المستقبل:
"فتح" في الذكرى: لمحاسبة إسرائيل
أصدرت حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح - إقليم لبنان، بياناً لمناسبة ذكرى مجازر صبرا وشاتيلا، في 16 أيلول 1982 حين "كانت الهمجية تتجسد بأبشع صورها وأشكالها بقرار إسرائيلي ومشاركة أعوانها من الأدوات الحاقدة"، مؤكدة أنها "كانت فضيحة العصر، تقرع أبواب العالم كل العالم، تهزُّ الضّمائر، تستنطق مجلس الأمن والدول الغربية، تستفزّ مشاعر العرب، والدول الإسلاميّة".
وأشار البيان الى أنّ "ما يزيدُ على 3500 شهيد لقوا مصرعهم على أيدي حفنة من القتلة لنشر الرّعب في نفوس أهلنا، وحملهم على المغادرة والتشتت في منطقة حزام البؤس". وتساءل، ألا تستحق هذه المجزرة وقفة ضمير وتأمّل لمحاسبة الكيان الإسرائيلي الخارج عن كافة القيم والقرارات الدولية؟".
ورأت "فتح" "أنَّ هذه الذكرى المفجعة تضعنا جميعاً أمام مسؤولياتنا الوطنية تجاه أهلنا أبناء صبرا وشاتيلا وأبناء تل الزعتر، وتجاه شهدائنا الأبرار من اللبنانيين والفلسطينيين، وأن نكون أوفياء لدمائهم الزكية وأرواحهم الطاهرة. ولا شك أنَّ قمة الوفاء تكون برص الصفوف وإنهاء الانقسام المدمِّر وإعلان الوحدة الوطنية".
وأهابت "بأهلنا وشعبنا أن يتكاتفوا وأن يعملوا من أجل الأمان والاستقرار، والتعاون من أجل علاقات أخوية مع أهلنا اللبنانيين لتجسيد وحدة الموقف والمصير على طريق الحرية والنصر المؤزر".
لجنة دعم المقاومة
وصدر عن "لجنة دعم المقاومة في فلسطين" بيان أكدت فيه "أن مجزرة صبرا وشاتيلا هي استمرار لمجزرة اقتلاعنا وتشريدنا من أرضنا عام 1948 وهي انعكاس لصورة الكيان الصهيوني ووحشيته المؤدلجة، وسيأتي اليوم الذي تتحقق فيه العدالة ويحاسب القتلة الذين ما زالت بصماتهم الدامغة موجودة ولم تمحَ، وشعبنا لم ولن ينسى الشهداء"، وإن القتلة وعملاءهم "لن ينالوا سوى الهزيمة والعقاب".
المستقبل/اللواء/البلد/الجمهورية:
"عين الحلوة" استعاد حياته الطبيعية
رغم تأكيد القوى الفلسطينية الوطنية والإسلامية في مخيم عين الحلوة، أن حادثة تبادل إطلاق النار بين عناصر من حركة "فتح" وآخرين من "جند الشام" في المخيم مساء الثلاثاء، كان غيمة صيف أمنية عابرة، إلا أن هذه الحادثة وإن انتهت بأسبابها وتفاعلاتها، إلا أنها أعادت تسليط الضوء من جديد على الوضع الأمني في المخيم من زاوية عودة مثل هذه المناوشات بين فتح والجند، والتي بطبيعة الحال لا يقع التصدي لها ضمن مهام القوة الأمنية الفلسطينية المشتركة التي شكلت قبل أيام في المخيم لضبط الأوضاع العامة في شوارعه وتنظيم حركة أسواقه وحماية مؤسساته التربوية والصحية والاجتماعية.
وتؤكد مصادر فلسطينية مطلعة في هذا السياق، أن ما جرى في عين الحلوة قد تم تطويقه، وأن لجنة المتابعة أبلغت جميع القوى الممثلة فيها بما فيها القوى الإسلامية، بضرورة الاحتكام الى الحوار عبر هذه اللجنة في التعبير عن أي اعتراض على أي موضوع يواجهه أي من الأفرقاء أو حتى الأفراد في المخيم وبالتالي عدم اللجوء الى السلاح في التعبير عن مثل هذا الاعتراض، في إشارة الى سبب إشكال الثلاثاء، وهو اعتراض عناصر من جند الشام على كاميرا للمراقبة مثبتة في منطقة مواجهة لهم، ولجوء بعضهم الى إزالتها ما تسبب في تطور الأمور.
الى ذلك، استعاد مخيم عين الحلوة الأربعاء حياته الطبيعية، وفتحت المدارس والمؤسسات أبوابها وشهدت أسواقه وشوارعه حركة ناشطة، وسيرت القوة الأمنية الفلسطينية المشتركة دوريات راجلة لها في بعض أحياء المخيم وقرب مداخله الرئيسية.
وإثر جولة له على بعض وحدات فتح في المخيم، شدد قائد "الأمن الوطني الفلسطيني في لبنان" اللواء صبحي أبو عرب على أن أمن المخيم خط أحمر ومن غير المسموح لأي كان أن يعبث به ويتجاوزه. وقال: إن كرامة نسائنا وإطفالنا وشيوخنا وأمنهم وسلامتهم فوق أي اعتبار . وأكد دعمه للقوة الأمنية المشتركة التي انبثقت عن القوى والفصائل الوطنية والإسلامية.
وقال القيادي في حركة فتح اللواء منير المقدح: "لقد اتخذنا قراراً بضبط الوضع وأن لا تتكرر هذه المشكلة ووضع حد لهذه المجموعات التي تفتعل مشاكل كل فترة داخل المخيمات، خصوصاً أن المخيم فيه 100 ألف نسمة ويوجد مدارس. لكن اليوم الوضع عاد الى طبيعته بشكل كامل وان شاء الله لا تتكرر هذه المشكلة بجهود الجميع داخل المخيم.
وقال امين سر لجنة المتابعة الفلسطينية عبد مقدح: القوة الأمنية ما زالت مستمرة بعملها في شوارع المخيم بكل ضباطها وعناصرها. وما حدث ليل الثلاثاء فردي وتم تطويقه في ساعته. ونطمئن شعبنا بأن اللجنة الأمنية بخير وستستمر بدعم القيادة السياسية ولجنة المتابعة ولجان الأحياء والفاعليات في المخيم.
المستقبل:
"القيادة العامة" أحمد جبريل.. قيادات تبحث عن مأوى
علي الحسيني
يعيش الفصيل الفلسطيني المعروف باسم "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين- القيادة العامة" التابع لسوريا وحليف "حزب الله"، والذي يطلق عليه الناس مصطلح "جماعة أحمد جبريل" أزمة كبيرة لم يعهدها من قبل، ناتجة عن انعكاسات الثورة السورية عليه وعلى قياداته ومعسكراته في سوريا ولبنان.
"القيادة العامة" أو جماعة "جبريل"، وكما هو معروف أنها الفصيل الأقرب للنظام السوري، وهي وحدة عسكرية تتبع مباشرة للمخابرات العسكرية السورية، تتحرك بأوامرها وتنفذ قراراتها وعلى رأسها إطلاق عناصرها الرصاص على المتظاهرين المدنيين السوريين الذين رفعوا شعارات سلمية منذ الأيام الأولى لانطلاق الثورة السورية في كل من شوارع الحجر الأسود ودوما وحماه ودرعا والزاهرية والميدان وقتلت المئات منهم.
ولم تكتف جماعة جبريل بعمليات القتل والإعدامات التي مارستها بحق الأبرياء في سوريا، بل شكلت لجاناً شعبية من الزعران وتجّار المخدرات واللصوص وأصحاب السوابق الذين خرجوا من سجون النظام السوري بعفو رئاسي، وانتشر عناصر هذه اللجان في مخيم اليرموك تحديداً، أكبر المخيمات الفلسطينية في سوريا، وبدأوا بإطلاق الرصاص من أطراف مخيم اليرموك على المناطق المجاورة للمخيم، والتي يقطنها مواطنون سوريون، ما أدى إلى مقتل العشرات منهم كما نفّذت عمليات اعتقال وخطف وتصفية لشُبّان فلسطينيين رفضوا الانصياع لأوامر جبريل في مساندة النظام السوري.
لم تكن كل تلك الأعمال التي قامت بها عناصر جبريل على خلفية سياسية أو أمنية لمصلحة النظام، بل جزء منها كان يتم بهدف فرض خوات على المواطنين الفلسطينيين، أو بدافع السرقة وترويج المخدرات ومصادرة السيارات، أو انتزاع ملكية شقق سكنية وأراض ومزارع ومصانع بالقوة من أصحابها الفلسطينيين، وكل هذه الاعمال كان يجري ترتيبها وحياكتها من داخل معسكر لهم يدعى "الخالصة" يقع داخل "اليرموك"، ومن معسكرات اخرى مثل عين الصاحب، والريحانية الذي هاجمته المعارضة السورية مؤخراً.
المعلومات تجزم بأن هذه الممارسات كانت تتم بأوامر من أحمد جبريل نفسه وابنه الملقّب بأبو "العمرين" وهو مسؤول عسكري وأمني تربطه علاقة وطيدة بعدد من رجال المخابرات في النظام السوري ومسؤولين أمنيين في "حزب الله"، وقد أدت هذه الأفعال إلى حصول حالات تململ ومعارضة واسعة داخل "القيادة العامة" فانشق أكثر من مسؤول، وأكثر من مجموعة، ودخلوا في صراع مسلح مع جماعة جبريل، التي قتلت بعضهم واعتقلت آخرين نقلتهم لاحقاً إلى مواقعها في لبنان حيث قُتل العديد منهم تحت التعذيب على يد المسؤول العسكري "أبو راتب".
اليوم يعيش عناصر "القيادة العامة" في لبنان أزمة سياسية وشعبية ومالية، فالأزمة السورية تلاحقهم، ولم يبق لهم مؤيدون لا في داخل المخيمات الفلسطينية ولا خارجها، ولم يعودوا يحصلون على الأموال اللازمة، الامر الذي اضطرهم الى بيع العديد من أسلحتهم في بعض مراكزهم في معسكرات قوسايا والسلطان يعقوب والناعمة وبيروت ومخيم البداوي حتّى ان عناصر هذه الجماعة باتت تبحث عن حماية سياسية أو أمنية لبنانية أو فلسطينية لكن من دون جدوى، فالعلاقة مع "حزب الله" أصبحت على شفير الهاوية خصوصاً بعد عمليات بيع الأسلحة الواسعة لمعارضين سوريين.
وتؤكد المعلومات أن الأمين العام للقيادة العامة أحمد جبريل حاول مؤخراً المجيء إلى لبنان للاستقرار فيه، غير أن المخابرات السورية علمت بالامر وأوقفته ومن ثم أعادته إلى منزله في دمشق حيث يخضع لرقابة شديدة من المخابرات العسكرية، كما يحاول نجل جبريل "ابو العمرين" البحث عن مأوى داخل الضاحية الجنوبية لكنه لم يحصل على إذن حتّى اليوم، أما نجله الأصغر خالد فقد استقر في طهران مع زوجة أحمد جبريل وزوجات أبنائه وعائلات كبار المسؤولين في "القيادة العامة" ما عدا الأمين العام المساعد للقيادة طلال ناجي المعتكف بسبب سيطرة أولاد جبريل على الأموال والقرارات والمجموعات العسكرية والأمنية.
وتكشف المعلومات أن أحمد جبريل كان وصل إلى بيروت خلال شهر رمضان الفائت، تلبية لدعوة إفطار أقامها مسؤول إيراني معني بملف العلاقات الفلسطينية، ويومها لاحظ عدد من كوادر تنظيمه مدى الاضطراب والانزعاج الذي يعيشه الرجل خلال لقائهم به على هامش الدعوة بعد رفضه توجيه أي سؤال له خلال الإفطار وقد طلب من بعضهم العودة إلى سوريا في أسرع وقت لكنهم تمنّعوا متحججين انهم أتوا إلى لبنان من سوريا برفقة عائلاتهم وبأنهم لا يستطيعون العودة في ظل الظروف الراهنة.
أما أخطر ما كشفته المعلومات خلال النقاشات بين جبريل وعناصره, تلك الصراعات الداخلية التي تحصل بين الحين والاخر بين قيادات عسكرية وسياسية داخل التنظيم، والتي تنعكس اشتباكات مسلحة واغتيالات خصوصاً داخل معسكري الناعمة وقوسايا وبأن هناك مقابر جماعية لعناصر من التنظيم داخل هذه المعسكرات لم يُصر للكشف عنها حتّى اليوم وأن أصوات الرصاص والقذائف الصاروخية التي تحصل من وقت الى آخر داخل هذه المعسكرات، ما هي إلا اشتباكات مسلحة تقع بين المسؤولين والعناصر على خلفيّات متعددة مثل التأخر في دفع الرواتب أو محاولة فرض نفوذ لأحد المسؤولين داخل المعسكر.
مسؤول في أحد الفصائل الفلسطينية في لبنان يرى ان "مستقبل القيادة العامة مرتبط ارتباطاً وثيقاً بمستقبل النظام السوري، لكن ما يزعج عدداً من قيادات جماعة جبريل انه لا يفكر في مستقبل القيادة العامة، فهي لن تكون طرفاً في أي تسوية، ولن تحصل على أي حصة من كعكة التسوية، لأنها ابتعدت عن فلسطين وعن الفلسطينيين، وكل محاولات تلميع صورتها لن تنجح".
المستقبل/اللواء/السفير/البلد:
لجنة "كي لا ننسى مجزرة صبرا وشاتيلا":
أهالي الضحايا لم يطالبوا بالثأر وإنما بالعدالة
شدد عضوا لجنة"كي لا ننسى مجزرة صبرا وشاتيلا" الإيطاليان هيلين سيغل وموريسيو موسيليني على ان "الحياة تستمر ولكن الذكريات تبقى"، لافتين الى ان "أهالي الضحايا منذ سنوات لم نسمع منهم أي مطالبة بالثأر، إنما فقط بالعدالة، وهذه العدالة لم يحققها لهم أحد لا في لبنان ولا على المستوى الدولي".
عقدت لجنة "كي لا ننسى مجزرة صبرا وشاتيلا"، بمشاركة الوفد الأوروبي، مؤتمرا صحافيا في دار نقابة الصحافة، أمس في حضور عضوي اللجنة الإيطاليين هيلين سيغل الشاهدة على المجزرة في 16 أيلول 1982 وموريسيو موسيليني، نقيب الصحافة محمد البعلبكي، ناشر جريدة "السفير" طلال سلمان، الدكتور عبدالملك سكرية وقاسم عيتا.
البعلبكي
النشيد الوطني، ثم ألقى البعلبكي كلمة استهلها بتوجيه التحية الى روح مؤسس اللجنة المناضل الإيطالي ستيفانو كاريني، لما له من دور "لإبقاء هذه الذكرى" في أذهان اللبنانيين والعرب، بل لتبقى الذكرى حية في ضمير العالم كله".
واعتبر ان "مجزرة صبرا وشاتيلا سجلت أعلى مستوى ممكن في الإجرام الإنساني، وقال: "ربما إذا راجعنا جرائم التاريخ العظمى قد لا نجد جريمة مثل هذه الجريمة"، مؤكدا ضرورة الإستمرار في العمل لكشف هذه الجريمة الكبرى التي من شأنها أن تهز الضمير العالمي "ان كان هناك من ضمير".
سيغل
وقالت الشاهدة على المجزرة سيغل: "ليس لدي الكثير لأقوله، فالكلام طال ولكن الأفعال مازالت غير كافية، لا يوجد بعد قرار منصف للشعب الفلسطيني ولا عدالة لهم بعد".
وسألت: "لماذا يتم استعمال عبارة مفاوضات السلام في حين لا يوجد حرب، يوجد احتلال ويجب تسميتها "مفاوضات لإنهاء الإحتلال الإسرائيلي".
أضافت :"يظن عدد كبير من المسؤولين الأميركيين أن بمقدورهم حل النزاع الإسرائيلي - الفلسطيني ولكنهم سيفشلون حتما إذا بقيت السياسة الأميركية على ما هي عليه".
وتحدثت عن عائلتين نجتا من المجزرة وقالت: "إحدى هذه العائلات تتضمن شابا بقي مستلقيا طوال الليل فوق جثة أمه، مدعيا الموت، لكي لا يقتل، بعد 31 عاما أمضيت يوما كاملا مع عائلته التي تعيش قرب مدينة صيدا، الناجي من المجزرة لديه اليوم 5 أحفاد و2 آخرين قريبا".
وقالت: "اما العائلة الثانية التي زرتها في صبرا في حالة مزرية وعلى الرغم من هذه الظروف، فإن ابنهم البكر في عامه الدراسي الأخير وهو متفوق في دروسه ويخطط لدخول الجامعة على أمل الحصول على منحة دراسية. ابنتهم هي الفتاة الوحيدة في المبنى الذي يعيشون فيه التي أكملت دروسها وستدخل الجامعة هذا العام، العائلة فخورة جدا بها وتريد لها ولأخيها مستقبلا باهرا. إذا فالحياة تستمر ولكن الذكريات تبقى".
وختمت بملاحظة حول الإحتفال برأس السنة اليهودية فأشارت الى ان أحد الحاخامات دعا فتاة مسلمة ترتدي الحجاب للمشاركة في الصلاة وقراءة آيات قرآنية داخل المعبد، معتبرة هذه البادرة إشارة لانفتاح بعض اليهود على الديانات الأخرى.
موسيليني
وأشار موسيليني الى انه من الصعب الحديث في مثل هذه المناسبة "لأننا نشعر بالعجز الكامل، والإرادة والإصرار الفلسطيني سيصل بالتأكيد الى هدفه".
ووجه نداء الى "الشعب اللبناني العظيم الذي صمد في عدوان تمور 2006 أمام العدوان الإسرائيلي وأمام الإعتداءات الصهيونية المتكررة"، داعيا إياه الى "العمل على تحقيق ما يصبو إليه الأحياء ممن بقوا في مخيمي صبرا وشاتيلا، لتحقيق ما يمكن لهم من الحياة الكريمة".
أضاف: "نلتقي مع أهالي الضحايا منذ سنوات لم نسمع منهم أي مطالبة بالثأر، إنما فقط بالعدالة، وهذه العدالة لم يحققها لهم أحد لا في لبنان ولا على المستوى الدولي".
وأردف :"ما حدث في صبرا وشاتيلا لخصه أحد رؤساء الجمهورية الإيطالية السابقين الذي قام بواجبه في المشاركة بالمقاومة الإيطالية ضد الفاشية والنازية، هذا الرئيس الإيطالي قال بعد المجزرة: "ان المسؤول عن هذه الجريمة ارييل شارون ما زال يتجول في العالم ويستقبله رؤساء وديبلوماسيون في كل أنحاء العالم، ولكن مصيره يجب أن يكون في السجون والمحاكم الدولية".
وطالب بـ "إعطاء اهالي الضحايا العدالة والحق بأن يعيشوا بكرامة، الحق بالعمل، بالدراسة، العلاج، التحرك، هذه الحقوق المطلوبة، إضافة الى منح الحقوق ايضا لأولئك الفلسطينيين الذين ينزحون من سوريا الى لبنان، هذا ما نطلبه من شعب لبنان العظيم، مع معرفتنا ان هذا واجب الأسرة الدولية أن تتحرك في هذا الشأن".
وقال :"في هذه الأيام التي تعصف فيها رياح الحروب في المنطقة، نؤكد ان الأغلبية الساحقة من الشعب الإيطالي ضد أي تدخل أجنبي وضد أي حرب في المنطقة، ضد الحرب أي أن نعمل من اجل السلام، ولا يمكن أن يكون هناك سلام مادام هناك احتلالات: العراق، الإستعمار الصهيوني لأراضي الضفة، مزارع شبعا، الجولان، فلسطين، يجب العمل لإنهاء الإحتلال".
وتطرق الى مسألة "تأكيد شرعية حق العودة للفلسطينيين الذين تم استقبالهم في لبنان خلال سنوات"، وقال: "هم يريدون ويعملون ويرغبون بالعودة الى ديارهم في فلسطين".
كي لا ننسى
وعقدت لجنة "كي لا ننسى" لقاء مع فصائل الثورة والقوى الوطنية والاسلامية الفلسطينية في قاعة الشهيد ياسر عرفات في السفارة الفلسطينية، شارك فيه امين سر فصائل منظمة التحرير وحركة فتح في لبنان فتحي ابو العردات، عضو المجلس الثوري آمنه جبريل، ممثل حركة حماس في لبنان علي بركة، ممثل حركة الجهاد الاسلامي ابو عماد الرفاعي وقادة الفصائل الفلسطينية. ثمّ انتقلت إلى مخيم مار الياس حيث شاركت في ندوة عن الحقوق المدنية للاجئين الفلسطينيين في مركز «أطفال الصمود». ثمّ زار الوفد «مشغل التراث الفلسطيني» في بيت جلول.
ومن المقرر أن تعقد اللجنة عند الساعة التاسعة من صباح غد الجمعة، لقاء في مجمّع رسالات قرب السفارة الكويتية، يليه مهرجان خطابي حول المجزرة، يُختتم بزيارة أضرحة الشهداء في المخيم.
المستقبل:
عائلات فلسطينية نازحة تعتصم أمام "الأونروا" في بعلبك
نفذ عدد من العائلات الفلسطينية النازحة من المخيمات الفلسطينية في سوريا اعتصاما امام مكتب الاونروا في مخيم الجليل في بعلبك احتجاجا على عدم تقديم المساعدات لهم حيث بلغ عدد تلك العائلات المقيمة في المخيم وفي جواره نحو 1287 عائلة.
ورفع المعتصمون لافتات منددة بتعاطي الاونروا السلبي وعدم تقديم المساعدات ،كتب على بعضها: (اليوم كلام وغدا خيام)، (النكسة اصبحت نكستين)...
وطالبت نجلة حسين الاونروا بإسم النازحين "بتأمين المأوى المؤقت للقادمين من سوريا لحين عودتهم او اعطائهم بدلات ايجار شهري"، مشددة على "تقديم الاغاثة الانسانية الكاملة وتأمين مواد التدفئة سيما وان فصل الشتاء اصبح قريبا". كما طالبت بـ "معالجة كل مواطن فلسطيني نزح من سوريا على نفقة الاونروا وتأمين الادوية".
وفي الشأن التربوي لفتت الى انه "يجب استيعاب كافة الطلاب القادمين من سوريا في كل المراحل وتأمين المستلزمات لهم من كتب وقرطاسية وغيره من المواد الضرورية اللازمة".
وطالبت سميرة ابوالفول " المؤسسات الدولية والانسانية النظر الى مأساة النازحين وتقديم المساعدات لهم". واسفت "لما يجري في مكتب الاونروا في المخيم حيث يقفل ابوابه عندما تنفذ اعتصامات لتسليمهم كتابا باسم المعتصمين".
المستقبل/اللواء:
..وأبناء "البارد" يعتصمون رفضاً لتقليص الخدمات
نفذ أبناء مخيم نهر البارد اعتصاما أمام مقر الاونروا في بيروت، رفضا لاجراءات المديرة العامة آن دي سمور بشأن خطة الطوارئ. ورفع المعتصمون اليافطات المطالبة "بالتراجع عن القرارات الجائرة"، وتدعو الى رحيل المديرة العامة. وتقرر اعلان الاعتصام المفتوح امام المقر الرئيسي للاونروا في بيروت "حتى الاستجابة لمطالب الاهالي المحقة".
وتحدث في الاعتصام الذي دعت اليه الفصائل واللجان الشعبية الفلسطينية، مسؤول اقليم حركة فتح رفعت شناعة ومسؤول ملف مخيم نهر البارد مروان عبد العال وعضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين علي فيصل ومسؤول الجبهة الشعبية/ القيادة العامة ابو عماد رامز وامين سر اللجنة الشعبية في بيروت احمد مصطفى.
وقد اكدت الكلمات أحقية مطالب ابناء البارد. ودعت الى "استمرار التحركات حتى تتراجع المديرة العامة عن قراراتها". وطالبت المفوض العام للاونروا بـ"التدخل السريع لوقف سياسة التقليص التي تتبعها المديرة العامة وبتصعيد التحركات حتى تأمين المطالب المحقة لابناء البارد باعادة اعمار المخيم واستمرار خطة الطوارئ الشاملة حتى عودة كل ابناء المخيم الى منازلهم.
ثم تلا امين سر الفصائل الدوري في الشمال عماد عوده نص مذكرة بالمطالب وموجهة الى ادارة الاونروا دعت الى الغاء اجراءات الاونروا بشأن برنامج الطوارئ والعمل على توفير الاموال الضرورية لاستكمال عملية الاعمار. وسلم امين سر اللجان الشعبية في مخيم نهر البارد خليل خضر المذكرة الى ممثل الاونروا.
اللواء:
وفد المحامين الفلسطينيين يزور منطقة الشمال
وفد المحامين الفلسطينيين بحث مع أمين سرح حركة «فتح» أوضاع المخيّمات
استقبل أمين سر حركة «فتح» في الشمال أبو جهاد فياض في مكتبه في مخيم البداوي في الشمال، وفداً من المحامين الفلسطينيين القادمين من فلسطين المحتلة للمشاركة في مؤتمر اتحاد المحامين العرب المنعقد في بيروت من 12 حتى 15 ايلول في اوتيل «كراون بلازا»، برئاسة النقيب احمد الصياد الامين العام المساعد لرئيس اتحاد المحامين العرب ويزيد الحاج قاسم امين سر نقابة محامي فلسطين ومحمد ابو شاهين.
وشرح فياض «معاناة اهالي مخيم نهر البارد طيلة ست سنوات وآخرها تعنّت الاونروا بأخذ قرارات وقف برنامج الطوارئ التي تتضمن الطبابة والايجارات والاغاثة مما سيؤدي الى تردي اوضاع اهالي مخيم البارد رغم حالة البؤس والحرمات التي يعيشونها».
وحمّل فياض إدارة الاونروا في لبنان «تداعيات كل ما سيحصل نتيجة لقراراتهم غير المدروسة والتعسفية بحق اهالي مخيم نهر البارد».
بدوره، أعرب الصياد عن أسفه لـ«الحالة المأساوية واللاانسانية التي يعيشها اهالي المخيمات وبعيدة كل البعد عن اي معيار سياسي حيث تصادر كل مقومات الحياة الانسانية وتحديدا في ظل ظروف اقتصادية صعبة وتحديدا في مخيمات لبنان».
وأضاف: «إنّ مخيمات لبنان تمارس عليهم ضغوطات صعبة جدا عدا القيود المفروضة، كل هذه الظروف مجتمعة تحد من مقومات الحياة الطبيعية للاهالي».
وأشار الى «ذهوله من هول المصيبة التي حلت باهالي مخيم نهر البارد عندما شاهد حجم الدمار والحياة الصعبة التي يعيشونها»، معتبرا ان «اللاجئين الفلسطينيين في لبنان يدفعون فاتورة صراع اقليمي ودولي ليس لهم فيه اي دخل سوى انهم شردوا من وطنهم وينتظرون العودة».
من جهته، اشار يزيد الى «حزنه لما رآه في نهر البارد من تدمير».
وفي ختام اللقاء اهدى امين سر المنطقة دروعا تذكارية للضيوف.
السفير:
فصائل عين الحلوة: الأمن أولوية
تداعت «لجنة المتابعة»، و«القوة الأمنية المشتركة»، والفصائل والقوى الوطنية والإسلامية إلى اجتماع عقد في مخيم عين الحلوة أمس، خصص للبحث في التطورات بعد الاشتباكات التي وقعت بين «حركة فتح» و«جند الشام»، وتداعياتها، ودور «القوة الأمنية» التي انتشرت الأحد الماضي، وأوكلت إليها مهمات حفظ الأمن الاجتماعي.
وفسرت مصادر فلسطينية أن الاشتباك عبارة عن رسالة من القوى المعترضة على انتشار القوة الأمنية لعرقلة عملها واختبارها ميدانياً من خلال الاشتباك الذي وقع. وخلص المجتمعون بعد اتصالات مع قائد «الأمن الوطني الفلسطيني» اللواء صبحي أبو عرب، واللواء منير المقدح، و«جند الشام» إلى أن الاشتباك يعتبر تجاوزا لحالة الهدوء في المخيم ، وأن العمل يتركز على حصر تداعياته، وعدم ترك أي انعكاسات سلبية له. وشدد أبو عرب على أن «أمن المخيم هو خط أحمر ومن غير المسموح لأي كان بأن يعبث به ويتجاوزه، فأطفالنا وشيوخنا كرامتهم وأمنهم وسلامتهم فوق أي اعتبار».
كما عقد أبو عرب اجتماعا مع المقدح لبحث تداعيات الاشتباك وإطلاق النار على كاميرا المراقبة التي تعود لموقع الحاجز. واعتبر المقدح أن «الاشتباك يستهدف المخيم وليس جهة بعينها، فأمن المخيم هو فوق كل الاعتبارات ومن غير المسموح المساس به».
وأجرى رئيس بلدية صيدا السابق الدكتور عبد الرحمن البزري اتصالات عدة مع مسؤولي الفصائل الفلسطينية لمتابعة التطورات الأمنية في مخيم عين الحلوة. ودعا الجميع الى مراجعة حساباتهم في هذه المرحلة الدقيقة والحساسة. وكان البزري قد التقى في منزله رئيس دائرة الأمن العام في الجنوب المقدم محمد طليس. وجرى البحث في الأوضاع الأمنية لصيدا.
السفير:
صبرا وشاتيلا بعد 31 عاماً
طقس المجازر
نصري الصايغ
لم تتحول «صبرا وشاتيلا» إلى طقس بعد. بين عام وعام، تتلاشى ثم تمَّحي. قلَّة نادرة تواظب على التذكر.. وهي ليست أكثر من مناسبة، تحضر لأيام، بضآلة تتضاءل، ثم تنسحب إلى النسيان.. هي عبور مؤقت في الذاكرة اللبنانية.. هي نسيان دائم في الذاكرة العربية.. هي لا تقتحم اليوميات الفلسطينية، لانشغال الأيام، بما ترزقه السياسة وبما تتصدق به الرهانات وبما يليق بجولات التفاوض.
صبرا وشاتيلا تاريخ مضى. تاريخ انقطع عن الاتصال بنا، لأننا آثرنا الاختباء خلف العجز، وبررنا غيابنا عن المجزرة، بأسباب «وجيهة» جداً، أهمها، الاعتناء بقبور الأحياء والانشغال بترتيب السياسة بعد إفراغها من أخلاقها.
لم تتحول «صبرا وشاتيلا» إلى طقس. والطقس حضور دائم في التقليد والثقافة والشعر والأدب والموسيقى والتذكر والغناء وإقامة النصب.. الطقس، ذاكرة تسير على قدميها، ويشترك فيه الكثيرون، عبر فروض مرغوب بها، ترقى إلى رتبة المقدَّس الدنيوي وإلى مقام إدامة الحياة.. الطقس، تاريخ مستدام لا يتوقف، لأنه حامل معانٍ، تتصل بالحياة والمبادئ والأخلاق والسياسات الراقية.. الطقس، عندما يكون من أصل إنساني تراجيدي، يرقى إلى مقام ما فوق إنساني، ويصير تاريخاً ناطقاً كل يوم.
لم تتحول «صبرا وشاتيلا» إلى طقس، لأنها كانت ممنوعة، وباتت مهملة، بقرارات متتالية، تناوب على اتخاذها، أصحاب سلطة، ورجال دين، وقادة مذاهب، ودولٌ عظمى، ذات رتب حضارية لم تتحول «صبرا وشاتيلا» إلى قداس يتلى كل يوم، إلى مقام يزار كل لحظة، إلى شاهد على فداحة القتل، إلى متحف يوخز الضمير، إلى مشهدية تحاكم القتلة، إلى صوت مهمته تأنيب المرتكبين وتقريع ذواتهم بما ارتكبته أيديهم، إلى ممر إلزامي للزوار الأجانب، كي يكونوا شهوداً على «المحرقة»...
إسرائيل تفرض على زوارها، زيارة النصب التذكاري للهولوكوست. اخترعت طقساً وتقليداً، يبقي «المحرقة» مشتعلة.
لقد تم اغتيال «صبرا وشاتيلا» مراراً. والذين تناوبوا عليها، أفدح من الذين ارتكبوا المذبحة، ونجوا من العقاب، وكوفئوا بالعفو والسماح، ومُنحوا نعمة الإغفال، فتبوأوا مراتب عليا في السياسة والمال والدين و... «الوطنية».
لم يكن أحد يرغب في الدخول إلى «صبرا وشاتيلا». يريدون إقفال أبوابها وحكاياتها, وتطبيق شريعة الصمت، ومعاقبة الإفصاح عما جرى، وحماية من بات معروفاً، اشتراكه في القتل والذبح والسفك والحرق والاغتصاب، احتراماً لتقاليد «الوحدة الوطنية» الرثة.
دول الغرب، صاحبة الرعاية لحقوق الإنسان، والداعية لمحاسبة مجرمي الحرب، أقفلت أبواب محاكمها الرمزية، لمحاسبة أرييل شارون (بلجيكا نموذجاً) أما المنفذون اللبنانيون المعروفون جداً، فقد حضروا فقط في إضبارة التحقيق المغلقة بأحكام، والموقع عليها من القاضي الراحل أسعد جرمانوس.
بيننا وبين «إسرائيل» فجوة كبيرة. هذه الدولة التي لا تاريخ لها، إلا منذ العام 1948، هي الدولة التي تقيم للتاريخ وزناً مثالياً، فجعلت منه أساساً لوجودها (ولو كان تاريخاً ملفقاً) ثم احتكرت الإقامة فيه، واحتلت منه حيزاً بارزاً: كل ما أصاب اليهود من عذابات ومآس وصولا إلى «الهولوكوست» هو في مقام المقدس في هذا التاريخ، وعلى الجميع أن يحترموه ويقفوا عنده، وممنوع المساس به، حتى ولو كان من باب الولوج الأكاديمي. التاريخ هنا حرام، لا يحلل فيه لأحد أن يشتبه به أو ينقص منه، وإذا أنكره أحد ما، اتُهم بالكفر، ونال العقاب، وآخر «المذنبين»، كان الأب بيار، شقيق الفقراء في العالم.
لقد حوّلت إسرائيل «الهولوكوست» إلى طقس يومي على مساحة عالم يلتزم بما تقرره ذاكرتها الحيَّة.
ماذا فعلنا نحن بـ «صبرا وشاتيلا»؟
أغلقنا الأبواب. أوصدنا الأزقة. خدّرنا الضمائر. واكتفينا، بين عام وعام، باستقبال وفود أجنبية، تصرّ على أن تكون حارس الذاكرة التي تحمي «صبرا وشاتيلا» من النسيان. هل تستعاد ذاكرة المجزرة؟ هل يكون مقامها في التاريخ، مقام الحضور الدائم في هذا العالم؟
شيء من ذلك يلزم أن يحدث يوماً ما، إذ، لا يجوز أن تموت «صبرا وشاتيلا»، وتدفن في الربع العربي الخالي.. من الإحساس والضمير والإنسانية. إرادة الحياة اليوم، أقوى من سحر الإهمال.
السفير:
القتلة بيننا.. وعفا الله عمّن قتل!
نصري الصايغ
I طنين الذباب
يقال: مَللنا الحكاية. يكفينا ما فينا. الجحيم وطن ونحن مواطنوه. ليس في هذه الأمة مكان لسماء ضئيلة. سماواتنا إسفلت ودم. ليلنا كليل امرئ القيس، وبطيء الكواكب كليل النابغة الذبياني.
ويقال: ما لنا ولهذا الماضي؟ فلنترك الموتى يدفنون موتاهم. لا طاقة لنا على سماع الحكاية.
لو أن هذا القول سليم، لعفينا أنفسنا من المناسبة. «صبرا وشاتيلا» لم تُرْوَ بعد. لم تكتب بعد. لم يُحاكم أحد فيها بعد، والعقاب، أنزل فقط بالشهداء الأموات ومن تبقى منهم على قيد الحياة... ليس بين كتبنا إلا قلة نادرة. الذين كتبوا عن «صبرا وشاتيلا»، أجانب ويهود.
أمنون كابليوك، روبرت فيسك، جان جينيه... مَن مِنَّا غير تلك المرأة المؤسسة، بيان نويهض الحوت؟
إذاً، لا بد من الرواية، ولو على عكازة جان جينيه، أو عبر عدسة كابليوك، وشهادة فيسك، وموسوعة الحوت.
أول الشهود، كانوا من تبقى. إلى جانب جان جينيه. دليله إلى المخيم، موت يشير بإصبعه إلى النهايات. قادته الرائحة إلى الأزقة. لا صوت أبداً. وحده الذباب كان يحتفل بمائدة الأجساد. صوت الذباب، نعيق يطن في الأزقة.
تقع عينا جينيه على ثياب ليست على مقاس أجساد ترتديها. إنها ضيقة جداً. مزروكة جداً. الأجساد فائضة عنها. لها رائحة يشتهيها الذباب فقط. للتراب، آنذاك، في صبرا وشاتيلا، رائحة عفن ودم وتخثر أعضاء. إنها الرائحة. ولا شيء سواها. الأجساد تشبه ضوضاء بلا أصوات. لا شك أنها فكرت بالهرب. أو أنها هربت بالفعل، ولكنها وصلت إلى الطلقة، أو إلى حافة البلطة، ووقعت على وجهها. أجساد، لا يخطر في بال أحد أن تكون شبيهة بالجياد الميتة، التي سقطت على بطونها عندما عزت عليها القوائم وانطفأت ذؤابات العيون. لا يخطر في بال أحد، أن تسد الحارات والأزقة بالجثث. وأن الممرات صارت مكبّات لأطفال ونساء ورجال وعجائز، يتمرغون في طنين الذباب.
II بعد مقتل بشير
الثلاثاء 14 أيلول 1982، الساعة الرابعة وعشر دقائق بعد الظهر، دوّى انفجار هائل في مبنى في الأشرفية. قتل بشير الجميل، قبل ثمانية أيام من موعد تسلمه رئاسة الجمهورية في لبنان، بعد «انتخابه» بقوة «البنادق»، إبان الحرب على لبنان، بذريعة «سلامة الجليل».
في تلك اللحظة، انكسر تاريخ صاعد، بعنوان إسرائيلي، وبدأت حقبة من العنف، ما كان أحد يتوقع أن تستمر لسنوات. ولئن كان كثيرون كانوا يدركون، أن «الثأر» الكتائبي، المدعّم اسرائيلياً، سيكون مريعاً.
تاريخ ما قبل الاغتيال، يشي بوضوح، أن المستهدف هو الفلسطيني ومن معه ومن يؤيده. كان بشير العدو اللدود للفلسطينيين، قال لمجلة «نوفيل اوبسرفاتور» في عز العدوان الاحتلالي للبنان، وإبان محاصرة بيروت، «في الشرق الأدنى شعب زائد، هو الشعب الفلسطيني». فلا بد من حذف هذا الشعب، لتحقيق ما يطمح إليه مناحيم بيغن آنذاك: «لا تمر سنة 1982 الا ونكون وقعنا على معاهدة سلام مع لبنان». وكان بيغن أول من وجه برقية تهنئة لبشير الجميل جاء فيها: «أهنئكم من صميم القلب لانتخابكم. حفظكم الله، أيها الصديق العزيز وأعانكم على إنجاز مهمتكم التاريخية من أجل حرية لبنان واستقلاله. صديقكم مناحيم بيغن».
عندما وصل نبأ مقتل بشير الجميل إلى أرييل شارون، قرر انتهاز المناسبة ليدخل بيروت الغربية، التي كان قد حاول دخولها، إبان حصار المدينة، وعندما كانت قوات منظمة التحرير فيها، إلى جانب «القوات المشتركة» اللبنانية. ولقد دفع الجيش الإسرائيلي في ساعات قليلة، أكثر من 23 قتيلاً وعشرات الجرحى. لدى محاولته تخطي معبر المتحف باتجاه البربير.
إذاً، القرار الذي تعذر تنفيذه، وتلكأ الكتائبيون في مساعدة جيش الدفاع الاسرائيلي عليه، بات ملحاً. مقتل بشير، هو بطاقة عبور للثأر من الفلسطينيين، ولتطهير المخيمات ممن تبقى من القوات الفلسطينية المسلحة، وفق ما ردده شارون، ومعه بيغن.
غريب. الضمانات الدولية التي منحها فيليب حبيب بعدم المساس بالمخيمات، بعد رحيل قوات منظمة التحرير والقادة الفلسطينيين من بيروت، بحماية قوة تدخل أميركية فرنسية إيطالية، باتت تشكل مانعاً وحاجزاً أمام شارون لدفع قواته واحتلال بيروت الغربية والمخيمات فيها.
غريب جداً، ففي 13 أيلول، عشية مقتل الجميل، غادرت بيروت الدفعة الأخيرة من القوة الدولية (850 جندياً) وذلك قبل عشرة أيام من انتهاء مدتها في بيروت (أمنون كابليوك تحقيق حول مجزرة. ص 19).
«في مكتب الجنرال شارون في وزارة الدفاع في تل أبيب، بسطوا خريطة عسكرية، رُسمت عليها مسبقاً عملية اقتحام بيروت الغربية، وكتب في أعلى الهامش، الاسم الرمزي للعملية.. الدماغ الحديدي». وبدأ التنفيذ بسرعة. وكان ما كان. قال رئيس الأركان رفول ايتان: «نحن الآن في داخل بيروت الغربية، وسوف ننظفها ونجمع السلاح ونلقي القبض على الإرهابيين، تماماً كما فعلنا ذلك في صيدا وصور ومناطق أخرى في لبنان... سندمر ما ينبغي تدميره ونعتقل من يجب اعتقاله. سنترك بيروت عندما يتم التوصل إلى اتفاق... وعندها سننسحب من جميع الأراضي اللبنانية، عندها فقط سننسحب من بيروت». (مرجع سابق. ص21).
قبل بدء الهجوم بساعات، عقد اجتماع في المقر العام «للقوات اللبنانية» حضره فادي افرام والياس حبيقة وآخرون، ورسموا تفاصيل المشاركة. وفي نهاية الاجتماع أسرّ أحد المسؤولين الكتائبيين للإسرائيليين: «منذ سنوات ونحن ننتظر هذه اللحظة»، لحظة دخول المخيمات وتمشيطها. حدث ذلك فجراً. وفي التاسعة صباحاً بدأ شارون يدير «الغزو»، وكان يراقب سير التقدم، وما يجري من عمليات، وهاتف بيغن من هناك: «قواتنا تتقدم نحو أهدافها. أستطيع ان أراها بأم العين».
رفض البيت الأبيض إدانة العمل العسكري الاسرائيلي. أبدت الخارجية الأميركية تفهماً للدوافع. ارتعب قادة منظمة التحرير. تذكروا الضمانات المكتوبة. قال فاروق القدومي «لقد خانونا»، وأعلن شفيق الوزان، رئيس وزراء ما تبقى من لبنان «ان اسرائيل خدعتنا». فيما كان الضابط ميشال عون يواجه الضابط الاسرائيلي الجنرال دروربي، ويرفض التعاون مع الجيش الاسرائيلي متسلحاً بأمر الوزان الذي منعه من أي تعاون مع الجيش الإسرائيلي، وأشار له انه «تلقى أمراً بفتح النار على القوات الإسرائيلية المتقدمة داخل بيروت الغربية، وانه، إذا لم يمتثل للأمر، فإنه مهدد بأن يُقدّم للمحاكمة العسكرية».
III أربعون ساعة..للقتل
وكان ما كان: أربعون ساعة من دون انقطاع، كانت كافية لإتمام مراسم المذبحة: رعب فالت. قتل بالأسلحة الحربية، بالفؤوس، بالفرّاعات، بالسواطير. لم يفرّق السفاحون بين فلسطيني ولبناني، بين مسلم ومسيحي، فكل من يعيش في المخيم، «حلال قتله وذبحه».
تفاصيل المذبحة موثقة. بيان نويهض الحوت، سجلت بدقة ما حصل، وفق شهادات مثبتة وصادقة ومؤكدة. امنون كابليوك في «تحقيق حول مجزرة» روى ما نقله شهود عيان واستند إلى شهادات عشرات الاسرائيليين، من مدنيين وعسكريين، وفلسطينيين ولبنانيين وصحافيين أجانب. «ويلات وطن» لروبرت فيسك نقلٌ حيٌ لمشاهدات الكاتب، عندما تسلل إلى صبرا وشاتيلا، ووجد نفسه بعد لحظات، انه يقف على تلة غطّى ترابها المهال عليها بسرعة، فوق أجساد، وأنه لا يتكئ على خشبة، بل على ذراع تيبست في العراء واسودَّ جلدُها.
في تلك الساعات، أتمّ الكتائبيون و«القوات» ورجال سعد حداد، بقيادة أرييل شارون ورفول ايتان، عملية تطهير المخيمات من الحياة.
الكتائبيون ثأروا لرئيسهم من أبرياء. الفلسطيني متهمٌ دائم. هو مخرب. إرهابي، مجرم، محتل، عميل ومجوي. هي ثقافة أبلسة الآخر تمهيداً لعزله وتصفيته. «فلسطيني واحد ميت، هذا تلوث. كلهم قتلى، هذا هو الحل». المبالغة في اللغة، المعبرة عن أحقاد متوارثة، تقود إلى تنظيم احتفال بالقتل. وأبلغ الشهادات وأكثرها تعبيراً، جاءت على لسان سفاح «السبت الأسود» جوزف سعاده. فعندما رأى ما يرتكبه رفاقه الكتائبيون آنذاك، صرخ بهم: «يا حيوانات. ماذا تفعلون». أجابوه: «تذكر السبت الأسود». الآن صرت تشفق على الفلسطيني.
IV من المقبرة إلى «الوطن البديل»
تمت التصفية. وهذا ما كان يريده قادة العدو الاسرائيلي. صحيح أن عنوان الحرب كان «سلامة الجليل»، لكن الهدف المضمر، كان «حل المشكلة الفلسطينية» النهائي. كان من المفترض، كما أعلن ايهودا باراك، بمناسبة الذكرى العاشرة لانسحاب الجيش الاسرائيلي من الجنوب اللبناني، أن تفضي «سلامة الجليل» إلى طرد الفلسطينيين من لبنان، ونقلهم إلى المنافي، وإقامة دولة فلسطينية في الأردن. أو إقامة الوطن البديل واعتبر باراك، ان الانسحاب من الجنوب اللبناني، كان يجب ان يتم منذ أعوام، لأن مشروع شارون قد فشل.
مجزرة صبرا وشاتيلا، كانت في هذا السياق، جزءاً من خطة غزو لبنان: إقامة حكم لبناني موال لإسرائيل، يعقد معاهدة سلام. طرد الجيش السوري، تصفية قوات منظمة التحرير، وطرد الفلسطينيين من لبنان.
الثمن كان باهظاً. كان بحجم جريمة ضد الإنسانية. أفلت القتلة اللبنانيون من العقاب، غسلت إسرائيل جريمتها بمحاكمة غير عادلة، برأت فيها القيادة من الفعل المباشر. ومنذ ذلك الوقت ساد منطق العفو عن القتلة. ولا تفتحوا قبور الماضي، «الوحدة الوطنية» تقتضي النسيان والإهمال، أما شارون وعصابته، فقد حماهم العالم الحر، ومنع عنهم المحاكمة، حتى ولو كانت صورية.
ما أسرع العالم في تبرئة إسرائيل من جرائمها، وما أجرأه في الإقدام على منح جائزة نوبل، لمناحيم بيغن، الأب الروحي والقائد السياسي، والآمر العسكري، لغزو لبنان، نوبل حاولت ان تتخطى كل ما قاله بيغن: «أغيار قتلوا أغياراً... فما علاقتنا بذلك».
مخجل أمر التاريخ. يمحو أكثر مما يسجل. يغفل أكثر مما يوضح. هو صندوقة الأقوياء، يرمون فيه حمولاتهم بلغة سهلة الحفظ. لقد سجل التاريخ مذبحة صبرا وشاتيلا، ولكن صوتها شحيح، وملفاتها مغلقة، وما يرشح منها، هو نبش يقدم عليه، المؤمنون بالضمير، أو، الذين لم يقتلوا ضميرهم بأيديهم.
جمهورية الصمت، أقوى من تقاسيم المذبحة، «فيا فجر بيروت الطويلا، عجِّل قليلا، عجِّل لأعرف جيداً: إن كنتُ حياً أم قتيلا». (محمود درويش).
القَتَلة أحياء بيننا... والموت الأعمى يلف القتلى بصمته.
تعليقات القرّاء
التعليقات المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع وإنما تعبر عن رأي أصحابها