بقلمعضو المجلس الثوري لحركة فتح / المحامي لؤي عبده

مهماكانت الأخطاء والخطايا التي وقع بها البعض وتم اتهام حركة فتح بها؛ لم تثني هذهالحركة عن طريقها وهدفها الرئيس. إن هؤلاء المنتهزين الفرصة، والهاربين عن الجبلمن أجل الغنائم، سقطوا في حقيقة المر من مسيرة فتح، وإن لم يكن بعد فلاحقا.

وتأسيسالسلطة الوطنية على أي جزء من الأرض الفلسطينية لا يعني أبدا جمع الغنائم وانتهاءالحرب؛ بل هي مرحلة جديدة من مراحل الصراع انتقالا من أجل الوصول إلى الدولة وإزالةالاحتلال وكنسه باستيطانه. لكن  البعض ممن روج لمفهوم أن السلطة هي فتحوبالعكس؛ ربما اعتقدوا بأن هذا تكتيكا يحتاجونه لإنجاز مشروع السلطة وأجهزتهامراهنين على ما لفتح حينها من حظوة وثقة بين الجماهير، وهذه الحالة دفعت فتح إلىدائرة الصرع على جلد الدب قبل اصطياده، وشكلت حالة من التناقض الذاتي؛ فلا السلطةدولة تنهي الاحتلال والاستيطان بوجودها، ولا هي شكل يفي بأغراض الشعب لفتراتطويلة، وكما قيل في البداية عن اتفاق أوسلو؛ إما أن ينهي الاحتلال وإما ان يكرسه.

فتحكعادتها تستشرف المستقبل في كل مرحلة تحاصر فيها، ومع كل إخفاق وفي كل مرحلة، لمافيها من عناصر ثورة وتمرد على الواقع، والتزامها بالمطلق بتطلعات شعبنا وحقوقهقانونا يحكم استمرارها.

صحيحأننا نناضل من أجل السلام العادل الضامن حقوقنا الوطنية وبناء الدولة بعاصمتهاالقدس، لكن هذا الهدف لا يزال يحتاج إلى ضوابط ومحددات لا يسمح لأحد أن يخرج عنها،أو استغلالها، لاسيما في ظل بروز الصراع الطبقي وظهور طبقات احتكارية، قد تدفعللقبول بأي تسوية  على حساب شعبنا وحقوقنا، وقد تستسلم للضغوط والقوىالعالمية. ويشكل هذا الأمر تخوفا وهاجسا يترافق مع العمل السياسي بعد عشرين عام منالمفاوضات مع حكومات الاحتلال المتعاقبة.

لذاكان إدخال حركة فتح في طريق الاندماج مع السلطة أو جعلها حالة ذيلية وجودا وسلوكاأمرا مرفوضا لدى الفتحاويين، في ظل سيطرة الاحتلال على مفاتيح الحياة والسيادة،حتى تبقى فتح ضمانة الموقف الثوري والعمل النضالي المتعدد الوظائف والأشكال لاسيماوالمشروع الوطني لازالت تهدده المخاطر السياسية والاجتماعية والاقتصادية في ظلتكريس الاستيطان وسطوة الاحتلال.

منهنا اعتبرت فتح ان كل تنمية اقتصادية غير مرتبطة بتقرير المصير مآلها الفشل، وضياعالإمكانات والجهد والوقت، ولربما كانت بعض الشعارات والمسميات  عاملا في بثالامل والتوافق مع المفاهيم الدولية؛ إلا أن الفائدة تنحسر في ذلك كله امام لغةالمدفعية الإسرائيلية وصواريخ الاحتلال التي تدك كل منجز وكل  مفهوم يتم غرسهفي الأذهان حول  نضالية البناء للدولة، عبر انتهاك أوسلو وتهديد مقدراتنا الوطنيةوالأهم من ذلك؛ ثقة شعبنا بتوجهات السلطة ومواقفها وجدواها.

لذايمكن القول بأن التنمية في ظل الاحتلال نظرية صعبة التطبيق بنجاح، مثلما تعجزنظرية السلطة والمقاومة عن العمل معا طالما بقيت السلطة فاقدة لمقومات البقاءوالاستمرارية.

ولمتغفل حركة فتح التي  شخصت الصراع بأنه صراع وجود عن كل ذلك؛ مثلما لن تغفل عنشغف البعض في كسب الامتيازات وجمعها في تحول اجتماعي أنشأ منهم طبقة بخصائص لنتتجانس مع الفقر الموغل في أحشاء شعبنا، وتهيمن على المقدرات الوطنية وتحتكرها،والتي مهما تم استهدافها – تلك الطبقة- بالاصلاح فلن يرضى الناس عن ذلك في بلادنالأن السبب الرئيسي لكل تلك الظواهر لا يزال قائما.

وفتحطالما اتبعت نهج  التسامح واجتثاث المتناقضات، لكن ذلك لن يكون كافيا في ظلبحر واسع عميق تتلاطم أمواجه فجأة، ويضم كل من يريد أن ينافس او يشارك أو أن يتقدمالصفوف بفرض رؤيته السياسية والاجتماعية، وأيضا بانخراط قوى محلية وإقليمية فيالصراع على السلطة من أجل القضاء أو السيطرة على المشروع الوطني الفلسطيني، فتحولالصراع إلى صراع الشرعية والحكم والنفوذ والمال والسيطرة على الشعب والوطن، بما لايجدي للتسامح نفعا، ويجعل السؤال البارز في ظل المرحلة: هل فتح ما زالت قادرة علىقيادة المشروع الوطني كما كانت أم لا؟!

يتبع