بقلم عضو المجلس الثوري لحركة فتح /المحامي لؤي عبده

بعدعقدين من قيام السلطة الوطنية على أجزاء من أرض فلسطين؛ ما زالت فتح الخيارالمنسجم مع تطلعات وآمال شعبنا لاستكمال  تحقيق المشروع الوطني بالحريةوالاستقلال.

وبالرغممن صعوبة المراحل التي مضت؛ تميزت فت بالمقاومة والانتفاضة والريادي وقيادة العملالوطني التحرري والحداثة أيضا، مؤمنة بالله والأرض والشعب والإنسان وحقوقه بالعدلوالحرية والمساواة والحصول على مجتمع تعددي متمدن غير منغلق ولا يحكمه نظام شمولي.

تؤمنفتح بالكل الوطني شريكا في وحدة الدولة، على اختلاف المشارب الفكرية والسياسيةالتي يتوزع عليها أبناء الوطن؛ لذا تعتبر فتح فلسطينية بقلب عربي النبض، أخلاقإنسانية عالمية ..

هذهالفكرة الشريفة والواضحة تحملت ما لم تتحمله الجبال من مؤامرات التصفية بالتشويهوالهجوم، والإساءات المتكررة من أولئك الذين لعبوا دور الطابور الخامس مجانا فيفلسطين والوطن العربي في سبيل حرمان حركة فتح من تحقيق أحلام الآباء والأجداد علىيديها "أنانية" منهم واستهتارا بالجهد الوطني في سبيل التحرر والانعتاقمن أسر الاحتلال وأتون تسلطه وعنصريته.

لذايصر الشعب الفلسطيني دوما أن يمضي بالثورة لأنها التغيير الجذري الأوضح للواقعالسلبي في أي مرحلة ليؤسس لمرحلة أفضل وأقل شائبة، ويبقى هكذا نهجه طالما هو مؤمنبحتمية النصر تاريخيا.

وماأحدثه التراكم السياسي والتكتيكي والاتفاقات الدولية، والتسوية مع الاحتلال، علاوةعلى التحولات الاجتماعية والاقتصادية لن تزيل كلها رغبة الشعب الفلسطيني الشديدةبالحرية المطلقة، ولم تكسر روحه المتعطشة من أجل تلك الثورة المحققة للدولة،والذهاب بحركة فتح إلى تحقيق الآمال العظيمة وتحرير فلسطين والقدس.

هذههي الحقيقة التي لا يمكن دفنها أو زوالها من المنطقة والوعي وثقافة الإنسان العربيوالفلسطيني، مع الإشارة إلى حقيقة وجود تلك المحاولات الغريبة عن ثقافتنا الوطنيةالمحاولة أن تفرض نفسها على مفاهيمنا استغلالا لظروف المواطنين وظروفهم الصعبة،واعتقادا بأن هذه الثقافة قد تجلب النفع .. إلا أن المعيار الأساس في تاريخناسيبقى مدى استفادة القضية من أي فكرة أو ثقافة، وليست الشرعية أو الفئوية، بلالشرعية في منظور شعبنا هي تلك التي تصب في مصلحة الوطن المثابر على التحرر، خاصةوأن حالتنا الفلسطينية تتغذى من كافة المشارب طالما هي قضية الكل الوطني الملتزمبها وبالحقوق الوطنية الفلسطيني الصرفة، التي هي الهدف ولأجلها الأسلوب وفيهاالانصهار الكلي لأجل متطلباتها والإنجاز لها، وعليه كان من الأجدر بأصحابالاجتهادات أن يلتفوا حول هوية تلك الحقوق – منظمة التحرير الفلسطينية – ورفدهابالقوة لا الالتفاف عليها والانتقاص منها في انتهازية لن يرحم التاريخ ممارسيها.

لقدراهن الأعداء منذ زمن بعيد على ضرب جبهتنا الداخلية "الوحدة الوطنية"بعد أن تحقق لهم تشتيت الجزء الأكبر في المنافي القسرية، وتجزئة الوطن إلىكانتونات، وإلحاق أجزاء منه إلى أطراف عربية ردحا من الزمن، وعزل القدس عن محيطهاوعمقها، والضغط على عصب الحياة لتحقيق نظرية الترانسفير الذي يشكل إستراتيجيةالمدى البعيد، وممارسة عملية التهويد للأرض بالاستيطان والإحلال الثقافي، بالتوازيمع السيطرة المطلقة على منابع الحياة وخيرات البلاد الشحيحة منها والوفيرة. ويأتيالرهان  في ضرب الوحدة الداخلية لفلسطين من أجل تمرير مشروعهم الذي يصفيالقضية ويحتوي الإرادة لإشعال الثورات والانتفاضات المتتالية، وحجب التأييدالعالمي عن الكل الفلسطيني "المنقسم".

لمتمر تلك المحاولات الحثيثة على إدراك شعبنا؛ بل استطاع بنضاله تعطيل ذات المشروعفي مراحل متعددة، حين لم يجد الاحتلال في داخلنا الفلسطيني من يقبل على التساوق معهذا الفكر أو أن يقع في مكيدته بسذاجة، واستطاع شعبنا شن الهجمات المعاكسة فيالجبهات العالمية، وانتزع الاعتراف بهويته وحقه بإقامة الدولة المستقلة وتقريرمصيره على أرضه، مع أن الدرب ما يزال محتاجا للمزيد من التضحيات الجسام.

ماأصاب الجبهة الداخلية من ظواهر سلبية وممارسات خاطئة، وانقسامات بين الفترةوالأخرى، لا يمكن تسبيبه إلى خلاف سياسي وعقائدي، بل يُرد على ارتباطات جماعات"الظواهر السلبية" بمشاريع خارجية تنأى عن الفكر الوطني أو الفكرالوحدوي خروجا على إرادة شعبنا وفلسفته النضالية على مر التاريخ.

فكانتجماعات ولا تزال جماعات أخرى تسعى بممارساتها إلى تحقيق مكاسب ضيقة ومصالح مريضة،يستولون من خلالها على الكفاح الكبير هاربين إلى الأمام،  محاولين فرض إرادةالآخرين.

لذاعانت فتح من كل هذا حين وضعتها بساطتها وانسجامها مع تطلعات شعبها في مواجهة تلكالظواهر، علاوة على تأييد الشارع العربي ودعم الأمة العربية، ويجدر التوضيح بأنتلك الحروب والمناوشات واجهتها فتح من داخلها وخارجها لقتل مشاريع"البدائل" فلا تندثر وتصبح ذكرى يطويها النسيان.

وفيكل مرحلة - تشابه ما نحن فيه الآن على سبيل المثال – توجه حركة السهل الممتنع"فتح" ثورة من الأسئلة الذاتية والجماهيرية، وجدلا يُطلب فيه منها أنتضع الإجابات والحلول حتى تبقى متصلة مع الجيل الحاضر، وتؤسس للجيل القادم ذاتالعلاقة المتلاحمة، فتحقق لشعبها ما وعدت وتعد به في منطلقاتها ومفاهيمهاواستراتيجياتها وتكتيكاتها وبرامجها السياسية ووطنية خطابها الواقعي المتفاعل معالمتغيرات.

وفتحالتي فضلت الممارسة والعمل والتجربة على أي أيديولوجية جامدة تقود الآن واقعايختلف عما كان عليه في الماضي، بل وحولها عالم  بات يتسارع في تغيراتهوتقلباته، وهنا يبرز السؤال المهم: هل فتح قادرة تنظيميا على مجاراة هذا الوضعوالاستمرار في النهوض؟ وهل  تتمكن من مجاراة المعادلات السياسية وموازينالقوى التي تتفكك و تتركب بسرعة أكبر عما كانت عليه سابقا؟ وهل لا تزال قادرة علىقيادة المسيرة جماهيريا؟ وهل تستطيع أن تطبق الديمقراطية؟ وهل تستطيع عبر منظمةالتحرير وذراع السلطة الوطنية بحكوماتها أن تحقق التنمية والعدالة المجتمعية؟ هلتتمكن من تنفيذ حق المصير لشعبها عبر الصراع المتصاعد؟

هذهالأسئلة وغيرها يتعين وبشدة أن تجيب عنها حركة فتح بالممارسة والتطبيق، وتحديدموقف جدي وواضح من كل ما يشغل بال المواطن الفلسطيني حيثما كان وتواجد، وأن تجيبعن مسائل المقاومة، والحل السياسي، والمفاوضات، وما وصلت إليه السلطة الوطنية منمآزق وأزمات رغم كل المعالجات التي تحققت في الفترات السابقة، والأهم من ذلك أنتجيب على سؤال يستفسر عن العلاقة مع السلطة ومؤسساتها ومنظمة التحرير واحتمالاتالمستقبل، لاسيما في موضوع إعادة اللحمة والوحدة الوطنية سياسيا ونضاليا بين الضفةوقطاع غزة، بعد ما حصل من انقسام وحصار راهن، وتباعد أبناء الوطن الواحد، وأن تجيبعن الأسئلة المرتبطة بوسائل تحصين العمل الفلسطينية في ساحة الوطن والساحاتالخارجية، وتنظيم العلاقة مع القوى الخارجية والإقليمية وفق ما يُدركه الساسةالفلسطينيون لمصالح وأجندات كل جهة.

إنكل العمل الفلسطيني اليوم مهدد من ظاهرة التجاذب الإقليمي للورقة الفلسطينية،واستغلال الاحتلال وحكومات تل أبيب لكل ذلك، وانتهازها الوقت والفرصة لالتقاطالأنفاس في كل مرة تحاصر فيها، فتعيد سياسات الأمر الواقع وتكريس العدوان وتجددهعلى الأرض الفلسطينية، سيما وأن الدعوات الإسرائيلية تتعاظم لضم الضفة الغربيةوالقدس الشرقية بشكل رسمي لا رجعة فيه لأراضي دولة إسرائيل ونفي صفة الاحتلال عنهابذلك وإهدار حقوق الفلسطينيين فيها بأن تكون جزءا من دولة فلسطين المستقلة.

إنحركة فتح دعت دوما إلى تواصل الوعي واستمرار مواكبة تطورات الصراع، ومعرفة الخباياالسياسية الإسرائيلية، وتطوير الوسائل في مواجهتها والكفاح بما يلائم المرحلةوالمستجدات، فهي التي تصر على بقاء الحقيقة جلية أمام الجماهير حتى تبقى اليقظةعنوانا وبوابة الصمود والتصدي للعدوان، والبقاء في جهوزية عالية، على العكس مماتضغط في سبيله تل أبيب بإحباط الروح الوطنية، ودفع الإنسان إلى الانطواء والابتعادعن القضية الأساسية وتمسكه بأرضه.

ومنالمؤسف أن نقر بأن هناك من يساهم بإحباط تلك الروح لتحقيق مشاريعه الخاصةوالفئوية، إلا أن الحق أقوى بكثير من هؤلاء الذين انجرفوا وراء الأوهام وتاهوا فيانحرافاتهم المريضة.

فتحتمسكت بالتنظيم الوطني، وبثقافة الكل الوطني ووحدته تحت مشروعية منظمة التحريرالمنجز التاريخي في مخاطبة العالم والتفاهم معه، وقد انسجمت "فتح" معمعطيات التطور الدولي، رافضة إملاءات الغير ومحاولات الابتزاز، بسياسة المرونةوالواقعية، والاستفادة من المتغير لصالح الهدف المركزي. وتسعى فتح أن تمضي دوماصوب الأمام في إحقاق الحرية والتسلح بالحداثة السياسية والتنظيمية والديمقراطية لتصبح نموذجا متجددا للنضال الوطني، فلطالما كانت ولا تزال جزءا لايُنكره أحد ولا يستطيع من حركات التحرير الوطني العالمي المؤمنة بالانفتاحوالتواصل مع قضايا العالم والإنسانية، وأن يشارك شعبنا بفاعلية في قضاياالديمقراطية والحرية والعدالة  والمساواة لأن هذه القضايا تتقاطع و تترابط معالواقع الفلسطيني النضالي، لذا تعتبر حركة فتح خلية حية فاعلية في البناءوالتواصل، وتعزيز الصمود والوحدة ومواكبة العصر واحتواء التناقضات، ويا هل ترىسترتقي باقي الأجزاء الأخرى المحسوبة على العمل النضالي إلى مستوى الكل الجماهيريوتنسجم معه في وحدة حقيقية؟؟