الحفاظ على السلام

ملابساتالعملية التي أحدثت التصعيد في العلاقات بين اسرائيل ومصر وحطمت وقف النار بيناسرائيل وحماس يجب ان تدرس جيدا: فهل كان هناك انذار كاف؟ هل أعد الجيش الاسرائيلينفسه له؟ كيف قتل الجنود المصريون؟ وهذه بعض التساؤلات التي تستدعي الاجوبةالدقيقة والواضحة.

القتلىالاسرائيليون والمصريون ليسوا الضحايا الوحيدين لهذه العملية. فالعلاقات الهشة بيناسرائيل ومصر تقف الان امام اختبار عسير. اسرائيل تدعي بان النظام العسكري الجديدليس ملتزما بما فيه الكفاية بالحفاظ على الامن ولا يسيطر في سيناء مثلما سيطرسلفه. اما مصر من جهتها فتتهم اسرائيل بقتل جنودها وبالاستخفاف بقدراتها. هذهاتهامات تفترض معالجة فورية لانها تثير حماسة خطيرة في الطرفين، نتائجها الفوريةهي القرار المصري باعادة السفير المصري الى القاهرة – القرار الذي تراجعت عنه –وتواصلها من شأنه أن يكون المس باتفاقات السلام. يجدر بالذكر ان السيطرة في سيناءحتى في عهد مبارك لم تكن كاملة. العمليات المأساوية في شواطىء سيناء، الانفاق التيعملت بين غزة وسيناء، العمليات ضد مؤسسات الحكم المصري من قبل البدو المستائينوتطور بنية تحتية لمنظمات اسلامية متطرفة، كل هذه لم تبدأ في عهد النظام الجديد.الحكم المصري العسكري ورث واقعا صعبا في سيناء وهو يبدي تصميما على تغييره.

هذاالنظام ملتزم بالامن في سيناء ليس كجميل يسديه لاسرائيل، بل بانه يعترف بتهديد تلكالمنظمات ومساعديها البدو. وقد أعلن قادته ايضا عن تمسكهم والتزامهم باتفاق السلاموالاتفاقات التجارية مع اسرائيل. هذا هو النظام الذي يصرح بتصميمه على مكافحةمنظمات الارهاب في سيناء، والذي ينبغي لاسرائيل أن تواصل التعاون معه وعليها أنترى فيه حليفا في ذات الاهداف.

لنيخرج أي خير من توجيه الاتهام الى مصر عندما تكون اسرائيل نفسها لم تفعل كل ما فيوسعها كي تمنع العملية. مصر ليست خلية ارهابية، بل هي جار وشريك في التهديد. حذارعلى اسرائيل ان تعلق مرة اخرى في العاب الاعتبار حيال مصر والتي ستخدم جيدا منيعارض اتفاقات السلام معها.

اللعبة الدموية

القصةتكرر نفسها في كل الحكومات: في أعقاب العملية يدخل الطرفان في سلسلة من ردود الفعلوالرد عليها. في النهاية المعركة هي على من يطلق الصلية الاخيرة، من يخرج بطلا ومنيخرج جبانا.

هذامأساوي، لانه لا توجد بالفعل اهمية لمسألة من يكون آخر من يطلق النار. الردع لايتحقق بصاروخ او بقذيفة ما، حتى عندما تكون هذه هي الاخيرة. وفي هذه الاثناء يصابالمزيد فالمزيد من المواطنين، في جانبنا وفي الجانب الاخر ايضا. كل قتيل يجر وراءهمزيدا من التصعيد، كل تصعيد يجر وراءه قتلى. الطرفان يفقدان السيطرة.

حسبالتقديرات التي طرحت في مداولات جهاز الامن في نهاية الاسبوع، فان العمليةالارهابية المتداخلة من شمال ايلات كانت مفاجئة لحماس. فحماس لم تكن على علم مسبقبالعملية، وعلى أي حال لم تكن مشاركة في التخطيط وفي التنفيذ. من حيث المبدأ فضلتحماس مواصلة التهدئة حتى اشعار آخر.

هذالا يعني انهم في حماس أسفوا لموت اسرائيليين، فعلاقات قيادة المنظمة التي تسيطر فيغزة مع المنظمات الاخرى هي علاقات مركبة. أحد ضباط الجيش الاسرائيلي شبهها أمسبالعلاقات التي كانت بين ياسر عرفات وحماس: يمكنكم ان تجنوا، ولكني لست المسؤول.هذه اللعبة تقود بالضرورة الى الانفجار: اذا كانت حماس هي الحكم صاحب السيادة فيغزة، فهي لا يمكنها أن تعفي نفسها من المسؤولية، لا تجاه اسرائيل ولا تجاه سكانها.في النهاية تجدها تنجر الى التدخل، في معركة لا ترغب فيها، معركة ليس فيها نصر.

حكومةاسرائيل هي الاخرى لن تحقق نصرا في هذه المعركة. خلفية قرارها الرد على العمليةبسلسلة من الهجمات من الجو واضحة. اما الاستراتيجية فليست واضحة: ماذا نريد تحقيقهفي هذه الجولة، ماذا تريد تحقيقه في المدى البعيد. اذا كان الهدف هو تدمير حكمحماس في غزة، فليس هذا هو الطريق. وهذا بالتأكيد ليس الطريق اذا كان الهدف هوالتسليم بوجوده.

تحتتصرف حكومة اسرائيل توجد أدوات عسكرية متطورة. ولكن ليست لديها استراتيجية.

سلسلةالعمليات على الحدود المصرية وضعت قيد الاختبار الجدي الاول العلاقات بين اسرائيلوالنظام الجديد في القاهرة. هذا هو الجديد هنا، وهذا هو الخطر. الاستنتاجات ليستلا لبس فيها: من جهة، القادة المصريون في الميدان تعاونوا مع الجيش الاسرائيلي فياثناء الاحداث وبعدها وهم مستعدون للتحقيق في ما حصل على نحو مشترك؛ من جهة اخرى،السلطات المصرية سمحت للمخربين بالوصول الى الحدود والعمل على الاقل في حادثةواحدة على مقربة من موقع مصري مأهول.

علىالمستوى العملي تصرف المصريون بمسؤولية: لم يعيدوا سفيرهم، لم يطردوا سفيرنا، صدواالمتظاهرين امام ممثليات اسرائيل واستقبلوا بالايجاب الاعراب عن الاسف من جانبباراك على موت افراد شرطتهم. من جهة اخرى، انجرفوا في خطابهم البياني خلف ردودالفعل الحماسية في الشارع.

حماسيسيطر عليها اليوم نظام عسكري مؤقت، يعيش تحت رحمة الشارع. الالتزام بالاتفاق معاسرائيل قائم، ولكنه يتعرض لهجوم يومي. يمكن الافتراض بان النظام التالي سيخفضأكثر فأكثر التزامه بالاتفاق. اتفاق كامب ديفيد هو ذخر امني حيوي. محظور علىاسرائيل التخلي عنه. حكومة اسرائيل ملزمة باستخلاص الدروس من فشلها في ادارةالازمة مع تركيا: محظور علينا أن نخسر مصر.

ليسكل حدث فتاك يبدأ بفشل. وعلى الرغم من ذلك فان قسما كبيرا من هذه الاحداث يمكنمنعه. هذا الحكم ينطبق بلا ريب على الحدث الحالي: فكما تظهر الامور في هذه اللحظةكان يمكن احباطه او على الاقل تقليص ضرره. فقد كان اخطار مركز، لاسباب لم تتضح بعدبما فيه الكفاية، لم يترجم الى الخطوات اللازمة على الارض. الثمن كان باهظا، بلوباهظا جدا. لشدة الاسف، نحن نواصل دفعه، في بئر السبع، في اوفكيم، في اسدود.

نأسف لاننا قُتلنا

(المضمون:مسؤول كبير في قمة اصحاب القرار في اسرائيل اوضح أمس بانه يتعين على المصريينالاكتفاء بالاعراب عن الاسف، وان ليس لاسرائيل ما يدعوها الى الاعتذار. وقالالمسؤول "من ينبغي أن يعتذر هم المصريون وليس نحن").

لاسرائيلكل الاسباب لان تطلب من قادة الحكم العسكري في مصر الاعراب عن الاسف على سلسلةاخفاقات للجيش المصري في منع الهجوم الارهابي الذي قتل فيه ثمانية اسرائيليين. رغمذلك قررت القيادة السياسية – الامنية عندنا الاعراب عن الاسف على موت ثلاثة منافراد الشرطة على الحدود الجنوبية، من أجل تخفيف منسوب الاشتعال بين الدولتين.

التوتربدأ منذ قبل بضعة اسابيع: فقد بعثت مصر الى اسرائيل سلسلة رسائل تعبر فيها عناستيائها من تصريحات مسؤولين اسرائيليين، وبموجبها فان مصر تجد صعوبة في أن تسيطرعلى شبه جزيرة سيناء التي اصبحت منطقة سائبة تسيطر عليها منظمات الارهاب. على هذهالخلفية سمحت اسرائيل لمصر بان تدخل الى العريش قوات اخرى تتجاوز تلك المسموح بهاحسب اتفاق السلام. في أعقاب الهجوم الارهابي يوم الخميس عادت محافل اسرائيليةلتتهم مصر بالاهمال. "المخربون اجتازوا الحدود بجوار موقع مصري وكانوا يلبسونالبزة العسكرية المصرية"، شدد أمس مسؤول اسرائيلي.

منذمساء يوم الخميس عقد نتنياهو اجتماعا للمجلس الوزاري المصغر في بحث تقرر فيهالحوار الفوري مع مصر. يوم الجمعة فتح المحور الذي مر عبره المخربون امام عملمشترك من الجيش الاسرائيلي والجيش المصري. في نهاية الاسبوع، بعد اتصالات مكثفةبين وزير الدفاع ايهود باراك ورئيس المجلس العسكري الجنرال طنطاوي وبين اللواءاحتياط عاموس جلعاد وضباط كبار في قيادة المنطقة الجنوبية. أعرب وزير الدفاع باراكعن أسفه على موت افراد الشرطة المصريين ووعد بانه سيجرى تحقيق مشترك للحدث.

مسؤولكبير في قمة اصحاب القرار في اسرائيل اوضح أمس بانه يتعين على المصريين الاكتفاءبالاعراب عن الاسف، وان ليس لاسرائيل ما يدعوها الى الاعتذار. وقال المسؤول"من ينبغي أن يعتذر هم المصريون وليس نحن".

التقديرالسائد عندنا، حاليا، هو أن كل اللاعبين في الملعب – الاسرائيليين، المصريينوالامريكيين – معنيون بوجود اتفاق السلام، حتى لو واصلت السلطات في القاهرة السماحللجماهير "بالتنفيس". فالتاريخ يشهد على أن مصر من شأنها أن تجتذب الىالنزاع الاسرائيلي – الفلسطيني دون أن تقصد ذلك. هذا يشرح المشاورات التي يجريهاجهاز الامن في مسألة العلاقات مع مصر.

امافي الساحة الغزية فلا تعتزم اسرائيل، حاليا، الانجرار الى حملة واسعة النطاق علىنمط رصاص مصبوب، وذلك انطلاقا من التقدير بان حماس أيضا معنية بانهاء جولة التصعيدالحالية في الايام القريبة القادمة. أمس، بعد الاصابة الفتاكة في بئر السبع، عقدرئيس الوزراء اجتماعا عاجلا لوزراء الثمانية. واليوم كان يفترض بنتنياهو ان يخرجفي اجازة لاسبوع في منزله الخاص في قيساريا، يواصل في اثنائه اجراء المشاورات.يبدو أنه لن يكون لديه كثير من الوقت للراحة.

من السابق لأوانه تأبينه

 (المضمون: يُجمع الخبراء الاسرائيليون والامريكيون في الشؤون السورية على أن الرئيسبشار الاسد لا يزال يستطيع حماية نظامه من الانهيار).

فيبداية الشهر ظهر سفير الولايات المتحدة في دمشق، روبرت فورد، أمام لجنة خاصة بمجلسالشيوخ. الاضطرابات في سوريا استمرت أكثر من اربعة اشهر، دون أي تغيير من جانبالنظام السوري أو من جانب الاسرة الدولية، ولكن فورد سمح لنفسه بأن يكون متفائلا.فقد قال فورد انه "حان الوقت لأن نبدأ بالتفكير باليوم التالي للاسد. 23مليون مواطن سوري بدأوا منذ الآن يفكرون بذلك".

"أعتقدأننا والشعب السوري شركاء في الرؤيا بأن سوريا يمكنها أن تصبح دولة حرة وديمقراطيةيقوم فيها الحكم على أساس ارادة الناس"، قال فورد، "مثلما قال الرئيس(اوباما) فان سوريا ستكون مكانا أفضل عندما يبدأ تحولها نحو الديمقراطية".وأعرب الدبلوماسي الكبير عن أمله في أن تبدي سوريا، بعد الاسد، تسامحا دينيا وتؤديدورا ايجابيا في المنطقة.

وجاءتاقوال فورد بالتوازي مع بدء رمضان، الشهر المقدس للمسلمين. منذئذ قتلت قوات الحكمالسوري قرابة 500 مواطن. الجيش السوري واصل استنزاف مدينتي حماة ودير الزور،اللتين تتصدران المظاهرات. في الاسبوع الماضي أُرسل سلاح البحرية ايضا الى المعركةوبدأ يقصف الأحياء الجنوبية من مدينة اللاذقية. وكما يبدو الامر حاليا، فان"اليوم التالي للاسد" قد يتأخر قليلا.

أتذكرونحماة؟

"اذاكنا قبل سنتين واثقين من أن نظام الاسد سيبقى الى الأبد، فاليوم بات هذا بلا ريبواقعا آخر"، يقول البروفيسور إيال زيسر، عميد كلية العلوم الانسانية في جامعةتل ابيب، "أن نقول هذا هو؟ لا أدري. كل شيء لا يزال مفتوحا، الاسد يقاتل فيسبيل حياته، وهو نازف، ولكنه لا يزال صامدا. لا يزال لا يوجد تفكك تام. اليوم منالواقعي الحديث عن اليوم التالي، فنحن في وضع لم يعد يفاجيء أحدا، ولكني أتردد فيأن أقول إننا قريبون من ذلك".

اعمالالقتل الجماعية في مدينة حماة والتي بدأت تماما مع بدء رمضان، تخلق احساسا معينابالحدث المتكرر. في العام 1982 بعث حافظ الاسد الجيش الى حماة كي يسحق نهائيا تمردمنظمة الاخوان المسلمين. وذبح رجال الاسد سكان حماة وخلفوا وراءهم أعدادا شبهخيالية من القتلى – بين عشرة آلاف وثلاثين ألف قتيل.

ولكند. يهودا بلنغه، من دائرة دراسات الشرق الاوسط في جامعة بار ايلان، يذكر أن مذبحة1982 كانت ذروة تمرد بدأ في العام 1976. "انتفاضة الاخوان المسلمين استمرت ستسنوات"، قال د. بلنغه. "في حينه ايضا تحدثوا عن اليوم التالي للاسد،حافظ الاسد. قالوا انه لن يخرج من هذا. ولكن بعد أحداث حماة انتعش الاسد من الازمةبل وخرج معززا".

كماأن د. بلنغه يعتقد بأن التغيير السلطوي في سوريا ليس واقعا منتهيا. "يحتمل أنيمر وقت طويل الى أن يحدث التحول الذي يريد الامريكيون والاوروبيون أن يروه"،يقول بلنغه، "فالاسد يستخدم اساليب قمع وحشية، فظيعة، ولكن في نهاية المطافينجح في البقاء. فهو يقمع بعنف البؤر الأساس، ولا يسمح للاحداث بالانتقال الى دمشقنفسها. حلب ايضا، المدينة الثانية في حجمها في سوريا، بقيت هادئة".

جهازشمولي قيد العمل

فيمحاولة لقمع الاضطرابات واحتوائها، يستخدم الاسد منظومة متفرعة من اجهزةالاستخبارات التي هدفها الأساس – على مدى عشرات السنين – هو حماية النظام. وتنتشرالاجهزة في كل حي، في كل قرية، بل ويراقب الواحد الآخر، لمنع الانقلابات الداخلية.أساس القمع تنفذه الاستخبارات العسكرية وقسم الاستخبارات في سلاح الجو. حسبالشهادات، فهي تنشغل باعمال الاعتقال وبالقتل المقصود للمتظاهرين على حد سواء.

تحتقوات الامن الرسمية يعمل "الشبيحة"، ميليشيا شبه عسكرية، تتكون أساسا مننشطاء حزب البعث. رجال "الشبيحة" الموالون للاسد تماما، يلبسون المدني،وينفذون أساس "العمل القذر". اجهزة الامن و"الشبيحة" يحاولونمنع الاحتجاج في مهده، من خلال الاعتقالات أو تصفية النشطاء المركزيين، وفيالاسابيع الاخيرة، عندما شعر النظام بأنه يفقد السيطرة في مدينة معينة، أُرسلتوحدات الجيش لممارسة القمع الوحشي غير مكبوح الجماح.

المدينةالاولى التي استقبلت هذا التكتيك كانت درعا، جنوبي الدولة. في الاسبوعين الأخيرينجرت حملة عسكرية واسعة ضد بضع مدن، وعلى رأسها حماة، دير الزور والآن اللاذقيةايضا.

صحيححتى الآن، يستخدم الاسد 9 فرق لقمع الثورة. القوة الأساس تعود الى فرقة المدرعات4، الموالية لماهر الاسد، شقيق الرئيس. هذه الفرقة استخدمت ضد مدينة درعا، ومؤخرانفذت مذبحة في مدينة حماة. كما أن الاسد بعث الى المدن السورية بفرقة من الحرسالجمهوري وفرقتين من القوات الخاصة.

جفريوايت، خبير في شؤون الشرق الاوسط في Washington institue، يعتقد ان تكتيكات النظام السوري تلبي تعريف جرائم الحرب."اعمال العنف والقتل ضد الشعب السوري منظمة، مراقبة ومنهاجية"، يقولوايت، "اعمال قمع النظام والتكتيكات القديمة تمثل جهازا شموليا قيدالعمل".

وحسبوايت، فان حجم النشاط، دور بعض الوكالات بتكليف من الحكومة السورية، التخطيط،التحكم والجهود اللوجستية، تُبين بأن هذه الاعمال موجهة، منسقة ومنفذة من الجهاتالأعلى في النظام. وهو يقول انه "لا يدور الحديث عن عنف بالصدفة أو عن اخطاء،مثلما يدعي النظام احيانا. فالقوة الفتاكة تستخدم عن عمد، انطلاقا من النية لسحقالاحتجاج الموجه للنظام".

الأملالكبير في اوساط خصوم الاسد من الداخل ومن الخارج هو نشوء شروخ داخل الجيش.السيناريو المعقول يتحدث عن "بطانية قصيرة"، تؤدي الى تآكل قدرة الاسدعلى استخدام الوحدات المختارة والموالية له فقط. حتى الآن برز خمسون رقم بؤرةمظاهرات في كل أرجاء سوريا. والمعارضة انتقلت الى مراكز المدن، الامر الذي اضطرفيه النظام الى العمل في محيطات أكثر تعقيدا. جراء ذلك، ازداد عدد القتلى في اوساطالمدنيين. واضافة الى ذلك، اضطر النظام الى بذل الجهود في حراسة حدوده. فمن جهة،يحاول السوريون منع اللاجئين من الفرار الى تركيا لتقليص الأدلة، الامر الذي يخلقحرجا ومسا شديدا بصورة دمشق. وبالتوازي، يحاولون منع دخول رجال المعارضة ولا سيماالسلاح والوسائل. التخوف هو من تسلل متطرفين اسلاميين من لبنان ومن العراق لمحاولةضعضعة الاستقرار في الدولة أكثر فأكثر.

"رغمأن قوات النظام لم تُهزم، وامكانيات الشروخ في الجيش تبدو طفيفة، فان الآلية نحومشاكل أكبر لا تزال قائمة"، يقول جفري وايت، "بسبب الطابع الواسع لاعمالالاخلال بالنظام، لا يمكن للنظام أن يحشد الجنود في عدد أكبر من الاماكن. الضغطالمتواصل من المظاهرات سيزيد بقدر أكبر جهود الجيش، واحتمالية أعلى لمزيد منالفرار من الجيش، كلما شدد النظام العنف. اذا ما تضرر ولاء الجيش، فان النظامسيستخدم قوات الامن بقدر أكبر الامر الذي سيدفعها الى التآكل ويستنزفها. كما انهقد تنشأ معارك بين وحدات الجيش وقوات الامن".

حتىالآن الأدلة على الفرار هامشية تماما. فعندما أُرسلت الفرقة 5 لقمع الاضطرابات فيمدينة درعا، فر ضباط وجنود. وتتحدث التقديرات عن العشرات حتى المئات. ومع ذلك،فليس هذا هجرا لوحدات كاملة، تقاتل الآن الى جانب الثوار، مثلما حصل في ليبيا.

وحسبد. بلنغه، فان الحكم العلوي يسيطر في دائرتي القوة الرئيستين. ولكن الدائرةالثالثة التي تسيطر في وحدات مركزية في الجيش، يديرها مسلمون سنة تحالفوا مع حزبالبعث. "وهم منفذو ارادة الحكم"، يقول بلنغه، "وهم يعوضون بكثيرجدا من المال، من ناحيتهم هذا النظام هو نظام جيد. نحن لا نرى كل السنة يقاتلونضده. ولكننا نرى انه ينجح في أن يخرج من الباقين مئات آلاف الاشخاص في مظاهراتتأييد في دمشق. ليسوا جميعهم علويين. هذا النظام يؤدي دوره في نظرهم. وهم يواصلونالعيش ولا يتضررون من النظام".

مؤخرانفذ الاسد تغييرات في القيادة الامنية. وزير الدفاع علي حبيب أُطيح من منصبه،وبدلا منه عُين رئيس الاركان داود رجحة. اختيار رجحة، ضابط عديم الاهمية ظاهرا، لميكن بالصدفة. رجحة هو المسيحي الاول الذي يُعين في المنصب الرفيع. فور ذلك عينالاسد في منصب رئيس الاركان جاسم فريج، مسلم سني من مدينة حماة. وهكذا سعى الىالاشارة بأن سلطته توجد فوق خلافات الرأي الطائفية، وألمح للأقليات بألا تغريهمالمغامرات.

وبالفعل،مثلما قال البروفيسور زيسر، فان صورة الاحتجاج في سوريا ليست الأقلية العلوية(التي تبلغ نحو 12 في المائة) ضد باقي الدولة. "نصف السكان السوريون هم معالاسد"، يقول زيسر، "الدروز والمسيحيون يفضلونه على الآخرين. هم يفضلونحكما علويا علمانيا برئاسة بشار على حكم الاغلبية السنية. تاجر مسيحي في دمشق لنيقاتل من اجل بشار، ولكنه لن يخرج للتظاهر ضده. أجزاء كبيرة يفضلون أن يبقى".وفي اوساط السنة ايضا لا يسارع الجميع الى التغيير. فالسنة في المدن الكبرى، ولاسيما في دمشق وحلب، يشكلون القطاع التجاري. وقد عقدوا تحالفا مع الحكم العلويويسرهم الاستقرار الذي يتيح لهم مواصلة نمط حياتهم. تخوفهم هو بالطبع من سيطرةالتيار الاسلامي. ويقول زيسر ان "هذه قصة محيط فقير حيال المركز الغني".

لنتكون ديمقراطية

أحدالاسباب المركزية للغموض حول مستقبل سوريا هو هوية المعارضة. التقدير هو مثلالاحداث في مصر وفي تونس، لا توجد منظمة واحدة أو قيادة موحدة تقود الاحتجاج."المعارضة السورية هي علبة سوداء"، يقول جوشوع لندس، مدير مركز بحوثالشرق الاوسط في جامعة اوكلاهوما.

وحسبلندس، بعد اربعين سنة من القمع، أحد لا يعرف كيف تبدو المعارضة، ولكن التقدير هوان الحديث يدور عن شظايا منظمات، كل واحدة ذات أجندة مختلفة، توحد الآن صفوفها.

أساسالمظاهرات تنظمها لجان محلية، تستغل شبكة الانترنت في محاولة لخلق جبهة واحدة معرسائل موحدة. هذه اللجان، التي بدأت بتنسيق أحداث الاحتجاج داخل الجماهير المحلية،تحولت بالتدريج الى "لجان التنسيق المحلية لسوريا"، منظمة علياللتنظيمات من معظم المدن والبلدات في أرجاء الدولة. "المنظمة تقدم المساعدةفي تنسيق نشاطات اللجان المختلفة، في التحرك الميداني، في نشر البيانات المشتركةبمواقفنا السياسية"، كما يدعي رجال المعارضة السوريين في موقعهم علىالانترنت، "نحن صوت المواطن الصغير، الذي يتظاهر في الشارع".

ابراهيمحزان، الناطق بلسان لجان التنسيق المحلية، يوافق على أن المعارضة السورية غيرمنظمة جيدا، ولكن في نظره هذا جزء من قوتها. على حد قوله الامر يدل على أصالةالاحتجاج. ويوضح حزان بأن كل معارضي النظام موحدون حول ثلاثة مطالب: الوحدةالوطنية، معارضة التدخل الدولي والمظاهرات غير العنيفة. "السيناريو الليبي هوتهديد. نحن لا نريد أن يحصل شيء كهذا في سوريا"، يقول حزان.

البروفيسورزيسر هو الآخر يُقدر بأن يحتمل أن يتصاعد العنف، ولكن سوريا لن تنتقل الى حربأهلية. "أنا ايضا لا أرى سيناريو انقلاب بلاط"، يقول، "الحكمالعلوي يعرف بأن المشكلة ليست لدى بشار نفسه، بل في طبيعة الحكم". د. بلنغهيرى امكانية مثل هذا الانقلاب، فقط اذا ما وصلت محافل داخل الطائفة العلوية الىتسوية ما مع السنة، تُغير تماما طبيعة الحكم في الدولة.

"أنالا أرى سيناريو تصبح فيه سوريا بعد الاسد ديمقراطية"، يقول بلنغه، "لااعتقد ان الشعب السوري ناضج لذلك. أفترض أن منظمات المعارضة التي دعت الى تغييروطني ديمقراطي، ستحاول العمل. ولكن بين اسقاط النظام وبين تثبيت الوضع في اليومالتالي، كل شيء يمكن أن ينهار. من الصعب التخمين ماذا سيحصل هناك". ويذكربلنغه بأن الاكراد مثلا ينتمون الى تحالف معارضة النظام. "الاكراد، الذين هم10 في المائة من السكان، يتطلعون الى الحكم الذاتي"، يقول بلنغه، "ولكنمن غير المعقول أن السنة الذين يحلمون بسوريا الكبرى، سيسمحون لهم بالانفصاللاقامة كيان سياسي". تركيا هي الاخرى بالطبع، سترى في مثل هذا السيناريوتهديدا مباشرا عليها، الامر الذي سيضعضع الاستقرار.

فيضوء انعدام اليقين، من الصعب القول ان سقوط الاسد سيخدم المصلحة الاسرائيلية. داخلاسرائيل هناك من يعتقد بأن بالذات الحفاظ على الوضع القائم قدر الامكان هو الخيارالافضل، وذلك لانه يدفع الحكم السوري الى الانشغال في الشؤون الداخلية، ويخلقتوترا في اوساط حلفائه الطبيعيين ايضا: ايران، حزب الله وحماس.

"رأياسرائيل غير ذي صلة لان الوضع ليس في يدها"، يقول البروفيسور زيسر. ومع ذلك،فانه يقدر بأن سقوط بشار من شأنه أن يعرض للخطر الهدوء على طول الحدود السورية.

"نحنلا نعرف من سيصعد مكانه، وأي قوة سيُدخل"، يوافق د. بلنغه، "بشار نحننعرفه. صحيح انه يخضع لنفوذ ايران وحزب الله، ولكنه احيانا يعمل ايضا كعامل معتدل.نحن نعرف السلوك العسكري والسياسي لديه. بل اننا تحدثنا معه في الماضي. يحتمل انيكون من الافضل في هذه اللحظة أن يبقى هذا الرجل. بالتوازي، على اسرائيل ان تعملفي كل سبيل ممكن كي تحاول الاستعداد لما يحصل في اليوم التالي. في هذه اللحظة منالصعب جدا وصف هذا اليوم".