صباح مختلف بملامحه ورائحته ذلك بدأ به أهالي مخيم شعفاط يومهم؛ لم تكن الساعة قد جاوزت السابعة صباحا بعد حين تجمهر أطفال بزيهم المدرسي حول سيارة بيضاء صغيرة تغيرت ملامحها هي الأخرى: ففقدت زجاجها وامتلأ هيكلها بثقوب سوداء بشعة فيما غرقت مقاعدها بدم قان ممزوج بما كانت تحمل من فطائر البيتزا التي كانت ستكون وجبة عشاء لأحدهم.

قبل هذا المشهد البشع بخمس ساعات فقط، كانت تلك السيارة تسير في المخيم، يقودها الشهيد مصطفى نمر، قبل أن تشل رصاصات الإحتلال يداه عن الحركة، وتعدمه بلا تهمة، بلا رحمة، وبلا شفقة. خرج مصطفى مع نسيبه لشراء ثياب العيد لإبنة شقيقته، وبعض الحلويات لأطفالها، ولم ينسى أن يشتري عشاءا لوالديه، كل هذه الحاجيات بقيت في المركبة الا مصطفى، وكلها شاهدة على برائته من التهم المنسوبة اليه، فهو لم يكن ينوي دهس الجنود اللذين اقتحموا المخيم كما تدعي شرطة الإحتلال.

مصطفى .. "أبو الطيب"

مصطفى الشاب البسيط ابن السابعة والعشرين ربيعا، كان يعمل في التنظيف، يأكل من عرق جبينه، وكما يقول ابن عمه عبد الله " من العمل الى البيت، ومن البيت الى العمل، نادرا ما يخرج الى مكان أخر، وكان يساعد أهله في مصروف المنزل، كان شابا مثل الوردة، محترما، محبوبا من الجميع، لدرجة أنهم كانوا يلقبونه "أبو الطيب" لطيبة قلبه، وحبه للخير والمساعدة".

كل هذا لم يشفع له لدى الجنود الذين أمطروه ونسيبه “علي”، العزل تماما من أي سلاح، بوابل من الرصاص، وفيما سحبوا علي من السيارة أرضا ليهددوه بسلاح موجه إلى رأسه ويجبروه على خلع بنطاله إمعاناً في إهانته ومتلذذين بخوفه صارخاً “لم أفعل شيئاً” كان مصطفى يغمض عينيه ناطقاً الشهادتين.

أما والدة الشهيد التي توشحت بالأسود فلم تصدق ما حدث، ظنته جريحا في بداية الأمر، لم تصدق أنه رحل دون عودة، سمعت بأذنها زخات الرصاص كما سمعه كل سكان المخيم الذين تفقدوا أبنائهم جميعاً الا هو لم يكن موجودا.

بعد أن قالوا لها:"ابنك استشهد" لم تعد تقوى على الحركة، نقلوها الى المشفى مع والد الشهيد، لا ليستلموا رفات ابنهم، بل لتردي وضعهم الصحي من هول الصدمة.