لم يعد مستغرباً أن تقرأ أو تسمع من السابحين في دوامة التطبيع المجاني مقولات وأفكار تعكس إفلاساً وسقوطاً مريعاً من عرب الخليج العربي أمثال ضاحي خلفان، مدير عام شرطة دبي وعبدالله الهدلق، الإعلامي الكويتي. الأخير نفى كلياً وجود شعب ودولة فلسطينية، وقال هم مجموعات مشتتة في العديد من الدول، أطلق عليهم الكنعانيين أو العماليق أو غير ذلك من الأسماء، حتى هناك آية كريمة تقول "إن فيها قوم جبارين"، لكن لم يكن هناك دولة اسمها فلسطين؟ أما إسرائيل فهي دولة مستقلة وذات سيادة، وتعترف بها الدول الديمقراطية؟! أما خلفان فتنازل عن حق أبناء الشعب العربي الفلسطيني في إقامة دولتهم المستقلة، وطالب بوجود دولة واحدة، هي إسرائيل لتضم العرب واليهود، وتنضم لجامعة الدول العربية، ولا حاجة لوجود دولة فاشلة إلى جانب الدول العربية، وليعمق عقدة النقص التي تطارده، فيقول علينا جمع العقل اليهودي مع المال العربي وبناء دولة ناجحة؟!

حين يقف المرء أمام ما تقدم، يجد الابتذال والرخص في تشخيص الواقع، والتنكر لتاريخ شعب شقيق كافح على مدار ما يزيد عن القرن لنيل حقوقه الوطنية، وبناء دولته المستقلة. لو شاء الهدلق التوقف أمام التاريخ ودقق حتى في الآية الكريمة التي ذكرها، وسأل نفسه، أين كانوا هؤلاء القوم الجبارين؟ وكيف تشتتوا في بقاع الأرض؟ ومتى تشتتوا؟ وكم عدد الذين طردوا من ديارهم عام النكبة 1948؟ وكم عدد اليهود الصهاينة الذين كانون في فلسطين آنذاك؟ وكم عدد اليهود العرب الذين تم دفعهم دفعاً من اليمن والعراق ومصر وسوريا والمغرب ولبنان إلى فلسطين؟ وحتى لو تغاضى المرء عن ذلك، وسأل الهدلق الكريه لماذا صدر قرار التقسيم في 29 نوفمبر 1947؟ وما هي ماهية ذلك القرار؟ عن ماذا تحدث؟ عن أي دولتين؟ ولماذا أصدرت الشرعية الدولية عشرات القرارات الأممية لدعم كفاح الشعب العربي الفلسطيني؟ هل لسواد عيون الفلسطينيين العماليق أم رد اعتبار لهم ولحقوقهم المسلوبة؟ ولماذا أميركا وإسرائيل، حتى إسرائيل تتحدث عن السلام، بغض النظر عن كيفية فهمها، لكن لماذا يتحدثون عن ذلك؟ ولماذا لم يسأل نفسه الإعلامي الكويتي، الذي لا يمت بصلة للكويتيين العرب الأقحاح، عن عدد الفلسطينيين المتجذرين في ارض وطنهم الآن، وعن عدد اليهود الصهاينة ماذا سيجد؟ ألن يجد أن الفلسطينيين رغم كل عمليات الطرد القسري والتهجير، أنهم يفوقوا الإسرائيليين اليهود في العدد؟وما هو مصيرهم؟ أليس عددهم أكبر من عدد العديد من دول الخليج العربية؟ هل المطلوب دمجهم في إسرائيل؟ أو تصفيتهم وتبديدهم بعمل "محرقة" لهم حتى تتخلص إسرائيل منهم؟؟ بئس ما ذهبت إليه، لأنك فاقد الأهلية والذاكرة، ولا تستحق الانتماء لا للكويت ولا لأمة العرب، لأن أمثالك نكرات لا يحق لهم تجاوز حجومهم غير المرئية، وإن كنت تريد تسويق نفسك عند الصهاينة والأميركان  فإغزل بغير ما غزلت أيها المتهافت.

وأما ضاحي خلفان، الذي يخرج بين الفينة والأخرى بقنبلة صوتية في تغريداته على التوتير أو غيرها من مواقع التواصل الاجتماعي، ليؤكد حضوره في المشهد السياسي، شاء مؤخرا التطاول على الحقوق الوطنية الفلسطينية، وهو من غير المسموح له أو لغيره العبث والتعدي على تلك الحقوق والأهداف الوطنية، لأن صاحب القرار الفضل فيها، هو الشعب الفلسطيني وقيادته الشرعية. ومع ذلك لرد الذريعة والحجة الواهية يشير المرء إلى أن الشعب الفلسطيني المتجذر في ارض وطنه، ورغم انه يكابد الاستعمار الإسرائيلي طيلة سبعين عاماً منذ النكبة 1948 وخمسين عاماً منذ النكسة 1967، ومع أن سلطته الوطنية تعاني من جرائم وانتهاكات دولة التطهير العرقي الإسرائيلية، إلا أنها باعتراف المؤسسات والمنابر الدولية ذات الصلة بتقييم عملها تعتبر الأرقى والأكثر تقدماً من العديد من الدول الشقيقة ودول العالم الثالث بقوانينها وممارساتها، دون أن يلغي ذلك وجود أخطاء ومثالب في تجربتها، فعلى أي أساس تسمح لنفسك أولاً بتجاوز حدودك وموقعك القزمي على مكانة ودور القيادة الشرعية والشعب الفلسطيني، وثانياً لماذا تجاهلت تقييمات المؤسسات الأممية من صندوق النقد والبنك الدوليين إلى الإتحاد الأوروبي إلى الأمم المتحدة للسلطة الوطنية؟ ولحساب من؟ أليس لحساب دولة إسرائيل والتطبيع المجاني والمتهافت معها؟ وهل نطقت بلسانك أم نطقت بلسان من يقف خلفك؟ وإذا كان عندك عقدة نقص من العقل اليهودي، فهذا شأنك أنت وما تمثل، ولا علاقة للفلسطينيين به، لأنه لا يوجد لديهم أية عقد نقص، لا بل أن الفلسطينيين يتباهون دوماً بعبقريتهم وعقولهم المبدعة التي بنت دولاً عربية عديدة منها دولة الإمارات الشقيقة،  فلا تلقي عقدك على الشعب العربي الفلسطيني وحقوقه؟ الشعب والقيادة الفلسطينية أولاً وثانياً .. وعاشراً هم أصحاب القرار في مصيرهم، ولست مخولاً لا أنت ولا من هم على شاكلتك بالحديث عنهم أو تحديد أهدافهم ومصالحهم وتوجهاتهم؟ ولو كان زايد الخير رحمة الله عليه موجوداً لما تجرأ أمثالك على التفوه بالسقطات المتلاحقة للتمسح والتطبيع مع الإسرائيليين الصهاينة. لأنه يعرف أن إسرائيل الاستعمارية عندما قامت على أنقاض نكبة الشعب العربي الفلسطيني بدعم من دول الغرب الاستعماري،إنما قامت لتكون رأس حربة وموقع استعماري متقدم لتفتيت وتمزيق دول وشعوب الأمة العربية، ونهب ثروات الأمة، وإفقار شعوبها، وهدر طاقاتها وكفاءاتها، ومازال هذا هو هدفها وهدف من أقامها ويدعم نفوذها وبقاءها.

فلا عبدالله الهدلق ولا ضاحي خلفان يمكنهما بتفوهاتهما الشاذة أن يسيئا لعلاقة الشعب العربي الفلسطيني بأشقائه العرب على كل المستويات، لأن أمثالهم لا يمثلون إلا أنفسهم. وسيبقى الشعب العربي الفلسطيني وقيادته الشرعية أوفياء لعلاقات الأخوة مع الدول والشعوب العربية الشقيقة، وستحرص قيادة منظمة التحرير على تعميق علاقاتها وشراكتها معهم وبلوغ المصير والمستقبل الواحد لأمة العرب.