تمثل زيارة وزير الخارجية المصري نبيل فهمي لفلسطين ولقاؤه الرئيس محمود عباس والقيادة الفلسطينية في رام الله خطوة مهمة ورسالة مصرية أهم فيما يتعلق بالأولويات المصرية القادمة، فهذه الزيارة تأتي بالرغم من انشغالات القيادة المصرية بهموم كبيرة داخلية وخاصة في مجال مكافحة الإرهاب واستكمال خارطة الطريق المتفق عليها، وهي تعبر عن رغبة مصرية أكيدة في لعب الدور الإقليمي والدولي الذي يليق بمصر ويكون بمستوى حجمها وأهميتها. وهي تريد أن تقول للفلسطينيين نحن معكم ومهتمون بكل همومكم وقضاياكم، وتقول للاعبين الإقليميين والدوليين مصر ستكون حاضرة بقوة في كل التفاصيل في هذه المنطقة.

وزير الخارجية المصري أراد إيصال رسالة للقيادة الفلسطينية تتعدى مجرد التعبير عن تقدير للموقف الفلسطيني الذي اتخذه الرئيس محمود عباس (أبو مازن) من الثورة المصرية الثانية والزيارة التي قام بها لمصر في أعقاب الإطاحة بالرئيس محمد مرسي، والتعبير عن دعم الموقف الفلسطيني في المفاوضات مع إسرائيل، إلى التركيز على ملف المصالحة ولكن ليس فقط بالتأكيد على الموقف المصري التقليدي من هذا الملف والاستعداد الدائم للمساعدة في إنجازه، بل وأكثر من ذلك التحذير من الذهاب نحو خطوات قد تؤدي إلى تكريس الانقسام من قبيل إجراء انتخابات في الضفة الغربية فقط واستثناء قطاع غزة منها، كما دعا إلى ذلك بعض قادة "فتح" في إطار الرد على رفض حركة "حماس" إجراء الانتخابات بعد ثلاثة شهور على تشكيل حكومة التوافق الوطني برئاسة الرئيس أبو مازن.

والموقف المصري واضح بشأن التعامل مع ملف الانقسام، وهو يقوم على أنه توجد سلطة واحدة شرعية يرأسها الرئيس أبو مازن ولا يعترفون بنتائج الانقسام، ولكنه يتعامل مع "حماس" باعتبارها قوة موجودة ومسيطرة على قطاع غزة كأمر واقع، ولا يتجاهلها.

الموقف المصري مبني على رؤية استراتيجية للمصالح المصرية والفلسطينية التي ترى في عودة الوحدة الفلسطينية وتوحيد شقي الوطن تحت سلطة واحدة أمراً ملحاً وحيوياً من أجل الحفاظ على المصلحة الوطنية الفلسطينية من جهة والحفاظ على مصلحة مصر وأمنها من جهة أخرى.

وترى مصر أن ترك قطاع غزة منفصلاً عن الضفة ومعزولاً عن باقي الوطن تحت سلطة حركة حماس يلحق ضرراً كبيراً بالمصلحة المصرية. من هنا تأتي الرغبة المصرية في تذكير وتحذير الجانب الفلسطيني من الوقوع في خطأ استراتيجي كبير بترك غزة لمصيرها والبناء على معطيات الوضع القائم في الضفة.

للأسف هناك غياب لإدراك حجم المخاطر المترتبة على عدم انتهاز فرصة ما جرى في مصر لدفع موضوع المصالحة للأمام ليس على خلفية أن هناك طرفاً منتصراً وطرفاً مهزوماً، بل على قاعدة أن الشعب الفلسطيني بأسره معني بالمصالحة التي تمثل مصلحة وطنية عليا وتفيد كل الأطراف الحريصة على إنجاز حقوق هذا الشعب ومشروعه الوطني في الحرية والاستقلال.

والآن الفرصة مهيأة أكثر من أي وقت مضى لتحقيق المصالحة والوحدة. ومن باب الإنصاف لا بد من ملاحظة تطور موقف "حماس" من المصالحة وخاصة بعرضها الذي قدمته عبر الوسطاء والذي يقول أنها مستعدة للاتفاق على موعد محدد للاتخابات ربما بعد عام والذهاب فوراً لتشكيل حكومة توافق وطني تدير الأمور حتى الانتخابات. وهذا اقتراح واقعي بالنظر إلى عدم جاهزية الساحة الفلسطينية لانتخابات سريعة، حتى الأطراف التي تنادي بانتخابات بعد ثلاثة شهور ليست جاهزة لذلك، واذا قارنا وضع "حماس" بغيرها فهي أكثر جاهزية.

وربما تكون هناك خشية من فقدان الأغلبية في المجلس التشريعي أو عدم الحصول على التمثيل الذي ترغب في باقي المؤسسات.

المسؤولية الوطنية تقتضي المرونة والبحث عن القواسم المشتركة وليس فقط التمسك باتفاقات سابقة، وانتهاز الفرصة أمر في غاية الأهمية خصوصاً في هذه المرحلة والقيادة تخوض مفاوضات على الأغلب لن يكتب لها النجاح وهي بحاجة إلى بدائل وطنية يتوافق عليها الجميع في مرحلة ما بعد المفاوضات، وحتى لو حصل المستحيل ونجحت المفاوضات نحن أيضاً بحاجة للوحدة الوطنية التي تعتبر الأساس لقيام الدولة المستقلة.

هناك من ينظر للمصلحة الوطنية باعتبارها مصلحة شخصية ويقيم الأمور بناءً على موقعه الشخصي في اي اتفاق أو تطور، ويقيس على ذلك، وهؤلاء موجودون في غزة والضفة على السواء، وهم معنيون بالحيلولة دون إتمام المصالحة خوفاً على مصالحهم دونما اعتبار للمصلحة الوطنية، ومن واجب كل الوطنيين الغيورين على المشروع الوطني التصدي للحسابات الذاتية الضيقة التي تأتي على حساب الوطن.

الظرف الحالي بمصر ربما يفيد طرفاً أكثر من الآخر ولكنه مناسب للجميع للتقدم نحو إعادة توحيد الوطن، ولتكن زيارة وزير الخارجية المصري مناسبة لإعادة التفكير بكل موضوع الانقسام وبأهمية وضع استراتيجية فلسطينية وخطة للخروج من هذا الوضع الذي نعيش بفعل سياسات الاحتلال والتآكل المستمر في الأراضي جراء الاستيطان المدمر لإمكانية حل الدولتين.

العالم غير مهتم بحل الصراع الفلسطيني والعربي- الإسرائيلي وما يهم الدول العظمى الآن هو مصير النظام السوري الذي قد يتعرض لضربة على يد تحالف دولي –عربي، وربما هذه الضربة تقرب الحل في سورية أو تعقده.

لكن القضية الفلسطينية ستبقى على أهميتها ومكانتها ونحن من يستطيع تركيز أنظار العالم عليها من جديد. وهذا لا يتم بالتمني أو بانتظار ما يجود به العالم والتعامل مع الأمور على طريقة"سارحة والرب راعيها" بل يجب أن نكون لاعبين مركزيين في تقرير مصير المنطقة ولابد لكي نأخذ هذا الدور أن نكون موحدين وأقوياء، ونتخلص من سلبيتنا.