لم استغرب بدء خمس مدارس في القدس المحتلة بتدريس المنهاج الاسرائيلي في بعض الصفوف بمدارسها ، بل اتوقع الاسوأ من ذلك أن تصبح خمسين ، فطالما كانت التحذيرات من هذه الخطوة التي تعتبر جريمة بحق الانسانية وليست بحق شعبنا وتاريخه فقط ، فهذا المنهاج يزور التاريخ جهاراً نهاراً ويعمل على تشويه الهوية الفلسطينية ووأدها في أذهان أبنائنا، كما زور معالم المدينة وأسقط عليها تاريخاً مزعوماً على مرأى ومسمع منا ، ونحن لا نملك سوى إشهار ألسنتنا للشجب والاستنكار قائلين "ستبقى القدس عربية فلسطينية ولن يستطيعوا النيل من عروبتها"!!!.
سقطت كل قلاعنا في القدس ولم تبق إلا واحدة صامدة في وجه حرب التهويد على مدار العقود الماضية ألا وهي قلعة التعليم ، وها هي بدأت تتهاوى أمام ناظرنا ، حتى سلاح الشجب هذه المرة ما زال خجولاً وعلى مختلف المستويات رغم كثرة المرجعيات الخاصة بالقدس المحتلة بطواقمها وميزانياتها المتواضعة التي من المفترض أن تقيم الدنيا ولا تقعدها على هذه الجريمة .
حولت سلطات الاحتلال بعض أحياء القدس الى أوكار لمدمني المخدرات وقلنا :"ما زال شعبنا صامداً يحافظ على قيمه"!!، وغيرت معالم المدينة وطابعها العربي وقلنا "القدس ستبقى هويتها عربية "!!، وبعد أعوام عندما سنسأل عن مكان المسجد الأقصى سيقول أحد ابنائنا " على جبل الهيكل"
لو فكرنا بواقعية نجد أننا بطريقة أو بأخرى ساعدنا سلطات الاحتلال على تنفيذ مشروعها من خلال إهمالنا لواقع التعليم في القدس ، وكان لا بد على الحكومة من إعادة النظر في تعاملها مع هذا الملف ، فلا يعقل الارتقاء بواقع المؤسسات التعليمية الفلسطينية بينما يصل راتب بعض مدراء المدارس التابعة لبلدية الاحتلال 20 ألف شيقل ويقابله في المدرسة الفلسطينية راتب المدير اقل من 5 آلاف شيقل شاملة علاوة القدس التي لا تسمن ولا تغني من جوع ،كما لا يعقل ان مدارس بلدية الاحتلال التي وصلت نسبتها الى قرابة 50 % من مدارس المدينة ان تحصل على مبلغ 2000 شيقل مقابل كل طالب جديد تضاف الى ميزانيتها ناهيك عن الحوافز التي يحصل عليها مدير المدرسة لزيادة عدد الطلبة بينما في المدارس التي تخضع لاشراف فلسطيني لا تأخذ إلا عبء تكدس الطلبة في الشعب والحاجة إلى البحث عن مدرسين بشق الأنفس لأن مهنة التعليم في القدس غير مجدية .
إن سلطات الاحتلال بخبثها واستغلال غياب المواجهة الجدية والحقيقية على الأرض ستجعل من أهلنا في القدس يدافعون عن مشروعها بطريقة غير مباشرة ، من خلال تمييز الصفوف التي طبق عليها المنهاج الإسرائيلي وتولي طلابها ومعلميها اهتماما منقطع النظير ، لتخلق حالة من المقارنة بين الطلاب انفسهم في الصفوف الاخرى وبين المعلمين والمدارس ، ويصبح أولياء الأمور يشعرون بالفرق في الاهتمام ويفكرون بإلحاق أبنائهم في هذه المدارس .
إن منح الاحتلال فرصة لتطبيق هذا المنهاج يوفر له بيئة جيدة لتكريس هذا المنهاج وجعله أمراً واقعا ، فلا بد من تحرك جدي من كل الغيورين على القدس وعروبتها وأبنائها ، فلا مجال للمزايدات والتنصل من المسؤوليات ، ويجب ألا تترك وزارة التربية وحيدة في هذا الميدان لأنها لا تملك حولا ولا قوة .
على ما يبدو إن طلب رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو من المدراء والمعلمين في اسرائيل بتربية الطلاب على التميز والصهيونية تعدى ذلك بكثير ويريد أن يربي أبناءنا نحن على الصهيونية والتنكر لتاريخنا وحضارتنا وقيمنا.