بقلم: د. أسامة الفرا

غالبية محطات الوقود في القطاع أغلقت أبوابها منذ أيام، فيما القليل منها يعمل وسط ازدحام وطابور طويل من المركبات، صورة لا تحتاج لتعليق أو تعقيب على أن هنالك أزمة محروقات في قطاع غزة، حتى وإن حاول المسؤولون إنكارها، والشيء ذاته ينسلخ على مواد البناء التي ارتفعت أسعارها لما يفوق الضعف في أيام قليلة، كنت أستمع لإذاعة محلية، وأنا في رحلتي من خان يونس إلى غزة، حين أخذ مقدم البرنامج يحمل المواطنين المسؤولية عن هذه الأزمات، مدعياً بأن تهافت المواطنين للاستحواذ على المزيد منها من جهة، وجشع التجار من جهة أخرى، يقف وراء هذا الشح في المحروقات ومواد البناء وخلافه، الصورة على الأرض لا تتطابق مع هذا الإدعاء حتى وإن تحمل هذا السلوك جزءاً يسيراً من الأزمة.

 

الحقيقة أن هنالك أزمة محروقات في مصر، وطوابير المركبات في سيناء على محطات الوقود يفوق مثيلاتها في قطاع غزة، ليس هذا فحسب بل أن الأزمة وصلت إلى العاصمة المصرية ذاتها، وبالتالي لا يمكن لنا فصل أزمة الوقود في القطاع عنها في مصر، خاصة وأن معظم استهلاك القطاع يصل إليه من مصر عبر الأنفاق، الأمر الآخر الذي لا يمكن تجاهله، هو أن الإجراءات المصرية سواء ما يتعلق منها بسياسة إغلاق الأنفاق والتي تسير على قدم وساق، أو من خلال منع المواد المختلفة من الوصول إلى الشريط الحدودي مع قطاع غزة، عبر حواجز عدة منتشرة ما بين مدينتي الشيخ زويد ورفح المصرية، كان لها الأثر الأكبر في ذلك.

 

يضاف إلى ذلك حالة الهلع التي أصابت الجميع مما يمكن أن تؤول له الأمور نهاية الشهر الحالي، على أثر الدعوة لتظاهرات واسعة في مصر لإسقاط الرئيس، وبالتالي يمكن لنا القول أن قطاع غزة على مدار السنوات القليلة السابقة سار بتبعاته شيئاً فشيئاً في اتجاه مصر، خاصة أننا لم نعد نتحدث كثيراً عن إغلاق حكومة الاحتلال للمعابر ومنع وصول العديد من المواد لقطاع غزة، ولم يعد الحصار الإسرائيلي لقطاع غزة في ذهن المواطن وراء هذه الأزمات، بل عادة ما ينظر إليه على أنه نتاج لحركة المواد عبر الأنفاق.

 

قد يرى البعض بأن أزمة المحروقات ومواد البناء التي يشهدها قطاع غزة هي أزمات مفتعلة، الهدف منها جني المزيد من المكاسب، لكن حقيقة الأمر تشير إلى غير ذلك، فالأزمات حقيقية وإن كان الجشع يفاقم منها، وهي مرشحة للاستفحال إن لم نجد حلولاً منطقية لها، ونحن نقف على عتبة هذه الأزمات علينا جميعاً أن نعيد البوصلة لوجهتها الحقيقية، حيث تتحمل حكومة الاحتلال المسؤولية الكاملة عن ذلك، ولا يقاسمها احد فيها، خاصة وأن اتفاق الهدنة الأخير جاء في أحد بنوده على رفع الحصار عن قطاع غزة، ويبدو أننا تناسينا ذلك في زحمة نشاط عمل الأنفاق في الفترة السابقة وجني الأرباح، ولسنا هنا بمعرض الحديث عن الانقسام وتأثيراته في مثل هذه الأزمات، فقد مللنا كما مل الجميع من تكرار اسطوانة لم يعد المسؤولون ينصتون إليها، بل الأغرب أنهم يرددونها نيابة عن المواطن المكلوم بهم.