي مجلس الأمن بإعادة النظر في هذه المسألة بشكل إيجابي، في ضوء هذا القرار وفي ضوء فتوى محكمة العدل الدولية الصادرة في 28 مايو 1948، وبما يتفق تمامًا مع المادة 4 من ميثاق الأمم المتحدة.