مما لا شك أن المنطقة العربية والعالم من حولنا والقضية الفلسطينية تشهد تغيراً دراماتيكياً سريعاً وكبيراً وخطيراً وخاصة بعدما وصل الرئيس الأمريكي ترامب في بداية هذا العام لسدة الحكم فعلياً في الولايات المتحدة الأمريكية حيث بدء (ترامب)، فوراً باتخاذ العديد من القرارات، التي تؤكد انتهاء السياسة الناعمة التي كان ينتهجها سلفهُ الرئيس السابق اوباما.

الرئيس ترامب الذي عُرف بتهوّره، فاجئ العالم بضربة صاروخية «ذكية» على القاعدة السورية بعد المذبحة الكيماوية في خان شيخون، فدمر العديد من الطائرات الحربية روسية الصنع، وكان قبل تلك الضربة الأمريكية بصواريخ (تماهوك)، قد التقى نتنياهو في مكتبه في البيت الأبيض، ثم التقى ولي العهد السعودي محمد بن سليمان، والتقى الملك الأردني عبد الله بن الحسين، والتقى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، وسيلتقي قبل نهاية هذا الشهر بالرئيس الفلسطيني محمود عباس، الذي استقبل قبل فترة وجيزة بمكتبه المبعوث الأمريكي لعملية السلام في الشرق الأوسط (جنسيون غزنبيلات)، والذي أكد أن بصدد حل نهائي للصراع العربي الإسرائيلي يكون إقليمي تشارك فيه جميع الدول العربية يعلن خلالها نهاية الصراع وتطبيع الدول العربية مع الكيان الإسرائيلي.

كما هناك ترتيبات تجري على قدمٍ وساق لمرحلة ما بعد بشار الأسد، ومما يدلل على صحة ذلك ما أعلنهُ علن وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون اقتراب سورية المنكوبة من نهاية عهد أسرة الأسد كما سيوصل رسالة وزير الخارجية الأمريكي لروسيا في موسكو مفادها أن الرئيس ترامب جاهزة للتحالف معكم، بدلاً من حمايتك للأسد - وخامنئي - «حزب الله»، والأن يخشى النظام في دمشق «صفقة الكبار» لبيعه في مقابل تفاوض الأميركيين على أوكرانيا واستقرارها، وتغاضيهم عن ضم روسيا شبه جزيرة القرم، وأما إيران التي لا يكنّ ترامب أي ودّ لمرشدها، ولم يستطع هضم الاتفاق النووي معها، فتبدو الخاسر الأكبر، وإن فَقَدَ نظام الأسد كل شيء، وتهاوى، وهو يدافع عن مواقعه بحراسة ميليشيات أجنبية، وهي تدافع عن مواقع نفوذ إقليمية، لاستدراج عروض «صفقة شاملة»... يحيّرها أنها تأخرت كثيراً، ومن البديهي أن يفضّل ترامب التفاوض مع القيصر لا المرشد، ومن البديهي أن لا ينام المرشد بعد اليوم على حرير الانتصارات المفخّخة، فالضربة الأميركية الأولى أعادت نظام الأسد إلى مربع الخوف، من زاوية أخرى يتزامن كل ما سبق مع اتساع مساحة التباين في المواقف بين روسيا وتركيا التي تحوّلت كما وصفتها الصحافة الروسية إلى «شريك مُتعِب»، حيثُ شكّلت المواقف التركية المرحّبة بالضربة الأميركية، والداعية إلى تعزيز نهج التعامل الحازم مع النظام السوري، إلى درجة دفعت وسائل إعلام حكومية روسية إلى تأكيد أن الكرملين «فَقَدَ الثقة بأنقرة كشريك أساسي في مسار التسوية في سورية، كما وبدأ الملف الكردي أساسياً في توسيع الهوّة بين الطرفين، وإحباط مساعي التوصُّل إلى نقاط مشتركة للتعامل معه.

فيما يبدو أن المنطقة العربية مقبلة على تقسيم جديد في عهد ترامب، فليبيا تعيش حالة من عدم الاستقرار، وكثير من الدول العربية ليست حالها بأفضل والعراق شبه قُسمت ومزقت وشُتت وشرد سكانها، وسوريا على طريق التقسيم، ومصر تتعرض من الفينة للأخرى للعلميات الإرهابية والأوضاع الأمنية في سيناء لا تبشر بخير، حيث يستمر الجيش المصري في مطاردة الجماعات التكفيرية، ولبنان يموج ويعج بالصراعات والخلافات بين الفرقاء اللبنانيين.

أما على الصعيد القضية الفلسطينية وهي أم القضايا ورأس القضايا في العالم نبدأ بقضية أهمت الشارع الفلسطيني وهي قضية اغتيال الأسير القيادي بحركة حماس الشهيد مازن فقهاء؛ حيث فجر وزير جيش الاحتلال ليبرمان قنبلة حينما اتهم ليبرمان حركة "حماس" باغتيال القيادي فيها مازن فقهاء، والذي وأكد، أن عملية الاغتيال جرت من داخل صفوف الحركة نفسها، نافيا أي ضلوع للموساد في العملية، أما على صعيد قضية الخصم بنسبة 30% من موظفي السلطة الوطنية بقطاع غزة الذين التزموا طول عشر سنوات بقرار القيادة الفلسطينية وجلسوا في بيوتهم، كانت عملية الخصم من رواتب الموظفين كالزلزال الذي ضرب قطاع غزة والذي جعل حركة حماس تنصدم لما حصل لأن القطاع أصيب بشلل اقتصادي كبير، فخرجت ألوف مؤلفة لتتظاهر في ساحة السرايا بغزة ضد الحكومة برام الله، مع مناشدة للرئيس عباس بإقالة حكومة الحمد الله وتشكيل حكومة وحدة وطنية وإلغاء قرار الخصم من رواتب الموظفين.

كان الأمر بمثابة امتحان كبير لحكم حركة حماس بغزة التي شكلت لجنة إدارية لحكم غزة، وانقلبت على حكومة الوفاق الوطني، أما الرئيس محمود عباس الذي على ما يبدوا اتخذ قرراً حاسماً بضرورة إنهاء تفرد حماس بحكم غزة وإنهاء الانقسام بعد عشر سنوات، لأن هناك حل إقليمي يلوح بالأفق لترتيب المنطقة برمتها، وليذهب للقاء الرئيس ترامب وموقفه أقوى في حال استجابت حماس لتسليم غزة، ومكنت حكومة الوفاق من تسلم الوزارات، ومن ثم إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية في غضون ثلاثة أشهر، فالرئيس أبو مازن يمتلك من الحنكة السياسية والحكمة الكثير ورجل دولة قولا وفعلا وله الكثير من الإنجازات والمواقف التي تدلل على صواب مواقفه، ونتذكر في عدوان الكيان الإسرائيلي الغاصب عام 2014 على غزة.

حيث خرج الرئيس عباس في اليوم الأول وطالب بوقف إطلاق النار ولكن حركة حماس لم يروق لهم ذلك إلا بعد أن دخل عدد الشهداء والجرحى بآلاف.

وبعد عشر سنوات من الانقلاب على النظام السياسي الفلسطيني، وبعد كل محاولات تقسيم المجتمع الفلسطيني على أسس حزبية بغيضة حين أصبح الجهاز الحكومي لون واحد دون غيره ، والسلطة تقوم بتمويل المجتمع الفلسطيني في المحافظات الجنوبية بكل ما يحتاجه وتقوم بدفع رواتب قرابة 60 ألف موظف وكثير من النفقات التشغيلية في الوقت التي يجبي من يحكم غزة وهي حركة حماس الضرائب وتجمع الأموال، في الوقت الذي استمر الرئيس والحكومة برام الله بإرسال الدواء والكتب التعليمية والرواتب، والمستلزمات التشغيلية ومخصصات الشؤون الاجتماعية لغزة؛

فإن الذي يحاصر غزة ويعمل على استمرار حالة القهر والظلم على شعبنا هو من يرفض توحيد النظام السياسي الفلسطيني والذي يقدم مصالحه الحزبية على المصلحة الوطنية العليا، وهو من يعمل على إقامة دولة غزة!!!. صحيح أن قطع جزء من الرواتب بنسبة 30% كان مصيبة حلت بغالبية أبناء شعبنا في غزة، وخاصة كلهم أصحاب عوائل كبيرة وعليهم التزامات عدة، وقروض للبنوك.

ولكن أخر العلاج الكي، فليس المقصود بذلك الموظف بذاتهِ بقدر ما كانت رسالة واضحة لمن يحكمون غزة حركة حماس، فكثيراً ما يأخذ الأب ابنه لغرفة العلميات الجراحية ليس لأنه يكره ابنه بل لينقذه من مرض عضال ألم به حتى لا يتفشى المرض في جسد الابن فيسبب بمقتل الابن، صحيح أن جُل من تضرر من الخصم هم مناضلون من أبناء الانتفاضة الأولى والثانية وأبناء الشهداء والأسرى وهم كل من نجا من الحروب الثلاث المدمرة التي فرضت على غزة ، ولكن استمرار الحال على ما كان عليه سوف يجلب الكثير من الكوارث التي ستكون أعمق بكثير من قضية الخصم المؤقت.

ولكن هذا الفعل كان مطلوب لكي تعلم حماس بأن الانقسام لابد أن ينتهي، وأن النظام السياسي يجب أن يتوحد وأن هذا الوطن الكل شريك فيه وأن الشعب هو صاحب القرار، فالأمر يتطلب التضحية من الجميع بأن استمرار الحال سيكلف الجميع ثمن أكبر بكثير من جزء الراتب الذي تم خصمهُ، حتى لا تبقى غزة مخطوفة من قبل حركة حماس.

إن قرار الحكومة الفلسطينية في رام الله الخصم من رواتب موظفيها في قطاع غزة لن يدفع حركة «حماس» إلى تسليم القطاع ومؤسساته بهذه السهولة إلى السلطة، كما لن يُقنع الغزيين بالانتفاض ضد الحركة وحكمها، إذا كان هذا هو المقصود.

فالقرار يمسّ أساساً الموظفين من حركة «فتح» أو المتمسكين بشرعية السيد الرئيس عباس، والذي شكل لجنة سداسية مكونة من ثلت أعضاء اللجنة المركزية تقريباً على رأسها نائب الرئيس في اللجنة المركزية لحركة فتح المناضل الكبير محمود العالول حاملاً معه إلى غزة في الأيام القادمة مبادرة الرئيس ومن أهم مطالبها: إلغاء اللجنة الإدارية التي شكلتها حركة حماس لإدارة القطاع، والتزام المبادرة القطرية الأخيرة التي تنص على تشكيل حكومة وحدة وإجراء انتخابات خلال ٣ أشهر، وفي خلفية قرار الرئيس عباس رسالة اقتصادية تفيد بأن «حماس» لن تستطيع تحمّل فاتورة رواتب حوالي ٦٠ ألف موظف للسلطة، ما سيؤدي إلى تردي الوضع الاقتصادي نتيجة نقص السيولة النقدية وتراجع القوة الشرائية، فماذا إن أضيفت الى ذلك إجراءات أخرى من قبيل قطع مخصصات الشؤون الاجتماعية للأسر المعوزة، وعودة أزمات الكهرباء والوقود، والأدوية ونقص المياه وتلوثها، والتضييق المالي من جانب البنوك، وقطع رواتب الأسرى وأسر الشهداء والجرحى وقتها غزة تحتضر فعلاً. هناك ترتيبات إقليمية ودولية لاستئناف عملية السلام، ومن المؤكد بأنها ليست خارج حسابات زيارة الرئيس أبو مازن واشنطن ولقائه المتوقع مع الرئيس دونالد ترامب آخر الشهر، كما أن الرئيس أخذ التفويض في القمة العربية في البحر الميت أخيراً، لإنهاء الانقسام.

فالسلطة تريد استعادة قطاع غزة؛ وموافقة «حماس» ليس أمراً سهلاً، وأهات السكان بغزة لم تعد تُحتمل التسويف من حماس، ومبادرة الرئيس في جوهرها ممتازة للجميع ومعقولة جداً والانتخابات مخرج جيد للجميع لتجديد الشرعيات الفلسطينية، التشريعية والرئاسية، فغزة أمام مرحلة مفصلية في نهاية الشهر الجاري، فهذا الانقسام طال عمرهُ ويجب أن ينتهي بلا رجعة من خلال إتمام المصالحة والوحدة الوطنية حتى تنجو السفينة وتصل بجميع ركُابها إلى بر الأمان، أعتقد أن الأمر متوقف الأن على حركة حماس.