هشام دبسي

في العيد الكبير، عيد الأضحى، ابتلع البحر مهاجرين غير شرعيين إلى أوروبا، من جنسيات مختلفة، بينهم عدد غير معروف من الفلسطينيين الهاربين من جحيم القصف، والحصار والتجويع الواقع على مخيم اليرموك، جنوب دمشق، إسوةً بالأحياء الشعبية السورية المحيطة به.

 

اللاجئون الفلسطينيون الغرقى، هم وحدهم بين الذين ابتلعهم البحر، لديهم "امتياز" مختلف عن غيرهم، إنهم يملكون قرار "حق العودة" إلى وطنهم فلسطين؟، لكنهم لم يعودوا ولن يعودوا أبداً. وبموتهم فقدوا أيضاً "امتيازهم" هذا، أي ملكيتهم الخاصة "لحق العودة".

لا شك أن هذا يفرح المتطرفين الإسرائيليين، على الرغم من استمرار قلقهم الوجودي، من الأحياء اللاجئين المبعثرين في كل مكان على وجه البسيطة. بعد الخبر الأول السالف الذكر، أتحفنا بعض الفلسطينيين من الفصائل الموالية للنظام السوري، بخبر ثانٍ، يروي قصة نجاح تلك الفصائل في تحرير ثلث مساحة مخيم اليرموك. لكن الخبر لم يتضمن إشارة إلى صراخ إمام جامع المخيم، وهو يرسل فتوى تسمح للناس بأكل القطط والكلاب وغيرها من الدواب، بعد أن بلغ الجوع أشده.

هنيئاً لتلك الفصائل التي حررت ثلث المخيم ورفعت شعار "حق العودة" طويلاًَ، حتى انها نحرت بعض الشباب اليافع على الشريط الشائك في الجولان في سياق مواجهة النظام السوري، للثورة السلمية في بدايتها تحت ستار إحياء يوم الأرض.

وبالعودة إلى مصير اللاجئين، بعد أن ابتلعهم اليمّ، بين مالطا وإيطاليا، لا يمكن وصف تلك النهاية المأسوية، بأنها مجرد كارثة إنسانية. إذ لا بد من مراجعة المساعي التي بذلتها السلطة الوطنية الفلسطينية مع النظام السوري، عبر الوفود الرسمية، والاتصالات المستمرة، والوساطات التي نجح بعضها، بينما فشلت المهمة الأساسية المعلنة، مهمة تحييد الفلسطينيين، وإعلان المخيم ملاذاً آمناً. والمراجعة هنا، لا تعني دعوة السلطة الفلسطينية الى التخلي عن سياستها، بل للكشف عن الملابسات الخاصة بإفشال المهمة، التي سعت وراءها.

وإذا كانت السلطة الفلسطينية، لا تريد البحث في من يتحمل مسؤولية ما يجري في المخيمات الفلسطينية في سوريا، فإن استمرار النظام السوري اعتماد سياسة الأرض المحروقة، والحصار والتجويع، ومنع وصول المساعدات الإنسانية، الغذائية والطبيّة للمحاصَرين، إنما بذلك يعلن نفسه مسؤولاً عن فشل سياسة التحييد، من دون اكتراث بالنتائج المروّعة، التي يتسبب بها، سواء للشعب السوري أو الفلسطيني أو سواهما، فضلاً عن لا مبالاة موصوفة، بمصير البشر وحياتهم.

في المقلب الآخر، أطلق الزعيم الحمساوي إسماعيل هنية، دعوة الى اللاجئين في سوريا، للعودة إلى وطنهم غزة. جاءت الدعوة في سياق خطابه يوم السبت الفائت في مناسبة الذكرى السنوية لإنجاز صفقة تبادل الأسرى "صفقة شاليط".

ليس غريباً إطلاق هذه الدعوة، لأنها منسجمة مع الأولوية التي تحتفظ بها "حماس" لشعار "حق العودة"، أولوية تعكس طريقة معارضتها شعار "حل الدولتين"، كما تطرحه منظمة التحرير.لكن عندما يسمع اللاجئ في سوريا هذه الدعوة، كيف له أن يلبّيها؟ وهو التواق للخلاص من حالة اللجوء.

في حالات صعبة أخرى، سمع اللاجئ الفلسطيني في العراق الرئيس أبو مازن يطالب إسرائيل بالسماح للاجئين العالقين في مخيم "التنف" على الحدود العراقية السورية بأن يعودوا إلى وطنهم في الضفة الغربية، وفهم هذا اللاجئ أن الأمر متعلق بالرفض الإسرائيلي.

في حالتنا الجديدة من حالات اللجوء والنزوح، يعرف الجميع أن مصر هي إحدى أهم المحطات التي يعبر منها الفلسطيني إلى أوروبا، بواسطة المهربين والزوارق البالية.

السؤال لماذا لم تتحرك "حماس" لتنظيم "حق العودة" عبر الانفاق مثلاً في زمن رئاسة وحكم محمد مرسي والإخوان لمصر حيث كان هذا أمراً ممكناً، فضلاً عن أنه يجسد فعلاً مقاوماً وممانعاً ومسقطاً لالتزامات "اتفاق أوسلو". ونحن لا ننسى أننا نملك جزءاً من الوطن تم تحريره "بالمقاومة"، وتمارس المقاومة سلطتها عليه دون أي نوع من الالتزامات "الأوسلوية" كما يردد قادة حركة "حماس".

إن اللاجئ الفلسطيني لا يفهم كيف تتم دعوته لممارسة "حق العودة" دون أن يقال له كلمة واحدة ترشده إلى طريق العودة الى الوطن. الآن ونحن لا نعرف عدد الغرقى من اللاجئين، ولا حتى أسماء الناجين منهم، تحضر للذاكرة تلك الهمروجة التي اسمها "سفينة مريم" والتي شغلت الإعلام اللبناني فضلاً عن أجهزة الأمن، ولا أحد يعلم اليوم كيف ظهر ممولها، وكيف اختفى، ومن أحضره إلى بيروت، ومن سحبه منها، ليتم تعويذات الممانعة على حساب الدم الفلسطيني. حقاً إن غرق اللاجئين في البحر مأساة لكنها ليست مجرد كارثة إنسانية.